فخر الدين.. قائد دافع عن المدينة المنورة وبكى لفراقها
فخر الدين باشا قائد عسكري تركي شارك في عدة حروب، كلف بحماية المدينة المنورة من هجمات الإنجليز وحلفائهم من قبائل عربية، ورفض الاستسلام بعد هزيمة الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى وانسحاب جيوشها من الحجاز، وتوفي عام 1948، غير أنه أثار أزمة بين تركيا والإمارات في 2017 بعد إعادة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد نشر تغريدة مسيئة لفخري باشا، فرد عليه المسؤولون الأتراك -وفي مقدمتهم الرئيس رجب طيب أردوغان- بتعليقات لاذعة.
المولد والنشأة
ولد فخر الدين باشا الشهير بفخري باشا في روسوجوك العثمانية عام 1869، ولقب بنمر الصحراء، والنمر التركي.
الدراسة والتكوين
بعد انتقال عائلته للعيش في الأستانة انضم فخري باشا إلى المدرسة الحربية، وتخرج فيها عام 1888، ثم التحق بدورات ملازمي الفرسان وأركان حرب.
المسار العسكري
سرعان ما عمل في الجيش الرابع وشارك بحروب، بينها حرب البلقان، ورقي عام 1908 إلى رتبة وكيل أركان الجيش الرابع.
ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى عمل في سوريا، وعين قائدا للفيلق في الجيش العثماني الرابع في الموصل برتبة عميد، ثم رقي إلى رتبة لواء، وكلف بمهمة حماية المدينة المنورة، وعين قائدا لحملة الحجاز في 17 يوليو/تموز 1916، واختير بعد ذلك محافظا للمدينة في الوقت الذي كانت الاستعدادات متواصلة لإعلان الثورة على الإمبراطورية العثمانية.
قاد فخري باشا المعارك العسكرية ضد قوات الشريف حسين وحلفائه من الإنجليز تحديدا، ولم يتوقف إلا مع فشل العثمانيين في الحرب العالمية الأولى وتوقيع معاهدة رودس في 30 أكتوبر/تشرين الأول 1918.
بعد الهزيمة انسحبت الجيوش العثمانية من الحجاز، وبقي فخري باشا وحده مع نحو 15 ألفا من جنوده بالمدينة، وازدادت عزلته بعد قيام قبائل عربية ومعها الجاسوس الإنجليزي توماس إدوارد لورنس المعروف بـ”لورنس العرب” بتفجير السكة الحديدية في الحجاز ونسف أعمدة التلغراف.
ويحكي الباحث العراقي أورخان محمد علي أن فخري باشا تشبث بالبقاء في المدينة المنورة للدفاع عنها وعدم السماح للبريطانيين وحلفائهم من القبائل العربية بدخولها عنوة، فتواصل مع رؤسائه وطلب منهم دعمه قائلا “لماذا نخلي المدينة؟ أمن أجل أنهم فجروا خط الحجاز؟ ألا تستطيعون إمدادي بفوج واحد فقط مع بطارية مدفعية؟ أمهلوني مدة فقد أستطيع التفاهم مع القبائل العربية”.
لكن الأوامر صدرت إليه من القيادة والحكومة بالاستسلام فرفض وتشبث بالبقاء في المدينة حتى آخر رمق، وظل محاصرا حيث اشتدت وطأة الجوع والمرض على الجيش والسكان وقلت الذخيرة، ونصحه ضباطه بالتفاوض فقبل بعد طول رفض، وعند الاتفاق رفض الخروج -كما يحكي أورخان- مما دفع ضباطه لحمله قسرا وإدخاله الخيمة التي كانت معدة له وسط جو من الحزن والبكاء لمفارقة المسجد النبوي وضريح رسول الله صلى الله عليه وسلم، وللهزيمة التي منيت بها الإمبراطورية العثمانية.
وفي اليوم التالي أي 13 يناير/كانون الثاني 1919 دخلت القبائل مع حلفائها المدينة المنورة بحسب الاتفاق، واعتقله الإنجليز وصار أسير حرب في مالطا لمدة ثلاث سنوات، قبل أن تفلح جهود أنقرة في الإفراج عنه، حيث عين سفيرا في كابل.
وبحسب ما نشرته تقارير إعلامية تركية وعربية، فقد اقترح نقل الأمانات المقدسة إلى إسطنبول حماية لها من النهب، وبينها نسخة من المصحف الشريف الذي كتب على جلد الغزال في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وخمس مخطوطات قديمة للقرآن الكريم، إضافة إلى أربعة أجزاء منه، وخمسة أغلفة للقرآن مطلية بالذهب ومزينة بالأحجار الكريمة.
كما أخذ معه لوحة عليها اسم النبي صلى الله عليه وسلم مزينة بإطار فضي ومخمل أخضر وعليه أحجار منالألماس واللؤلؤ، ولوحة من الذهب الخالص عليها ألماس كتبت فيها الشهادتان، وسبع مسابح من المرجان والأحجار، وكرسيين مزينين بالفضة يوضع عليهما المصحف، وثلاثة سيوف ثمينة، ومسابح من المرجان والأحجار الكريمة، وشعار السلطان عبد العزيز المطرز والمزين بالذهب والألماس، وأعمالا ثمينة أخرى، وجميعها موجودة في قصر توب كابي.
وبحسب أورخان محمد، فإن نقل ثلاثين غرضا إلى الأستانة كان خوفا عليها من تعرض المدينة للنهب والسلب، وقد أرسل فخر الدين طلبا لحكومته يطلب منها نقل هذه الأغراض فوافقت واشترطت عليه تحمل المسؤولية ففعل وبعث مع الآثار النبوية ألفي جندي لحمايتها.
وبعد نحو سبعين عاما من وفاة فخر الدين عاد اسمه ليطفو على الساحة في أواخر ديسمبر/كانون الأول 2017 بعد إعادة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد نشر تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر تعود لحساب شخص مجهول باسم “علي العراقي” عرف نفسه بأنه طبيب أسنان عراقي يعيش في ألمانيا.
وادعى “العراقي” في تغريدته أن الأمير فخر الدين باشا قام بما سماها “سرقة” أموال أهل المدينة، وقام بخطفهم وترحيلهم إلى الشام وإسطنبول في رحلة سميت “سفر برلك”، وزعم سرقة الأتراك أغلب مخطوطات المكتبة المحمودية بالمدينة وإرسالها إلى تركيا.
وقد انتقد المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين تغريدة الوزير الإماراتي، وقال “إنه من العار أن عبد الله بن زايد وزير الخارجية في دولة الإمارات يعيد هذه الكذبة والدعاية الكاذبة”.
كما هاجم أيضا رجب أكداغ نائب رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم التغريدة التي أعاد نشرها ابن زايد، واعتبرها مسيئة إلى الأتراك والرئيس أردوغان، وأضاف أن إعادة تغريدها “أمر مخجل”.
وقال “أؤكد على ضرورة عودة (عبد الله) بن زايد عن خطئه، وألا يكون أداة لمثل هذه الحركات الاستفزازية”.
ولم يفوت أردوغان الفرصة فهاجم بشدة وزير الخارجية الإماراتي دون أن يذكره بالاسم لإعادة نشره التغريدة، وقال في كلمة له -خلال استقبال أمناء الأحياء في القصر الجمهوري بالعاصمة أنقرة يوم 20 ديسمبر/كانون الأول 2017- إن الدولة العثمانية وخلفاءها أوقفوا حياتهم للدفاع عن المدينة المنورة وحمايتها.
وتساءل “حين كان جدنا فخر الدين باشا يدافع عن المدينة المنورة أين كان جدك أنت أيها البائس الذي يقذفنا بالبهتان؟”، وقال مخاطبا ابن زايد “عليك أن تعرف حدودك، فأنت لم تعرف بعد هذا الشعب (التركي)، ولم تعرف أردوغان أيضا، أما أجداد أردوغان فلم تعرفهم أبدا”.
وأضاف “نحن نعلم مع من يتعامل هؤلاء الذين يتطاولون على تاريخنا وعلى شخص فخر الدين باشا، وسنكشف ذلك في الوقت المناسب”.
وبخصوص الأمانات التي نقلها فخري باشا قال أردوغان في تصريح في 21 ديسمبر/كانون الأول 2017 “لو سألتم صاحب الإساءة والتصرف الوقح عن هذه الأمانات التي حفظها فخر الدين باشا فصدقوني أنه لن يعرف”.
وأوضح أن بلاده تواصل “حماية الأمانات المقدسة في قصر توب كابي بإسطنبول وسط تلاوة للقرآن على مدار 24 ساعة بما يتناسق مع أهمية المكان ومعناه”.
الوفاة
توفي فخري باشا عام 1948، ودفن في مقبرة أشييان بمنطقة “حصار روم إلي” في إسطنبول.