حسن أفندي: الجندي العثماني الذي رفض الانسحاب من القدس ومات فيه عام 1982
تركيا بالعربي: لفلسطين عموماً والقدس خصوصاً منزلة كبيرة جداً تصل إلى درجة القداسة في قلوب الأتراك، وما زال انسحاب القوات العثمانية من القدس جرحاً غائراً في الوجدان الشعبي التركي باعتبارها أول القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.
ويزخر التاريخ العثماني بقصص التضحية والفداء في سبيل القدس، ومن هذه الوقائع النادرة قصة العريف حسن الإغْدِرلي آخر جندي عثماني يغادر الاقصى عام 1982.
من هو العريف حسن أفندي؟
العريف حسن الإغْدِرلي “نسبة إلى مدينة إغدر” هو آخر جندي عثماني بقي في القدس حتى وفاته في العام 2018، حيث رفض الأوامر بالانسحاب قائلاً: ” القدس فوق الأوامر”
ظل مصير هذا الجندي مجهولاً حتى العام 1972 عندما زار الصحفي التركي إلهان بارداقجي المسجد الأقصى يوم الجمعة الموافق 12 مايس 1972، فكتب هذا الصحفي حكاية هذا العريف العجيبة تحت عنوان “لقد تعرفت عليه في المسجد الأقصى”.
وقال بارداقجي، إنه كان يتجول في القدس إلى أن وصل أمام باب المسجد الأقصى، وتحديدا عند “باحة الـ 12 ألفا قنديلاً”، فالسلطان ياووز سليم حينما ضم القدس الى سلطته يوم 30 كانون الأول 1517 كان حاضرا في المسجد الأقصى وأدركته صلاة العشاء وسط جو معتم، فأمر أفراد جيشه بأن يوقد كل واحد منهم قنديلا وكان عددهم 12 ألف جندي، فصلوا العشاء جميعاً في هذه الباحة على نور هذه القناديل، فتمت تسمية الباحة بهذا الإسم.
الأقصى أمانة سلطان الأنبياء:
ويضيف أنه رأى العريف حسن أفندي أمام الباحة الثانية، وعندما سأل عنه قيل له إنه مجنون، وإنه هنا منذ سنوات ويقف كالتمثال، لا يسأل أحدا شيئاً، ولا ينظر الى أحد ولا يرى أحداً، فاقترب منه وسلم عليه باللغة التركية، فحرك عينيه وأجاب بلغة أناضولية فصيحة وعليكم السلام يابني، فصعق الصحفي بإجابته بهذه اللغة، وسأله عن هويته.
وهنا كانت المفاجأة، فقد قال العريف حسن إنه حينما سقطت الدولة العثمانية في القدس وتركنا القدس التي سيطرنا عليها طوال 401 عام و3 أشهر و6 أيام، ولكن في 9 كانون الاول من عام 1917 شتت الجيش العثماني وهو في طريقه للانسحاب والدولة على أبواب السقوط.
وتابع العريف للصحفي، بأنه وفي سبيل عدم حصول نهب وسلب في المدينة –القدس- ترك جيشنا وحدة لحين دخول الجيش الإنكليزي الى القدس. فمن عادة الجيوش المنتصرة أن لا تعامل مثل هذه الوحدات التابعة للجيش المنهزم معاملة الأسرى عندما تلتقي بها، وأنه من أفراد هذه الوحدة التي تركها الجيش العثماني، مشيرا إلى أنه العريف حسن من الفيلق الـ 20، اللواء الـ 36، الفوج الـ 8، آمر رهط الرشاش الـ 11.
لم يعلم بسقوط الدولة العثمانية:
وختم العريف حديثه، بقينا في القدس خوفاً من ان يقول إخواننا في فلسطين “تخلت الدولة العثمانية عنا”، أردنا ألا يبكي المسجد الأقصى بعد أربعة قرون، أردنا ألا يتألم سلطان الأنبياء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولم نرض أن يستغرق العالم الإسلامي في مأتم وحزن، ثم تعاقبت السنون الطويلة ومضت كلمح البصر، ورفاقي كلهم انتقلوا إلى رحمة الله تعالى واحداً واحداً، ولم يستطع الأعداء أن يقضوا عليهم، وإنما القدر والموت، وظل العريف حسن حارسا على الاقصى تاركاً وطنه وأهله وفي قلبه شجاعه ووفاء وعزه لا يعرفها إلا الشرفاء، لكن الموت الذي أخذهم واحدا تلو الآخر يأخذ في عام 1982 آخر حراس الأقصى، العريف حسن أفندي.
مات العريف حسن ولم يعلم بسقوط الدولة العثمانية، وبعدما رفض أوامر الانسحاب قائلاً: ” القدس فوق الأوامر”، ظل يمني النفس بعودة العثمانيين لتحرير القدس من أسرها.