بعد نصف قرن .. كشف سر أشهر صورة من حرب فيتنام وكيف جلبت الحسرة لملتقطها صديق القاتل!
(متابعة – مرآة سوريا) “الصورة خير من ألف كلمة” قاعدة بديهية في مجال الإعلام ونشر الخبر، وربما كانت لقطة أخذها أيقونةُ التصوير الصحفي الأميركي إدي آدامز إبان حرب فيتنام أكبرَ دليل على واقعية المقولة وصحتها.
تحذير: تتضمن هذه القصة وصفاً مفصلاً لصور لحظة وقوع حادثة قتل.
الصورة لمن يسمع بها عرفت باسم “إعدام سايغون”، تظهر الجزء الصغير جداً من الثانية التي تخترق فيها رصاصة أطلقها عسكري عسكري فيتنامي على رأس رجل فيتنامي آخر.
وتُعد صورة إدي آدامز للجنرال نوين ناك لون Nguyen Ngoc Loan وهو يطلق النار على سجين حركة فييت كونغ (أو الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام) واحدةً من أكثر الصور تأثيراً خلال حرب فيتنام.
فقد أعيد طبع الصورة ونشرها في ذلك الوقت في جميع أنحاء العالم، حيث استُخدمت كرمز للعديد من الأعمال الوحشية والفوضوية التي انتشرت إبان تلك الحرب، وبالتحديد في الأيام التي عرفت بحملة تيت، التي شنَّها الثوار الفيتناميون في الـ30 من يناير/كانون الثاني من عام 1968، على الغازي الأميركي.
كما حفَّزت الصورة المشاعر المتزايدة بالفعل داخل الولايات المتحدة الأميركية حول عبثية وعدم جدوى المعركة، وأنه لا يوجد أمل في الفوز بتلك الحرب.
موقع هيئة الإذاعة البريطانية BBC بنسخته الكندية/الأميركية، أفرد تقريراً عن هذه الصورة الخالدة، التي خلَّدت معها على بشاعتها اسم مصوِّرها، مذكراً بمقولة الكاتب جيمس جيفري، الذي قال عنها “الصورة كما جلبت له هذا المجد والتألق جلبت له أيضاً الندم والحسرة”.
ويقول المدير المساعد في مركز دولف بريسكو للتاريخ الأميركي بن رايت (the Dolph Briscoe Center for American History): “هناك شيء ما في طبيعة تلك الصورة يجعلها تترك هذا التأثير العميق على مشاهديها، بل وتبقى عالقةً في أذهانهم”.
ويضم المركز، الذي يقع مقره في جامعة تكساس في أوستن، أرشيف آدامز للصور والوثائق والمراسلات.
وأضاف بن رايت: “إن لقطات الفيديو التي سجلت لحظة إطلاق النار، رغم أنها مأساوية، لا تثير نفسَ مشاعر الألم والمأساة الملحة والصارخة التي تبثها تلك الصورة”.
يظهر المسدس الدوار يحمله ذراع الرجل الممدودة، وهو يرتدّ بالفعل جرّاء قوة انطلاق الرصاصة، بينما يبدو وجه السجين وهو يتلوّى من الألم نتيجة اختراق جمجمته.
على يسار الإطار، تظهر الصدمة على وجه جندي وهو يشاهد الواقعة.
من الصعب ألا تشعر بنفس التنافر، والشعور بالذنب، مع العلم أن هناك شخصاً يموت في تلك اللحظة التي التُقطت فيها تلك الصورة.
السر وراء القتل
ولكن رغم وحشية تلك الصورة فإنها لم تستطع شرح ظروف تلك الحادثة التي وقعت في شوارع سايغون، في 1 من شهر فبراير/شباط لعام 1968، بصورة كاملة، بعد يومين من شنِّ قوات الجيش الشعبي لفيتنام (الثوار الفيتناميون) جنباً إلى جنب مع حركة الفيت كونغ هجوم تيت، وتمكنوا من الاستيلاء على عشرات المدن الفيتنامية الجنوبية على حين غِرَّة.
وقد تسبَّب القتال العنيف في الشوارع في تحويل سايغون إلى حالة من الفوضى، خاصة عندما ضبط الجيش الفيتنامي الجنوبي زعيمَ فرقة فيت كونغ، نوين ناك لون، في موقع لمقبرة جماعية تضم أكثر من 30 مدنياً.
بدأ آدامز في التقاط الصور، بينما كان ليم (فان ليم نغوين- السجين) أُجبر على السير في شوارع سايغون، بجانب سيارة جيب لون، وقد أشهر المسدس في ظهره.
ثم جاء لون ليقف بجانب ليم، قبل أن يوجِّه مسدَّسه الدوار نحو رأسه.
وقال آدامز بعد ذلك “اعتقدت أنه فقط سيهدد الرجل أو يرعبه”، لذلك رفعت الكاميرا بصورة تلقائية والتقطت الصورة”.
ويُعتقد أن ليم قتل زوجة وستة أطفال لأحد زملاء لون ” الجنرال الذي أطلق النار عليه من مسدسه”.
وقال الجنرال محاولاً تبرير فجاعة أفعاله “إذا كنت متردداً، أو إذا لم تقم بواجبك، فمن المستحيل أن تكون قادراً على إقناع الرجال باتباعك”.
وقال الكولونيل توليوس أكامبورا، الذي عمل لمدة عامين كضابط اتصال بالجيش الأميركي، إن لون لعب دوراً حاسما خلال الـ72 ساعة الأولى من هجوم تيت، واستطاع حشد وتعبئة القوات لمنع سقوط سايغون.
المصّوِر أصبح صديقاً للقاتل
في حين قال آدامز إن انطباعه الفورى هو أن لون كان “قاتل بدم بارد”، ولكن بعد السفر معه في جميع أنحاء البلاد أعاد آدامز تقييمه وانطباعه عن لون.
وقال آدامز في رسالة من فيتنام “إنه نتاج فيتنام الحديثة في ذلك الوقت”.
وبحلول شهر مايو/أيار من العام التالي، فازت صورة آدامز بجائزة بوليتزر للتصوير الفوتوغرافي الفوري Pulitzer Prize.
ولكن على الرغم من هذا الإنجاز الصحفي المتزايد وخطابات التهنئة من زملائه الآخرين الفائزين بجائزة بوليتزر، بل وتهنئة الرئيس ريتشارد نيكسون وحتى أطفال المدارس في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأميركية، فإن الصورة ما زالت تأتي لتطارد آدامز.
وقال آدامز في حفل لتوزيع الجوائز في وقتٍ لاحق “كنت أحصل على المال مقابل إظهار رجل يقتل شخصاً آخر. دُمرت حياة شخصين، وتلقيت أجراً مقابل ذلك. فأصبحت بطلاً”.
وظلَّ آدامز ولون على اتصال، إلى أن أصبحا صديقين بعد أن فرَّ الجنرال من فيتنام الجنوبية في نهاية الحرب إلى الولايات المتحدة الأميركية.
ولكن بعد وصول لون، قرَّرت دائرة خدمات الهجرة والجنسية الأميركية ترحيله، وهي خطوة ناجمة من تأثير الصورة.
كما أنهم حاولوا جعل آدامز يدلي بشهادته ضد لون، ولكن بدلاً من ذلك، شهد آدامز لصالحه، بل ظهر على شاشات التلفاز لشرح ظروف الصورة.
وفي نهاية المطاف، ألغى الكونغرس أمر الترحيل، وسمح للون بالبقاء، وفتح مطعم في ضاحية واشنطن العاصمة، لتقديم الهمبرغر والبيتزا والأطباق الفيتنامية.
وتُظهر صورةٌ قديمةٌ نُشرت ضمن مقالة في صحيفة Washington Post لون، بعد أن أصبح كبيراً في السن وهو يبتسم، بينما كان جالساً على طاولة في المطعم.
ولكنه أُجبر في نهاية المطاف على التقاعد عندما أثرت الدعاية بشأن ماضيه على أعماله بشكلٍ سيِّئٍ.
اعتراف بالخطأ والندم
يقول المؤلف هال بيل، الذي عمل في مؤسسة أسوشيتد برس كمحرر للصور مع آدامز، إن “إعدام سايغون” لا يزال يشغل بالنا حتى بعد مضي 50 عاماً، لأن الصورة “استطاعت في إطار واحد، أن ترمز إلى الوحشية التامة للحرب”.
“مثل كل الرموز، فإنها تلخِّص ما حدث في الماضي، وتلتقط اللحظة الحالية، وإذا كنا أذكياء بما فيه الكفاية، تخبرنا شيئاً عن المستقبل القاسي الذي تؤذن به كل الحروب”.
وأضاف أن تلك التجربة أعطت آدامز درساً حول إمكانية إخبار صورة واحدة بقصة كاملة.
وتابع “ونُقل عن إدي قوله إن التصوير الفوتوغرافي سلاح قوي. فالتصوير بطبيعته يمتاز بالانتقائية، لأنه يعزل لحظة واحدة، ويفصل تلك اللحظة عن اللحظات التي قبلها وبعدها، مما قد يؤدي إلى معنى مُختلف”.
مضى آدامز قدماً في مهنة التصوير الفوتوغرافي بشكلٍ أوسع نطاقاً، ونال أكثر من 500 جائزة، تقديراً على أعماله في الصحافة المُصورة، وتصوير شخصيات رفيعة المستوى، بما في ذلك رونالد ريغان، وفيديل كاسترو، ومالكوم إكس.
ولكن على الرغم من كل ما حققه بعد فيتنام، فإن لحظة صورته الأكثر شهرة ظلت دائماً مع آدامز.
كتب آدامز بعد وفاة لون بسبب إصابته بمرض السرطان في عام 1998 “لقي شخصان مصرعهما في تلك الصورة، قتل الجنرال العضو في حركة فيت كونغ، وقتلت أنا الجنرال بالصورة التي التقطتها من خلال عدسات كاميرتي”.