لمحة عن الأدب التركي ما قبل وبعد الإسلام (2)
(تركيا بالعربي – TURK PRESS- الكاتب أسامة الحساني) بعد أن انتشر التصوف في أرجاء الأناضول، واكتسى الشعر التركي عباءة الصوفية، بات لشعراء هذا التيار صدر الشعر التركي عمن دونهم، ولهذا يبدو جليًا بروز هؤلاء الشعراء أيام الدولة العثمانية، لا سيما إذا ما علمنا أنهم نالوا قرب السلاطين واستحسانهم.
أحد أبرز شعراء الصوفية ذاك العصر يدعى “عاشق باشا”، الذي أجمع المؤرخون على كونه الشاعر العثماني الأول، عاصر هذا الشاعر فترة حكم السلطان “عثمان”، إذ وُلِدَ عام 1272م لأسرةٍ عريقةٍ ثرية، فتعلم العربية والفارسية، وأخذ علمه عن الصوفية، فألف منظومة من الشعر باللغة الفارسية عُرِفت بـ “غريبنامة” (Garîb-nâme) وتعني الكتاب الغريب، تتحدث عن تعاليم التصوف، وفلسفته، محتذيًا بخطى “جلال الدين الرومي”، وتكاد تخلو من الجمال الشعري، ولهذا عُدت قيمته العلمية أعلى من قيمته الفنية.
يقول في إحدى فصول غريبنامة: “…فانظر إلى ما صنع الرحمن وما أبدعته يد القدرة، لقد شاء لذاته العلية أن تُعرف، ولملكه العريض أن يمتلئ بخلقه. فتأمل في صنعه وخلقه وإبداعه، لأنك بذلك تعرفه حق المعرفة…”.
نذكر أيضًا من شعراء الحقبة العثمانية “سليمان جلبي”، وهو أحد مشايخ الصوفية، وأبرز الشعراء في عهد السلطان “أورخان”، ألف منظومة “مولد”، وهي عبارة عن 600 بيت في مدح الرسول عليه الصلاة والسلام، ومما قاله في تلك المنظومة: “هذا القادم للعلوم اللدنية سلطان، هذا القادم كنز توحيد وعرفان، هذا القادم تدور الأفلاك بمحبته، ويشتاق الملائكة والأنام إلى طلعته… لقد رحبت بمقدمك ذرات هذا العالم قائلة: مرحبا بك أيتها الشمس المشرقة مرحبا، مرحبا بك يا روح الأرواح مرحبا، مرحبا بك يا شمس العاشقين مرحبا، مرحبا بك أيها الروح الباقي مرحبا، مرحبا بك أيها الحب الصافي مرحبا، مرحبا بك يا رحمة العالمين مرحبا، مرحبا بك يا شفيع المذنبين مرحبا…”.
وقد ذاع صيت هذا المولد، حتى جرت عادة لدى الأتراك أن يجتمعوا حول من ينشد هذه الأبيات، فيقع الخشوع في قلوبهم.
كما اشتهر أيضًا من الشعراء العثمانيين الشاعر “شيخى” أو “شيخ الشعراء”، الذي يعزى له الفضل في إدخال فن القصص على الشعر التركي، وقد عاصر هذا الشاعر عهد السلطان مراد الأول، وبايزيد، محمد الأول جلبي، ومما يحكى أنه حين خسر جند السلطان محمد بعض المواقع في إحدى المعارك، حزن السلطان لهذا، فأمر به، فجاءه وقال: “لا دواء له إلا السرور”، وصادف هذا وصول نبأ انتصار الجند، ففرح السلطان لهذه البشرى، فأمر لشيخى بقطعة من إحدى القرى، ثم بدا من بعد خصومٌ لشيخى، نهبوه، وقتلوا من رجاله، فنجا بأعجوبة، وكتب فيما بعد منظومًة هجا بها أعداءه أسماها “خرنامه” وتعني كتاب الحمار، يقول فيها: “كان حمار نحيل هزيل، انقض الحمل ظهره فأصبح حطاما محطما، وقد حمّلوه الحطب تارة، والماء تارة، حتى ناء بما حمل وعلته القروح..”.