هل تتفق تركيا وأمريكا على ما بعد عفرين؟
مروة شبنام أروج - يني شفق عربية
تركيا بالعربي: لقد شكّل نجاح عملية غصن الزيتون والصورة الأخيرة التي انعكست على الخرائط خيبة أمل كبيرة لأصحاب مخطط فتح ممر أمام بي كا كا على الحدود الجنوبية لتركيا. وقد فهم الجميع أن أنقرة تحافظ على عزمها وأنها لن تقف في عفرين عندما بادر الجيش التركي يوم الثلاثاء الماضي بالتحرك للسيطرة بالكامل على تل رفعت ومطار منغ العسكري.
كان وزير الخارجية الألمانيّ السابق سميجر غبريال، الذي غادر منصبه حديثا، قد كتب مقالا نشرته صحيفة دير شبيغل بعنوان “عفرين رسالة إلى أمريكا”، وكان هذا المقال بمثابة النسخة الشفوية بصوت عال من الاعترافات التي بدأنا نسمعها كثيرًا خلف الأبواب المغلقة التي يجلس وراءها التحالف الغربيّ… ثمة قلق متزايد عندما تذكر الأذهان الفكرة الرئيسية التي مفادها “خسارة الغرب لتركيا سيكون في صالح روسيا”، وهو ما يحتّم ضرورة بحث القوى الغربية عن طريق للتعاون مع تركيا وتفهمهم لمخاوفها المشروعة التي يأتي في مقدّمتها الوضع في سوريا.
وبطبيعة الحال فمن ناحية أخرى يدور بذهن الجميع سؤال مفاده “أين ستكون الوجهة المقبلة لتركيا؟ هل ستنفذ عملية جديدة مستقبلًا؟ أين ستكون هذه العملية؟”..
يواصل الجيش التركي إنشاء نقاط مراقبة في 12 منطقة من شمال إدلب لجنوبها في إطار “عملية تقليل التوتر” المستمرة بشكل مرتبط بمحادثات أستانة، وقد تقدمت القوات التركية إلى عمق حوالي 35 كم. فتركيا تحاول السيطرة على تقدّم قوات النظام السوري نحو الجنوب، وإن كان سبب وجودها الأساسي في سوريا هو تطهير المنطقة من التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها بي كا كا. ولا شك أنّ تقدم قوات نظام الأسد نحو الشمال بوحشية ربما يعرّض تركيا لاستقبال موجة جديدة من اللاجئين، كما أنّنا يمكن أن نخمّن أنّ نظام الأسد لن يكون صديقًا لتركيا، حتى وإن لم يمثّل التهديد الأول بسبب وجود بي كا كا. ولهذا يفضل أن يكون بعيدًا عن حدودنا.
أعطى الرئيس أردوغان إشارة بدء عملية سنجار، التي ناشدت أنقرة بغداد كثيرًا من أجل تطهيرها من العناصر الإرهابية لكونها تسير في طريقها نحو أن تكون نسخة جديدة من جبال قنديل، ما أعقبه انتشار ادعاءات تشير إلى أن بي كا كا انسحب الأسبوع الحالي من سنجار. لكن الوقت هو الذي سيثبت ما إذا كانت هذه الادعاءات صحيحة أم أن بغداد يمكن أن تغض الطرف بعدما هددت تركيا قائلة “لن نسمح بتدخل محتمل”.
كان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قد أفاد في تصريح سابق له بأن هناك “احتمالية إجراء عملية مشتركة مع العراق وراء الحدود ضد بي كا كا عقب الانتخابات العراقية في مايو/أيار” وأنهم “تباحثوا حول هذا الأمر مع رئيس الوزراء العراقي”. ولهذا يمكننا التخمين بأنّ أنقرة ستنتظر نتيجة الانتخابات العراقية. ومن المحتمل أن تكرّر تركيا للمرة الأخيرة دعوتها لتنفيذ عملية مشتركة في حالة عدم تأكيد انسحاب بي كا كا من المنطقة، وإلا فإنها ستنفذ العملية بمفردها.
وأما مسألة منبج فهي مسألة تتحدث عنها تركيا منذ عملية درع الفرات وتأكد عزمها الأكيد على تطهيرها من بي كا كا وإعادتها إلى أصحابها الحقيقيين. وكانت إدارة أوباما قد قطعت على نفسها وعدًا حول هذه القضية، لكنها لم تف بوعدها. كما كان وزير الخارجية الأمريكي السابق تليرسون الذي عزله ترمب قبل وقت قصير قد اعترف قائلا “لم نف بوعودنا كاملة”. وقد أدى التعديل الوزاري الذي شهدته أمريكا قبيل الإقدام على خطوات مهمة بشأن إعادة تطبيع العلاقات التركية-الأمريكية، وفي مقدمتها مسألة منبج، إلى تأجيل زيارة جاويش أوغلو إلى واشنطن للقاء نظيره الأمريكي. بيد أننا علمنا أمس أن مستشار وزير الخارجية التركي أوميت يالتشين سيسافر غدًا إلى واشنطن للقاء مساعد وزير الخارجية الأمريكي جون سوليفان. ويعزز هذا التطور الفرضية التي تقول إن وزير الخارجية الأمريكي المحتمل مايك بومبيو، الرئيس السابق لجهاز سي آي ايه، يرغب هو كذلك في التوصل لاتفاق مع تركيا.
وبالرغم من أنّ بومبيو وجون بولتون، الذي تولى منصب مستشار الأمن القومي خلفًا للمعزول هربرت ماكماستر، يعتبران شخصيتين لا تكنّ الكثير من التعاطف مع تركيا، إلا أنهما اسمان ثقيلان على ميزان معاداة إيران. ولو كان ترمب سيقدم على اتخاذ خطوات جادة، كما يدعي، لمنع التوسع الإيراني في المنطقة من خلال الحكومة التي يعدل تشكيلها باستمرار، فعليه حل المشاكل التي بين بلاده وتركيا، كما يتوجب على فريقه تنحية المشاعر جانبا والتركيز على تنفيذ السياسات الحقيقية.
لم يدل ترمب اللطيف حتى اليوم بأي تصريح داعم لتنظيمات بي كا كا في سوريا أمام الرأي العام، على عكس الكثير من الأمريكيين. ومعروف أن البنتاغون خصص في ميزانية 2019 مبلغ 550 مليون دولار لصالح تدريب وتجهيز ي ب ك/ب ي د وتشكيل قوة أمن للحدود تحت اسم SDG، إلا أن الرئيس الأمريكي لا يميل أبدا لتقديم هذه الأموال، بل من المعلوم أنّه يحاول جعل السعودية هي التي تمول هذا الأمر.
ولا شك أن حكومة ترمب، القادرة على تحويل هذا التمويل إلى كيانات أخرى مناهضة لإيران مثل عناصر الجيش السوري الحر التي تدرب في الأردن، عندما تنظر إلى خرائط سوريا ترى أن عزم أردوغان ليس عبارة عن تصريحات جوفاء. ومنذ اليوم الأول له في البيت الأبيض، نحّى ترمب استراتيجية سلفه أوباما لـ”كفاح داعش” جانبا وطلب من البنتاغون دراسة جديدة شاملة، وحينها وضعوا أمامه مشروع “الاستمرار مع س د ج/ب ي د/ي ب ك” الذي غيّروا لغته بشكل طفيف، فلم يجد بدًّا من مواصلة السير في هذا الطريق تاركًا “الأمر لأهله”. لكنه اليوم عندما ينظر إلى كل ما حدث لا بد أنه يخاطب من أعد هذا المشروع بقوله “هل إلى هذا الحد كان تنظيم س د ج الذي دعمتم؟ هل كان هذا هو مخططكم؟ ألم تضعوا تركيا بالحسبان أبدا؟”
ومن ناحية أخرى، فإن قائد القوات المركزية الأمريكية جوزيف فوتيل، أحد منتقدي الجمهوريين فيما يتعلق بالتوسع الإيراني والروسي في سوريا وانتصار نظام الأسد، كان قد صرح للهروب من الوضع قائلا إن “إيقاف إيران وروسيا ونظام الأسد ليس من ضمن مهامه”، لكنه لم يتورع عن التعبير عن “دعمه لاستمرار الاتفاق النووي الإيراني”. فإذا كانت أسماء مثل فوتيل لن تستعمل ي ب ك الذي دعموه وساهموا في صعوده، بعد الخسارة في عفرين، فما الفائدة التي تعود على ترمب من وراء ذلك؟
ومن هذا المنطلق فإن المدافعين عن بي كا كا داخل البنتاغون لن يستطيعوا معارضة رغبة إدارة ترمب في الاتفاق مع تركيا بدءا من منبج، حتى وإن أوصلوا الأمر إلى تهديد من في ساحة المعركة لتركيا بين الحين والآخر. بيد أن السؤال الأساسي هو: هل يمكن للعلاقات الأمريكية-السعودية أن تحول دون ذلك لا سيما وهي تعيش فترة انتعاش مع وصول ترمب إلى السلطة بعدما كانت قد وصلت إلى مرحلة “الطلاق” في عهد أوباما؟ وكيف ستكون نظرة السعودية والإمارات ومصر وبالتأكيد إسرائيل، التي يحتاج ترمب للمال ودعم اللوبي منهم، إلى تقارب واشنطن مع أنقرة؟
وإذا حدث احتمال كهذا، فما نوع الألاعيب التي سيظهر بها ذلك الرباعي على الساحة في القدس أو الضفة الغربية أو قطر أو أي مكان آخر؟ وماذا ستفعل إدارة ترمب المعادية لإيران والداعمة لإسرائيل والمحبة كثيرا للمال الخليجي؟ فعلى ما يبدو فإن النقطة الحاسمة في الأمر تكمن في حل هذا اللغز.