تعرف على السلطان العثماني الذي بلغت الدولة العثمانية في عهده أقصى قوة و اتساع
هو السلطان سليمان القانوني عاشر سلاطين الدولة العثمانية، ابن السلطان سليم الأول، ووالدته حفصة خاتون سلطان، ولد في طرابزون يوم 6 تشرين الثاني/ نوفمبر 1494.
درس العلوم والأدب والتاريخ والفقه والتكتيكات العسكرية في مدارس الباب العالي في القسطنطينية وهو في السابعة من عمره.
تولى مقاليد الحكم بعد وفاة والده يوم 22 أيلول سبتمبر 1520، وكان عهده قمة في الفتوحات والحركة المعمارية والعلمية، فقد كان شاعرا وراعيا كبيرا للثقافة ومشرفا على تطور الفنون والأدب والعمارة ويتقن اللغات العربية والفارسية والصربية.
وكان السلطان القانوني، يبدأ خطاباته دوما بالنصائح واﻵيات القرآنية وذكر فضل العدل وعاقبة الظلم الوخيمة، ويستهلها باﻵية الكريمة: “إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم”.
بلغت الدولة العثمانية في عهد السلطان سليمان القانوني أقصى قوة واتساع، فقد انتصر على الصفويين وضم أغلب مناطق الشرق، وأراضي واسعة من أفريقيا حتى الجزائر، وسيطر على المياه من البحر الأبيض المتوسط والأحمر حتى الخليج العربي.
وخضعت لحكمه الكثير من عواصم الحضارات كأثينا، وصوفيا، وبغداد، دمشق، وإسطنبول، وبودابست، وبلغراد، والقاهرة، وبوخارست،وتبريز وغيرها، حتى سماه زعماء أوروبا في ذلك الحين والمؤرخون حتى هذا اليوم “سليمان العظيم” (Suleyman the magnificent).
وبعد استلام القانوني حكم الدولة العثمانية،رفض ملك المجر دفع الجزية، وقتل رسول السلطان (لتصوره أن السلطان شاب ضعيف).
فكيف كانت ردة فعل السلطان؟
جهز السلطان جيشا كبيرا قوامه نحو 100 ألف جندي و300 مدفع و800 سفينة. وأعلن بابا الفاتيكان كليمنت السابع حالة النفير العام في أوروبا، وأصدر قرارا بمنح صكوك الغفران لكل من يشارك في المعركة.
وكوّنت أوروبا حلف الإمبراطورية الرومانية المقدسة، الذي يشمل: إسبانيا، وإيطاليا، وألمانيا، والنمسا، وهولندا، وبلجيكا، وسويسرا،ولوكسمبورغ، وأغلب فرنسا، ومملكة المجر التي تشمل: سلوفاكيا، وترانسلفانيا (رومانيا)، وشمال الصرب، ومملكة بوهيميا (التشيك)، وكرواتيا، وبولندا، وإمارة بافاريا، وجيوش الدولة البابوية، إضافة لمرتزقة من خيرة فرسان أوروبا مدعمين بأسلحة متطورة.
وقاد جيش موهاكس الصليبي مجموعة من أعظم قادة المجر، يترأسهم ملك المجر لويس الثاني، والقسيس بال توموري، الذي قاد أحد أجنحة الجيش لبث الروح الصليبية لدى المقاتلين.
معركة موهاكس
سار السلطان القانوني من إسطنبول إلى حصن بلغراد المنيع، ففتحه وتلقى التهاني بعيد الفطر والنصر فيه، وعبر نهر الدانوب بسهولة متوجها إلى المجر، حتى وصل إلى وادي موهاكس الذي يبعد عن شمال غربي بلغراد 185 كيلومتر و170 كيلومتر جنوبي بودابست.
وكان في انتظاره 200 ألف جندي مجري من ببنهم 5000 من الوحدات المساعدة القادمة من ألمانيا بقيادة الملك لايوش الثاني.
وفي ليلة المعركة 21 من ذي القعدة، الموافق 29 آب/ أغسطس 1526، سهر السلطان سليمان ليلته يدعو الله أن ينصره، وصلى الفجر وهو يؤم الجيش، ثم نظر إليهم بكل فخر واعتزاز، قائلا ودموعه تسيل من عينه: “وكأني برسول الله صلى الله عليه و سلم ينظر إليكم اﻵن”. فعانق الجنود بعضهم مودعين راجين الشهادة.
رسم القانوني خطة محكمة، تقضي باستدراج قوات الأعداء، بأن يقف جيش المسلمين في ثلاثة صفوف، وهو ومن معه في الصف الثالث ومن ورائهم المدافع، حتى إذا بدأ القتال تتقهقر الصفوف الأولى ويتراجعوا خلفه.
وعندما هجم المجريون، انسحب الجيش، وظن الصليبيون أن القوات انهزمت من المعركة، فاندفعوا كالسيل الجارف إلى الأمام.
عندها أعطى السلطان القانوني اﻹشارة لسلاح المدفعية فحصدتهم حصدا، فهربوا من ساحة المعركة بشكل فوضوي، وانتهت المعركة خلال ساعة ونصف تقريبا.
وذكر مؤرخون، أن معظم الجيش المجري غرق في المستنقعات، في حين أن خسائر الجيش العثماني قدرت بـ1500 شهيد وبضعة آلاف من الجرحى.
قتل في موهاكس، فيلاد الثالث (الملقب بدراكولا) والأساقفة السبعة الذين يمثلون النصرانية ومبعوث البابا 70 ألف فارس، و تم أسر 25 ألف جندي منهم، وأقيم عرض عسكري في العاصمة المجرية، وقبل الجميع يد السلطان تكريما له، بما فيهم الصدر الأعظم، ومكث السلطان 13 يوما، لتنظيم شؤون الدولة ورحل.
وانتهت أسطورة أوروبا، في حين كان جيش الخلافة في كامل قوته ولم يستنزف أبدا. دخل المسلمون عاصمة المجر بودا، وهي جزء من العاصمة الحالية بودابست، بعد أن اتحدت مع مدينة بيست، دخلوها مكبرين حيث صادف عيد الأضحى، فتلقى السلطان التهاني فيها. وبدخول الجيش العثماني إلى بودا، انهار الحاجز المجري الذي كان يقف في وجوههم ويحول دون الوصول إلى النمسا وألمانيا.
وعلى الرغم من انقضاء أكثر من 400 عام، إلا أن معركة موهاكس لا زالت تثير تساؤلات واستهجان وحقد ودهشة عدد من المؤرخين الأوروبيين، فقاموا بتشويه وتحريف الحقائق. وحتى اليوم، يعتبر المجريّون هذه الهزيمة شؤما ونقطة سوداء في تاريخهم، ولدى الهنغاريين مثل شائع عند التعرض لسوء الحظ: “أسوأ من هزيمتنا في موهاكس”.
ويقول المؤرخ الفرنسي إرنست لافيس، واصفا آثار المعركة: “لم يشهد التاريخ حربا كموهاكس، حسمت نتيجتها على هذه الصورة في مصادمة واحدة ومحت مستقبل شعب كبير لعصور طويلة”.
تركيا بالعربي | ترك برس