كيف سيؤثر دخول جيش الأسد إلى عفرين على العملية العسكرية التركية قي المنطقة
تبدو العملية العسكرية الموسعة التي يشنها الجيش التركي في منطقة عفرين، شمالي سوريا، على حافة تحول نوعي مع إعلان النظام السوري تأهب قوات شعبية موالية له لدخول مدينة عفرين خلال الساعات القليلة المقبلة.
وتزامن هذا الإعلان مع تأكيد مصادر كردية في الإدارة المشتركة لإقليم عفرين أن قوات النظام السوري ستنتشر على طول بعض المواقع الحدودية وقد تدخل منطقة عفرين خلال اليومين المقبلين.
وتشير هذه الأنباء إلى أنه تم التوصل بالفعل إلى اتفاق بين الميليشيات الكردية المسلحة في عفرين والنظام السوري، وذلك بعد تعثر مفاوضات سابقة بسبب اشتراط النظام السوري نزع سلاح الميليشيات الكردية والانسحاب من مواقع استراتيجية في الإقليم مثل «تل رفعت» و«الشيخ عيسى».
وليس واضحا بعد ما إذا كان هذا الشرط قد تمت الموافقة عليه، أو أن الاتفاق يتناول أيضاً المسائل السياسية الشائكة، خاصة أن النظام يرفض أي مشروع لإقامة كيان كردي منفصل أو إدارة ذاتية مستقلة.
وبحسب تسريبات فإن الاتفاق يشمل 3 بنود: «أولا، التنسيق والتعاون الميداني بين الجيش السوري ووحدات حماية الشعب. ثانياً، العمل لصد الهجوم التركي. ثالثاً، العمل سوية لتحرير المناطق التي سيطر عليها الجيش التركي وفصائل مدعومة منه شمال عفرين وقرب الحدود».
ويبدو أن التلاقي على هدف مشترك وهو مواجهة القوات التركية قد يدعم صمود الاتفاق الهش بين النظام والميليشيات الكردية، حتى ولو كان ذلك مرحليا، وقد عبر عن ذلك المستشار في الإدارة الكردية لإقليم عفرين «بدران جياكرد» حين قال إن «القضايا السياسية والإدارية في المنطقة سيتم الاتفاق عليها مع النظام في المراحل اللاحقة عبر مفاوضات وحوارات مباشرة».
وحسب آخر التسريبات المتداولة، فان النظام يشدد على تسلم المقرات السيادية العامة كافة من دوائر امنية، يصل عددها لنحو 200 نقطة أمنية في عفرين وريفها، ودوائر خدمية كالمشافي والمدارس، وإن احتفظت وحدات حماية الشعب الكردية بموظفيها وهيكليتها، مع وجود رمزي للنظام، ورفعه للعلم فوق هذه المباني.
ويعتبر هذا الاتفاق بين الميليشيات الكردية ودمشق، هو خلاصة جولات من التفاوض والتسويات، حيث كانت دمشق تريد العودة بشكل كامل إلى عفرين والسيطرة عليها كما يحصل في أي منطقة أخرى، فيما كانت الميليشيات الكردية تقترح وجوداً رمزيا للنظام السوري، بل جرى تداول اقتراح بأن يرتدي عناصر الميليشيات الكردية لباس الجيش السوري لإعطاء البعد الرمزي لوجود الجيش، بحيث يتحول أي هجوم على هؤلاء إلى أزمة بين أنقرة ودمشق وحلفائهما.
ورغم أن هذه ليست المرة الأولى التي تشهد تعاوناً بين النظام والفصائل الكردية، فقد جرى التنسيق بينهما في وجه تقدم القوات التركية نحو منبج و«الشيخ مقصود» خلال عملية «درع الفرات» سنة 2016، فإن الاتفاق الراهن يعد سابقة ذات مغزى لجهة افتضاح مقدار الضعف العسكري الذي تعاني منه الفصائل الكردية في عفرين.
فالاتفاق الحالي يكشف عن حالة اضطرار تعيشها الميليشيات الكردية دفعتها إلى الاستنجاد بالنظام على ما تحمله هذه الخطوة من مخاطر، وهذه الحالة تعكس، أيضا، الثغرات الكبيرة أو القاتلة التي ينطوي عليها تحالف الأكراد مع الولايات المتحدة الأمريكية، وكيف يمكن أن يختل استراتيجيا، أو أن يتبدل بين عفرين ومنبج وشرق الفرات.
ولم تنتظر تركيا ما ستسفر عنه التطورات الميدانية، حيث خرج وزير الخارجية التركي «مولود جاويش أوغلو» ليحسم الموقف التركي قائلا: «إذا دخل النظام لتطهير المنطقة من حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي فلا توجد مشكلة»، وأما إذا كان الهدف هو العكس «فلا شيء ولا أحد يمكنه وقفنا».
المفاجأة الروسية
وقد مثل الموقف الروسي مفاجأة حيال طموحات النظام السوري، ففي الاجتماع الثلاثي الذي عقد قبل أيام في حلب وضم ممثلين عن الجيش الروسي والميليشيات الكردية، وقوات النظام، قال ممثل الجيش الروسي إن قواته التي انسحبت من عفرين إلى ريفها قبل بدء عملية «غضن الزيتون»، الشهر الماضي، لن تدعم الاتفاق، بل إن تنفيذ هذا الاتفاق خطوة خطرة جداً.
وقد يكون الموقف الروسي سببا في تغير خطاب الإعلام السوري الرسمي الذي بدأ يتحدث عن «قوات شعبية» موالية للحكومة وليست نظامية ستذهب من حلب إلى عفرين لـ«دعم صمود أهلها»، فقد أفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) بأن «انخراط القوات الشعبية في مقاومة العدوان التركي يأتي في إطار دعم الأهالي والدفاع عن وحدة أراضي سوريا وسيادتها».
وقد فسر مراقبون بث التليفزيون الرسمي مشاهد حية من ريف حلب لتحرك «القوات الشعبية» مع الإشارة إلى أنها «ليست نظامية»، على أنه محاولة من النظام السورري للضغط على موسكو وإعطاء الانطباع الإعلامي بالتحرك إلى عفرين.
وقد استدعى تحرك «القوات الشعبية» والاتفاق الكردي مع دمشق اتصالات بين الرئيسين الروسي «فلاديمير بوتين» والتركي «رجب طيب أردوغان» الذي قاله إن الحكومة السورية «ستواجه عواقب إذا أبرمت اتفاقا مع (وحدات حماية الشعب) الكردية»، مضيفا أنه أبلغ «بوتين» أن عملية «غضن الزيتون» ستستمر وفق المخطط له.
وعقب المكالمة الهاتفية قال «أردوغان» إن بلاده نجحت في إيقاف انتشار محتمل للقوات السورية في منطقة عفرين بشمال غربي سوريا، مشيرا إلى أن النظام السوري توقف عن بث مثل تلك الأنباء.
وسارع الرئيس التركي للتأكيد بأن قوات بلاده ستحاصر مركز مدينة عفرين خلال الأيام المقبلة لمنع تدفق المساعدات للميليشيات الكردية.
وتكشف محاولة التمرد الصغير للنظام السوري على الأوامر الروسية في إطار عفرين عن هشاشة التفاهمات التي تعتمد عليها موسكو من أجل محاصرة الوجود الأمريكي في سوريا، فمسار «أستانة» و«سوتشي» سينهار كليا في حال شارك النظام السوري مع الأكراد في صد الهجوم التركي الواسع على عفرين.
وفي المقابل، لا تثق إيران بوحدات حماية الشعب الكردية التي تشكل العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية، فهذه القوات هي التي تحول دون تمدد النفوذ الإيراني إلى شرق الفرات، كما أنها تمثل طموحا كرديا استقلاليا قد يجد أصداء له في كردستان إيران، لكن ذلك لا يعني مساعدة تركيا في توسيع نفوذها داخل سوريا.
لذا فإن من أبرز ما تكشف عنه اللحظة الراهنة، للمرة الأولى، هو وجود مساحات تباين معتبرة بين النظام السوري والمصالح الروسية والأولويات الإيرانية، فضلا عن وضوح هشاشة التحالفات التي أفرزتها الأزمة السورية.
ويعول خبراء روس على قدرة بلادهم في القيام بدور وساطة تعيد القوات السورية إلى عفرين بشكل يرضي أنقرة ودمشق، ولا يمكن أن يعارضه الأكراد بسبب خذلانهم من جانب الولايات المتحدة، على رغم أن ذلك ينهي كثيرا من الإنجازات التي حققوها على الأرض في السنوات الأخيرة.
وإذا تحقق هذا الاتفاق فسيفتح مرحلة جديدة من التنسيق والتفاوض بين النظام السوري والحكومة التركية برعاية روسية، يؤخذ فيها بمخاوف تركيا من بروز كيان كردي على حدودها الجنوبية، ورغبة النظام السوري في توسيع سيطرته على الأرض وبسط نفوذه على الحدود.
وما يعزز ذلك، تصريحات وزير الخارجية الروسي «سيرجي لافروف» عن إمكانية حل الأزمة في منطقة عفرين السورية عبر الحوار المباشر بين دمشق وأنقرة.
وبناء على ذلك، فقد يبدو الاتفاق الأخير بين النظام السوري والميليشيات الكردية أقرب إلى خدمة العملية التركية وليس إفسادها، خاصة أنه من الواضح أن هدف أنقرة لم يكن اقتحام مدينة عفرين بل تطويقها من جميع الجهات ما عدا الجنوب، وقطع اتصالها الجغرافي بمناطق سيطرة الأكراد في منبج، وهذا ما تحقق أو يكاد.
ويعني ذلك أن مصالح النظام السوري قد تتطابق مع مصالح تركيا في ضبط الفصائل الكردية، وتحجيمها سياسياً وعسكرياً، لذا ففي حال مارس الروس نفوذهم فستبدو الميليشيات الكردية الخاسر الأكبر في لعبة إقليمية إضافية لا تغيب عنها موسكو.
ويبقى السؤال الأهم هو الموقف الغامض للولايات المتحدة التي دعمت ومازالت قوات سوريا الديمقراطية المسيطرة على نحو ربع الأراضي السورية الأغنى بالثروات النفطية والمائية والمحصولات الزراعية الاستراتيجية.
المصدر: الخليج الجديد