فضَّل البقاء مع المصابين على أن يذهب ليدفن أبناءه الـ3 فكانت المفاجأة! قصة مُسعف سوري في الغوطة
واقعة غريبة قد تشبه المعجزة، وقعت في مدينة الغوطة الشرقية -التي تسلطت أنظار العالم عليها منذ أسابيع؛ بسبب القصف المتواصل من قِبل قوات النظام السوري وحلفائه عليها- وهي نجاة طفل عمره 18 عاماً من الموت قبل دقائق من دفنه!
والقصة كما رواها والد الطفل لصحيفة “التايمز” البريطانية الثلاثاء 27 فبراير/شباط 2018، هي أن الرجل، الذي يعمل سائقاً لإحدى سيارات الإسعاف، قُصف بيته وقُتل 3 من أبنائه، وحينما وصل له الخبر وطلب منه زميله أن يذهب ليدفن أبناءه ويودِّعهم- رفض وقال إن الاعتناء بالأحياء أولى الآن!
وبحسب الصحيفة البريطانية، غادر الرجل -الذي يسمى أبو سارية- العمل في وقتٍ لاحق من اليوم الذي قُصف فيه بيته، وكان يحاول مواساة زوجته التي نجت من الغارة، حينما أرسل إليه شخصٌ ما صورة. أظهرت الصورة صبياً صغيراً تخرج الأنابيب من جسده ويرقد في سرير مستشفى، وكان من دون مجال للخطأ ابنه الأصغر مُعتصم، الذي يبلغ من العمر 18 شهراً.
وقال أبو سارية لصحيفة “التايمز” البريطانية، من الغوطة: “لم أستطع أن أصدِّق الأمر! لقد كنتُ مقتنعاً بأنَّه قد مات”.
كان الأمر يبدو مستحيلاً؛ إذ يُعاني مُعتصم الربو، وكان عالقاً تحت أنقاض منزلهم مدة ساعة، قبل أن يُسحب جسده من تحت الأنقاض، بحسب الصحيفة البريطانية.
إضافة صغيرة لقائمة الأموات!
وبحسب الصحيفة البريطانية، فإنه في حال موته، كان مُعتصم سيصبح إضافةً صغيرة إلى قائمة ضحايا حملة القصفة الأخيرة بالغوطة الشرقية، والذين وصل عددهم إلى 630 شخصاً، وفقاً لمنظمة أطباء بلا حدود، وذلك في منشآتها فقط منذ 19 فبراير/شباط 2018. من بين هؤلاء الضحايا، هناك 216 طفلاً على الأقل.
هدأ القصف قليلاً عقب قرار وقف إطلاق النار الذي أصدرته الأمم المتحدة بعد ظهر يوم السبت 24 فبراير/شباط 2018. وقُتل 22 شخصاً آخرين، بينهم 7 أطفال بعد ظهر يوم الإثنين 26 فبراير/شباط 2018، وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان. وتُوفيت أسرة كاملة مُكونة من 9 أفراد.
كان أبو سارية، (33 عاماً)، قد أعرب عن سخريته من قبلُ حتى وقوع أول انتهاك للهدنة. وتساءل والطائرات تواصل التحليق فوقه: “عن أي وقف إطلاق نار تتحدثون؟!”، بحسب الصحيفة البريطانية.
وفي الغارة الجوية على منزله الأسبوع الماضي، فقدَ أبو سارية شقيقة زوجته وابناً لأحد إخوته يبلغ من العمر 10 سنوات، بالإضافة إلى أطفاله. كانوا قد لجأوا إلى الطابق السفلي ليحتموا عندما بدأ القصف، بينما ركض أبو سارية إلى مركزه في نقطة المساعدات الطبية. وجاءت شقيقته لتقول له إنَّ منزله تعرض للقصف فهرع إلى المنزل، بحسب “التايمز”.
قصة قصف منزله
وعن قصة قصف منزله، قال أبو سارية للصحيفة البريطانية: “سقطت 3 براميل مُتفجرة على المبنى. وسقط أحد البراميل على الطابق السفلي ودمر جدرانه. سمعتُ زوجتي تصرخ، ورأيتها هناك، ولكنَّني رأيتُ رأسها فقط، فقد كان جسدها مدفوناً تماماً”.
وأكمل: “صرخت قائلةً: (أطفالي، اذهب واعثر عليهم، لا يمكنني سماعهم). وبدأتُ أنا وأصدقائي في الحفر وإزالة بقايا الجدار. وجدتُ بشار، ولكنَّه كان ميتاً”.
بشار، (9 أعوام)، كان أكبر أبنائه. وحملتْ زوجته بعد أن تحررت من تحت الأنقاض ابنه مُعتصم، وكان قد توقف عن التنفس، وأخبره أصدقاؤه بأنَّه مات كذلك. وعُثِرَ على جثة ابنه سارية، (6 سنوات)، لاحقاً تحت كُتل الخرسانة المحطمة، بحسب الصحيفة البريطانية.
عاد أبو سارية إلى المستشفى، وواصل علاج الناجين بينما جلب أصدقاؤه جثث أفراد عائلته. وقال: “لم أستطع النظر إليهم فترة طويلة”. وكان العديد من الأشخاص الذين يعالجهم، من أقاربه أيضاً.
وقال: “شعرتُ بأنَّ قلبي كان صُلباً مثل الصخرة. قال لي زملائي أن أترك كل شيء وأن أذهب لأودع أطفالي، ولكنَّني قلتُ لهم: (إنَّهم ميتون، يجب أن نعتني بالأحياء)، ولهذا أخذوهم ليتم دفنهم”، بحسب الصحيفة البريطانية.
قصة عودة الطفل للحياة
وبحسب “التايمز”، لاحظ أحد الرجال المُكلفين دفن الجثث إشارةً صغيرة على أنَّ الطفل ما زال حياً، فأعاد الصبي إلى المستشفى. يعاني معتصم الآن نقصاً في الأكسجين، وربما يكون مصاباً بتلفٍ في الدماغ. تمكن الأطباء من إزالة الحجارة من قصبته الهوائية، وإخراج بعض الحُطام الآخر من رئتيه.
وقال أبو سارية: “لا يستطيع مُعتصم تحريك أي شيء في جسده إلا عينيه، لا يتكلم، ولا يتذكر أي شيء، ويحصل على التغذية عن طريق الأنابيب. إلا أنَّ الأطباء يقولون لي إنَّه سيتعافى، حتى لو كان الأمر سيستغرق 5 أو 6 أشهر. قلتُ إنَّني لا ألوم أحداً… كنَّا فقط 10 رجال، وكان هناك أكثر من 50 شخصاً في المبنى. فقد العديد منهم أطرافه، ومنهم من كانت لديه إصاباتٌ في الرأس، وإصاباتٌ بالصدر. كانت هذه هي اللحظة الأكثر صعوبة في حياتنا المهنية”.