في مواجهة الإرهاب بالساحل والصحراء.. ماذا تريد واشنطن من الجزائر؟ (تحليل)
خلال الأسابيع القليلة الماضية، توافد مسؤولون أمريكيون على الجزائر لبحث التعاون الأمني والعسكري، وهو ما يعكس، وفق خبراء ومصادر أمنية، الأهمية التي توليها واشنطن للجزائر، باعتبارها مفتاح جهود مكافحة الإرهاب، بعد ازدياد نشاط جماعات متمركزة في منطقة الساحل والصحراء الإفريقية.
فمطلع فبراير / شباط الماضي، زار الجزائر كل من آلان باترسون نائب وزير الدفاع الأمريكي المكلف بالشؤون الإفريقية، وإلينا رومانوفسكي مساعدة المنسق المكلف بمكافحة الإرهاب في الخارجية الأمريكية.
وبحسب بيانات للخارجية الجزائرية، تمحورت المحادثات الأمريكية ـ الجزائرية بشكل خاص حول تعزيز الحوار الأمني والعسكري، عبر تبادل المعلومات والتجارب في مجال مكافحة الإرهاب بين البلدين.
وفيما صرح باترسون بأن “للجزائر مكانة مهمة ودورا رياديا في محاربة الإرهاب”، أعلنت رومانوفسكي توقيع البلدين اتفاقا في مجال مكافحة الإرهاب لم تكشف عن فحواه.
كما أعلن البلدان عقد الدورة الخامسة للحوار الاستراتيجي المشترك حول قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب بالجزائر في يونيو / حزيران المقبل.
** خطورة جماعات المنطقة
وبحسب بوعلام فوزي، صحفي جزائري متخصص في الشأن الأمني، فإن “النظرة الأمريكية لمستوى التهديد الذي تمثله الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء، تغيرت منذ إعلان مقتل أربعة جنود أمريكيين في عملية أمنية غامضة جنوب غربي النيجر، في أكتوبر / تشرين الأول 2017”.
وتمثل منطقة الساحل والصحراء ممرا يتوسط دول جنوب الصحراء مع الشمال، وصولا إلى البحر الأبيض المتوسط وأوروبا.
وتابع فوزي موضحا للأناضول، أن “الولايات المتحدة الأمريكية باتت تدرك درجة خطورة هذه الجماعات، بعد أن كانت تعتقد حتى وقت قريب أن مستوى التهديد الذي تمثله جانبي، ولا يثير أي قلق”.
“ومنذ ذلك الحين، زار عسكريون ومسؤولون من الخارجية الأمريكية الجزائر ثلاث مرات، وأحدثها زيارة آلان باترسون”، يضيف المصدر نفسه.
وشدد على أن “عامي 2016 و2017 شهدا زيادة في مستوى تهديد تنظيم ما يسمى نصرة الإسلام والمسلمين، المتمركز في صحراء مالي، وفرع تنظيم داعش، بقيادة أبو الوليد الصحراوي، حيث تم تنفيذ عمليات نوعية ضد أهداف في عاصمتي مالي وبوركينا فاسو، وضد الجيش المالي وقوات الأمم المتحدة في المنطقة”.
** حور استراتيجي
وقال مصدر أمني جزائري طلب عدم نشر اسمه، إن “حوارا استراتيجيا يجري حاليا بين الجزائر والولايات المتحدة، للتوافق حول أفضل السبل لوقف تمدد الجماعات الإرهابية في الساحل والصحراء”.
وأضاف المصدر للأناضول، أن “الفترة بين سبتمبر (أيلول) 2017 وفبراير (شباط) 2018، شهدت تبادلا للرسائل بين الرئيسين عبد العزيز بوتفليقة ونظيره الأمريكي دونالد ترامب، وبين وزارتي الدفاع في البلدين بشأن مسائل الأمن ومكافحة الإرهاب”.
تلك المراسلات تزامنت مع ازدياد تهديد الجماعات الإرهابية في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وشهدت الأيام الماضية هجومين دمويين، أحدهما بسيارة مفخخة استهدف السفارة الفرنسية في واغادوغو، عاصمة بوركينا فاسو.
فيما استهدف هجوم مسلح مقر قيادة أركان جيش بوركينا فاسو، وتبناهما تنظيم “نصرة الإسلام والمسلمين”، وهو ائتلاف بين جماعات تتبنى فكر تنظيم “القاعدة”، ويتمركز في شمالي مالي.
** استراتيجيتا باريس وواشنطن
“تلك الهجمات عززت القناعة لدى الدول المعنية بمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل بضرورة التعاون أكثر لمكافحة الإرهاب، والتصدي له بشكل أكثر فاعلية”، وفق الخبير الأمني الجزائري الدكتور محمد تاواتي.
ومضى تاواتي قائلا: “بينما تتجه الاستراتيجية الفرنسية في مكافحة الإرهاب إلى التعاون مع خمس دول من منطقة الصحراء الكبرى (تضم مستعمرات فرنسية سابقة) هي: موريتانيا، ومالي، والنيجر، وتشاد وبوركينا فاسو، تتجه الاستراتيجية الأمريكية إلى الاعتماد بشكل أكبر على القوة العسكرية الرئيسية في المنطقة، وهي الجزائر، التي تقع في مواجهة مناطق نشاط الجماعات الإرهابية في شمالي مالي والنيجر”.
وأردف الخبير الجزائري بقوله، إنه “يبدو أن الإنجازات التي تحققت على جبهة مكافحة الإرهاب داخل الجزائر دفعت أصحاب القرار في واشنطن إلى الاعتقاد بأن مفتاح مكافحة الإرهاب في الساحل والصحراء هو الجيش الجزائري”.
** طلب أمريكي
وأفاد مصدر أمني جزائري مطلع على ملف مكافحة الإرهاب في المنطقة، بأنه “توجد مشاورات واتصالات سرية وعلنية بين الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية، حول مكافحة الإرهاب في منطقة الصحراء الكبرى”.
وتابع المصدر الذي طلب عدم نشر اسمه قائلا للأناضول، إن “الجزائر تتجه نحو المزيد من التعاون والتنسيق الأمني مع واشنطن لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء”.
وأوضح أن “واشنطن أبلغت الجزائر قلقها الشديد من تزايد قوة ونفوذ الجماعات الإرهابية في مالي والنيجر، حيث ينشط فرع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب في منطقة الساحل الإفريقي”.
وأضاف أن “واشنطن طلبت من الحكومة الجزائرية التدخل بشكل أكثر فاعلية في عمليات مكافحة الإرهاب في دول الساحل، التي تضم مالي، وموريتانيا، والنيجر، وبوركينا فاسو”.
وزاد المصدر الأمني بأن “وأشنطن أبلغت الجزائر عبر قنوات دبلوماسية في نهاية عام 2017، رغبتها في التعاون بشكل أكثر فاعلية مع الجيش الجزائري، للقضاء على المنظمات الإرهابية المتمركزة في النيجر ومالي، وقد جاءت زيارة نائب وزير الدفاع الأمريكي باترسون للجزائر ضمن هذه المشاروات”.
** حدود الجزائر
وبينما لم يكشف المصدر عن طبيعة الرد الجزائري على الجانب الأمريكي، أوضح أن “أساس الفكرة التي ينطلق منها الطلب الأمريكي، هو أن الجزائر لم تتدخل بشكل كافٍ أمنيا وعسكريا في مكافحة الإرهاب بمالي والنيجر، رغم أنها معرضة للتهديد من هذه الجماعات الإرهابية”.
وتابع بقوله إن “الأمريكيين يدركون أن الجزائر لن تتدخل عسكريا خارج حدودها، لكنهم رغم هذا يرون أنها يمكنها أن تلعب دورا أكبر بكثير من الدور الراهن في مجال مكافحة الإرهاب بمالي والنيجر، عبر التنسيق أمنيا وعسكريا بشكل أكبر مع واشنطن في منطقة الساحل، وتقديم دعم عسكري إضافي وأكثر فاعلية لجيوش دول المنطقة”.
وشدد على أن “واشنطن ترى أن تعاونا عسكريا أكبر بين البلدين وتعاونا أكثر فاعلية بين الجزائر ودول المنطقة، كفيل بالحد من تهديد الجماعات الإرهابية التي باتت، وفق أغلب التقارير الأمنية، قوة عسكرية لا يستهان بها.
ومعلقا على مطالب واشنطن، قال الكاتب والخبير الجزائري في الشؤون السياسية الدكتور محمد الصغير للأناضول: “أعتقد أن الأمريكيين يحاولون جر الجيش الجزائري للعب دور أكبر في التصدي للجماعات السلفية الجهادية في صحراء مالي والنيجر، وهذا هو جوهر زيارات المسؤولين الأمريكيين الأخيرة للجزائر”.