كيف عومل اليهود في فلسطين حتى نهاية الحكم العثماني
ترك برس
تركيا بالعربي: أطلق هيرودوتس وغيره من اليونانيين واللاتينيين اسم فلسطين على أراضي الساحل الفلسطيني، وشمل هذا الاسم المنطقة الواقعة حول القدس في العهد الروماني. وفي سنة 70 للميلاد، اقتحم اﻹمبراطور الروماني القدس وسوّاها باﻷرض.
وفي أعقاب ثورة في 132-135 للميلاد، حرّم اﻹمبراطور هادريان على اليهود الدخول إلى المدينة الوثنية “كولونيا إيليا كابيتولينا” المشيدة على أنقاض القدس. وبدأ طابع القدس وفلسطين المسيحي يغلب على الوثني بعد اعتناق الإمبراطور قسطنطين اﻷول (الذي توفي سنة 337) للمسيحية، وتشييده كنيسة القيامة.
أكثر اﻹمبراطور جستينيان (المتوفي سنة 566) من بناء الكنائس والنصب المسيحية في فلسطين، وسمح البيزنطيون في عهده لليهود بدخول القدس يوما واحدا في السنة فقط، للبكاء قرب حجر كان لا يزال باقيا في حينها.
العهدة العمرية
عامل الخليفة عمر بن الخطاب أهل فلسطين برأفة واعتدال متميزين تاريخيًا، وكتب لهم وثيقة أمان عرفت بالعهدة العمرية. وأدرج المسيحيون خلال تفاوضهم مع عمر في تسليم المدينة له، فقرة تنص على منع اليهود من اﻹقامة في القدس،غير أن من بعد عمر خرجوا عن شروط المعاهدة فيما يختص باليهود، وبدؤوا بالتدريج يسمحون لهم باﻹقامة في المدينة.
ورد أول ذكر لوجود معبد يهودي في القدس في كتاب ناصري خسرو سنة 1047 للميلاد. وبسبب الحملات الصليبية،انقطع تسلسل الحكم الإسلامي لفلسطين في الفترة بين 1187 و1099، وقام الصليبيون بحرق وذبح آلاف المسلمين العزل، فضلا عن العدد القليل لليهود الذين التجؤوا إلى معبدهم، إلى أن دخل السلطان صلاح الدين اﻷيوبي إلى القدس عام 1187،الذي أعاد سنّة الخطّاب بالعطف والرأفة على سكانها المسيحيين، وقام بتطهير قبة الصخرة والمسجد اﻷقصى مما علق بهما من دنس على مدى أسبوع كامل.
تضاءل عدد اليهود المقيمين في القدس في عهد الصليبيين إلى شخص واحد وهو صباغ. وبعد انهيار الحكم الصليبي أصبحت الدول اﻹسلامية موئلا لليهود من أوروبا، وكان ذلك على عكس الصليبيين. وفي سنة 1260،انتقل حكم فلسطين للمماليك الذين هزموا جحافل المغول في موقعة عين جالوت قرب الناصرة، وقسّموا إدارة البلاد إلى ستة أقضية، ومنح المماليك القدس مزايا خاصة.
العثمانيون في القدس
خضعت منطقة غرب آسيا بأكملها للدولة العثمانية، منذ سنة 1516 وحتى نهاية الحرب العالمية اﻷولى. وعندما خضعت مصر للحكم العثماني سنة 1517، أصبحت فلسطين جزءا من الدولة العثمانية، وأعلن السلطان سليم اﻷول الحماية العثمانية للقدس.
أقام السلطان سليمان القانوني بين 1520 و1566 مباني عظيمة للجدران المحيطة بالقدس القديمة. وشيدت زوجة السلطان، خسكي سلطان، في 1552 وقفا في القدس كان عبارة عن مجمع للفقراء والمحتاجين والضعفاء ضم تكية لها خمسة وخمسون بابا، ونزلا ومطبخا عاما ومخبزا وإسطبلات ومخازن.
ونصّت حجة الوقف على أن عدد الموظفين المطلوبين للمجمع يشمل خدمًا وكتبة وطهاة ومفتشي أطعمة وغسالي صحون وطحانين وعمالًا وجامعي قمامة. كما نص على رصد عوائد تحصل من 23 قرية فلسطينية لصيانة المبنى، وعوائد تجلب من قرية في شمال لبنان، ومن متاجر ومصانع صابون في طرابلس.
وقد ظل مطبخ خسكي سلطان ومخبزها يعملان طوال فترة الانتداب البريطاني على فلسطين.
فتحت الدولة العثمانية أبوابها أمام مئات اﻵلاف من اللاجئين اليهود الفارين من الاضطهاد المسيحي في إسبانيا وغيرها. لكن أغلب اليهود فضلوا ألا يعيشوا في فلسطين بعد الحروب الصليبية التي أبادتهم، ومن هنا هبط عدد اليهود فيها.
ففي القرن الأول للحكم العثماني، هبط عدد اليهود من 1330 شخصا سنة 1525 إلى 980 شخصا سنة 1587. وانخفض عددهم في القرن التالي إلى 150 شخصا سنة 1688، واستمر في الانخفاض إلى أن بلغ 115 شخصا في منتصف القرن الثامن عشر.
وبحلول القرن التاسع عشر، لم يستقر في فلسطين إلا قلة من اليهود، ووضع العثمانيون حقوقا وواجبات لليهود والمسيحيين يمارسون من خلالها شعائرهم الدينية في مزاراتهم.
الهجرة الغربية إلى فلسطين
وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر، بدأت بعثات مسيحية تبشيرية من كاثوليك وبروتستانت وروم وأرثوذكس،تتغلغل بمدارس ومستشفيات ومطابع وحانات فلسطين، فكانت أكثر المناطق انفتاحا على أوروبا. مما أدى إلى ممارسة ضغط سياسي متزايد على إسطنبول من قبل الأجانب المتواجدين في فلسطين.
وفي عام 1888-1887، قسمت المنطقة التي عرفت فيما بعد بفلسطين تحت الانتداب إلى ثلاث وحدات إدارية هي سنجق القدس الذي يضم نصف أراضي البلاد في الجنوب وألحق بولاية سورية وتم حكمه من إسطنبول مباشرة، وسنجقا نابلس وعكا في الشمال اللذين ألحقا بولاية بيروت.
وفي ذلك الوقت، بلغ تعداد الفلسطينيين في السناجق الثلاثة 600 ألف نسمة تقريبا،منهم نحو 10 بالمئة مسيحيون والباقي مسلمون. وكان عدد اليهود نحو 25 ألف شخص،نصفهم من المتدينين المتعبدين المبتعدين عن الأعمال بأنواعها، والبقية من حملة الجنسيات اﻷجنبية التي تمتعت بامتيازات في ذلك الحين.
تأسست أول مستعمرة صهيونية في فلسطين سنة 1878، وبدأت طلائع المهاجرين الصهاينة تصل سنة 1882. وفي سنة 1901،أنشئ الصندوق القومي اليهودي في لندن للحصول على أراض من فلسطين تدخل الحيازة اليهودية ولا تخرج منها.
وحتى ظهور الصهيونية كانت العلاقات بين الفلسطينيين واليهود مسالمة ومستقرة،يدعمها أكثر من ألف سنة من التعايش والعداء المشنرك للغير. ولكن تأثير الشعور القومي الأوروبي وتّر العلاقات بين مختلف المجموعات العرقية داخل الدولة العثمانية.
وفي سنة 1876، أعلن الدستور العثماني الجديد، وحاز فلسطينيون مقاعد في المجلس النيابي في إسطنبول قبل عشرين عاما من عقد الصهاينة أول مؤتمر لهم في بال سنة 1897. وكذلك عُيّن العرب والفلسطينيون في مناصب عليا مثل الوزارة في الحكومة العثمانية.
موقف السلطان عبد الحميد
وقف السلطان عبد الحميد الثاني، سدا منيعا في وجه أطماع اليهود، ورفض بيع أي أرض فلسطينية لليهود، وسن قوانين لذلك، مما كان أحد أهم أسباب خلعه. وبعد انقلاب جمعية الاتحاد والترقي في عام 1909، لم تتمكن الدولة العثمانية من التغلب على تدهور العلاقات التركية العربية خاصة بسبب سياسات التتريك التي انتهجتها قيادة الاتحاد والترقي.
ومنذ بدأ الصهاينة في سنة 1878 بتأسيس مستعمراتهم حتى سنة 1914، تم إنشاء 30 مستعمرة صهيونية، وبلغ عدد اليهود في فلسطين نحو 80 ألفا، أغلبهم من حملة الجنسيات الأوروبية.
وعند إندلاع الحرب العالمية اﻷولى، تحالفت بريطانيا مع مجموعة من العرب – سعت لإقامة دولة عربية – ضد الدولة العثمانية. وخلال الحرب (1914-1918) دافع الجيش العثماني عن غزة. وكان الجيش العثماني قد اتجه إلى معركة غزة اﻷولى، التي سحق فيها في 26 آذار/ مارس 1917 الجيش البريطاني المدعوم بفرق أسترالية وصينية وهندية ومصرية وآيسلندية.
كانت أحوال قوات الجيش العثماني صعبة بسبب نقص اﻹمدادات والذخيرة، كما أن الجبهة الرئيسية للجيش العثماني كانت في العراق. وفي معركة غزة الثانية، شنت القوات البريطانية هجوما على الجيش العثماني في غزة يوم 17 نيسان/ أبريل ليومين متتاليين، ومن بعدها أطلقت قذائف الغازات السامة.
وعلى الرغم من ذلك تكبد البريطانيون خسائر جسيمة على طول الجبهة، فتوقف الهجوم وتجاوزت خسائر البريطانيين الستة آلاف قتيل، في حين أن خسائر الأتراك كانت ألفين بين قتيل و جريح.
ودارت معركة غزة الثالثة، التي تمكنت فيها القوات البريطانية بقيادة الجنرال إدموند اللنبي من اختراق خط بئر السبع، وهو الخط الدفاعي العثماني. واستولت وحدة فرسان أسترالية على مدينة بئر السبع، وخسر العثمانيون المعركة وأُسِرَ جنود عثمانيون في 31 تشرين الأول/ أكتوبر 1917.
ومن ثم وعدت بريطانيا اليهود بإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين، في وعد بلفور 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 1917. واحتلت بريطانيا غزة في حملتها الثالثة، في 7 نوفمبر 1917، بعد صمود طويل للقوات العثمانية والقوات العربية المساندة لها دام نحو تسعة أشهر.
شكلت هذه الحملة بداية نهاية الدولة العثمانية، وهاجمت القوات البريطانية مدينة القدس الشريف في 7 كانون الأول/ ديسمبر 1917. وفي البداية أظهر العثمانيون مقاومة قوية، إلا أنهم لم يتجاوزوا 15 ألف جندي،مقابل تفوق عدد أعدائهم فبدؤوا بالانسحاب من المدينة.
احتُلّت مدينة القدس الشريف في 30 ديسمبر 1917، فأتت نهاية أربعة قرون من الحكم العثماني لفلسطين، ودمّرت قبائل عربية مسافة أربعة أميال من خط سكة حديد الحجاز في أيار/ مايو سنة 1918 مقابل تمويلها باﻷسلحة والذهب بهدف دعم الجنرال اللنبي في غزوه لدمشق في سبتمبر 1918.
تبين لاحقًا أن هزيمة الدولة العثمانية في 1918، ما هي إلا مجرد نصر أجوف للغرب، فبذور السخط التي زرعت في نهاية الحرب العالمية اﻷولى أثمرت عن محصول مثير للخوف دائمًا. وكانت المعاهدة المفروضة ﻻستعباد الدولة العثمانية كما وصفها المؤرخ ديفيد فرومكين “سلامًا ينهي كل حالات السلام”.