لم تعد حرباً سوريّة! نحن أمام تجهيزات “معركة القيامة” وربما يتغير التوازن العالمي
ابراهيم قراغول - يني شفق العربية
تركيا بالعربي: لم يعد ما يحدث على الساحة يمثل حربا سورية بعد الآن، ولم يعد هناك صراع السوريون طرف فيه أو يمكن تشكيله من خلال مستقبل الشعب السوري وبلده. وفي الحقيقة ليس هناك من يهتم بالسوريين ووحدة سوريا وكيانها ماعدا تركيا، فليس هناك ممن يعمل ويضحي لمساعدة الشعب السوري ودعمه ومشاطرة آلامه وإعادته للحياة الطبيعية. ليس هناك أي دولة، باستثناء تركيا، تحمل هما “إنسانيا” تجاه الشعب السوري، فلا أحد يهتم لأمر المظلومين أم ما يحدث هناك من مجازر.
لا تحمل إيران هما كهذا؛ فهي تسعى لرسم خريطة جديدة والوصول إلى سواحل البحر المتوسط وتوسيع نطاق فعالياتها عن طريق ارتكاب فظائع إنسانية. وكما هي صفة وجودها في اليمن، فإن محاولتها للوصول إلى البحر المتوسط تهدف فقط لتحقيق طموحاتها الإمبريالية. فالمجازر التي ارتكبتها في حلب والهجمات التي نفذتها استنادا إلى الهوية المذهبية والفرص الانتهازية التي حاولت استغلالها تعتبر بمثابة كتاب تاريخ لا رحمة فيه.
طلائع الاحتلال الغربي: دور بن سلمان هو دور داعش ذاته
وأما السعودية والإمارات وبعض الدول العربية الأخرى فلا يهتمون بسوريا حتى لو دمرت بالكامل. فهم يتحركون منذ 30 عاما بصفتهم طلائع الاحتلال الغربي. وقد دمروا بأدوارهم هذه العراق وسوريا وليبيا. فهم طلائع الاحتلال الإقليمي والقوى والدول التي دعت الجيوش الأجنبية إلى المنطقة.
إنهم يتحركون تنفيذا لتعليمات الاستخبارات الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية، ويقدمون جميع مقدرات المنطقة من أجل حماية سلطانهم، ويلعبون أدوارا “خسيسة” لمساعدة الاحتلال الغربي يتمركز في قلب ديار المسلمين. انظروا إلى ما فعله محمد بن سلمان خلال الشهر الأخير، فالمنطقة لم تشهد أفعالا عديمة البصيرة والشخصية كهذه أبدا.
لا يختلف الدور الذي تلعبه السعودية والإمارات عن الدور الذي لعبه داعش، فهاتان الدولتان وذلك التنظيم استغلَّوا من أجل فتح المجال أمام الاحتلال. والآن يعملون بكامل طاقتهم لنقل القوات الأمريكية والأوروبية والإسرائيلية إلى الأراضي السورية من أجل احتلالها بالكامل. فهم نسخة القرن الحادي والعشرين من شخصية لورانس. فمن مهدوا الطريق لدخول بريطانيا المنطقة قبل مائة عام، ينقلون اليوم الولايات المتحدة وسائر الدول الغربية إلى الأراضي ذاتها.
الجميع يكيل الآخرين في سوريا
إن كل خطوة وتحرك ومحاولة ستشهدها المنطقة من الآن فصاعدا ستكون ذات بعد إقليمي وجزءا من تصفية حسابات عالمية. فدول العالم تصفي حساباتها ويتقس قدرات بعضها بعض في سوريا، وهي تستعد لحرب كبرى، فتشكل الجبهات والمواقع.
إن الأراضي السورية تشهد تصفية جميع الحسابات والصراعات بين دول العالم التي تتقاسم مناطق السيطرة فيما بينها على حساب أرواح المدنيين، وينهبون المصار من خلال دماء الأبرياء. يمزقون بلادنا ويدمرون مدننا ويقتلون أبناءنا ويحاولون نبذ المسلمين خارج إطار التاريخ.
لاحظوا الجبهة الجديدة التي شكلوها في سوريا خلال الأسبوع الأخير. وفي الواقع فإن أطراف الصراع على القوى العالمي يقيسون قدرات بعضهم في سوريا، فيحددون الجبهات والمواقع ويستعدون لمعركة كبرى.
نعم، قد تشعل الولايات المتحدة وفرنسا وإسرائيل والإمارات والسعودية فتيل الحرب من جديد، وقد تفتح جبهة كبيرة من الغرب والجنوب، وقد يمحون الجزء المتبقي من سوريا بقصف جوي عنيف، وبطبيعة الحال فإنهم في تلك الأثناء يسعون للضغط على تركيا من ناحية الشمال.
نحن أمام إعداد لمعركة القيامة وسنرى نماذج جديدة شبيه بسوريا
لكن ما سيحدث لن يكون من قبيل الحرب السورية، بل سيكون نوعا من أنواع عواصف القيامة التي ستضرب أوروبا الشرقية ووسط أوروبا والبلطيق والقوقاز وتسير لتصل إلى جنوب آسيا كي نشهد الجبهة الكبرى الثانية في آسيا والمحيط الهادئ.
إنه مشهد كارثي، تصفية حسابات شرسة بين الشرق والغرب أشبه ما تكون بحرب عالمية. وسنرى مستقبلا نماذج جديدة من سوريا ستكون العناصر والجبهات الفرعية لتصفية الحسابات الكبرى هذه؛ إذ سيجرون دولا جديدة لهذا الصراع وسيلقون بها إلى النيران لتكون ضحايا جديدة. ويمكنكم اقتفاء آثار خطوط الصدع بين الشرق والغرب إذا أردتم معرفة من هي الدول التي ستكون الضحايا الجديدة، فأينما كُسر خط الصدع هذا ستظهر سوريا جديدة.
العقل البريطاني وجنون ترمب وبعض أصحاب العقول الصغيرة
إن ما نشهده من صراع بين بريطانيا وروسيا على هيئة أزمة دبلوماسية بين البلدين، وكذلك صيحات الحرب التي يطلقها قادة الدول ممن تولوا مهمة تحريض الجماهير عبر تويتر، هو نبوءة عاصفة قوية لن تستطيع أي دولة أو مؤسسة دولية الحيلولة دون وقوعها.
إن بريطانيا وروسيا، وأوروبا وروسيا، والولايات المتحدة وروسيا سيتصارعون في البلطيق، لكنهم يقيسون قدرات بعضهم بعض في “جبهة سوريا”. ويمكنكم أن تصدقوني لو قلت لكم إننا سنشهد لاحقا تشكيل جبهة شرقية التي لن تكون فيها روسيا وحدها، بل ستشمل جميع القوى الآسيوية لمواجهة الغرب، وستكون الصين هي القوة الكبرى الداعمة لهذه الجبهة، لنشهد جبهة “القيامة” التي تمتد من آسيا شرقا إلى أوروبا غربا.
لم يشهد العالم خطرا كبيرا كهذا من قبل. فالضغط الذي تراكم خلال السنوات الثلاثين الأخيرة أصبح خطيرا لدرجة أننا يمكن أن نستيقظ ذات صباح لنرى عشرات الدول وقد دخلت في حرب ضد بعضها بعض. فلم يعد هناك قوة قادرة على الدعوة للتروّي وإرادة تستطيع تحويل اتجاه هذا التيار الجارف. فالعالم قد تحول إلى لعبة بيد مجانين مثل ترمب؛ إذ ينجر الآن نحو معركة القيامة التي تتشكل حسب تصور بريطانيا للحرب العالمية الجديدة. فتلك الحرب بحرَّض عليها في منطقتنا من خلال بعض المعاتيه ويروَّج لها بحسابات غنام المصادر العالمية.
تغير توازن العالم ومجرى التاريخ.. ما يحدث لا يشبه الحربين العالميتين
تشهد سوريا حاليا الخطوات الأولى لحرب عالمية. وسنرى أين وكيفن ستكون الخطوة التالية. لكن ما نعرفه سلفا هو أن هذه الحرب لن تكون مقصورة على سوريا والشرق الأوسط. فعاصفة كهذه ستغير توازنات العالم تماما، بل ستغير مجرى التاريخ وخريطة القوى بالكلية.
وربما تسفر هكذا عاصفة عن نبذ بعض الدول التي تقود العالم اليوم خارج سير التاريخ لتوضع النقطة الأخيرة للسيطرة الغربية على العالم المستمرة منذ قرون. ولنقل إن هذه العاصفة لا تشبه أبدا ما حدث إبان الحربين العالميتين السابقتين، وإن ربما تكون نهاية التاريخ بالنسبة للغرب.
ماذا يجب على تركيا فعله؟
ينبغي لتركيا الاستعداد لمواجهة كارثة بهذا الحجم، يجب عليها الإعداد لدفاع استثنائي واستثمار القوة ونشر الوعي المجتمعي وتدعيم السلطة المركزية للدولة، هذا فضلا عن ضرورة الانتباه جيدا لأصحاب “العمليات الداخلية” وعدم السماح لهم بتنفيذ أي مخطط وكذلك الإسراع لسد ثغرات التدخل من الخارج.
وأنا شخصيا أؤمن بأن هذه الكارثة ستضر تركيا كثيرا، لكنها ستمنحها إمكانية تحقيق طفرة تاريخية فريدة، وهذا سيتحقق بطبيعة الحال طالما أعددنا العدة وحددنا من الآن الخطوات التي ستقدم عليها عندما تقوم القيامة في المنطقة.
بدأنا بعفرين وعلينا ألا نتوقف وأن نسرع
ولهذا علينا أن نسرع في إنجاز المهمة التي بدأناها في عرين، وأن نتحرك بمنطق “القوي ينفذ ما يريد”، وأن نبني “درع تركيا” من البحر المتوسط غربا إلى حدود إيران شرقا. وإلا فإن حرب سوريا ستتحول إلى حرب الأناضول، وهو ما يريدونه ويخططون له.
إننا نطلق مصطلح “المقاومة الشرسة” على ما يجب أن نفعله في هذه المرحلة وموقفنا وخطابنا. إننا سنتحرك من خلال جيناتنا السياسية التي ورثناها من أيام السلاجقة، كما سندافع عن طريق الهجوم. سنتغلب على هذا المخطط كما أفشلنا التدخلات الدولية التي توالت على بلدنا خلال السنوات الخمس الماضية.
سنخرج من هذا الصراع أقوى شريطة أن نقرأ جيدا تفاصيل العاصفة التي تقترب منا..
المصدر: يني شفق العربية