أردوغان..رجل السياسة الذي لم يخسر انتخابات قط
يُعرف رجب طيب أردوغان بأنه رجل السياسة التركي، الذي لم يخسر في انتخابات قط، طوال مشواره السياسي الحافل، واستطاع حزبه “العدالة والتنمية” الفوز في 5 انتخابات عامة، و3 انتخابات محلية، و3 استفتاءات، وانتخابات رئاسية واحدة منذ عام 2002.
ويسجل لحزب العدالة والتنمية، بأنه صاحب أطول فترة حكم في تاريخ الحياة السياسية التركية الحديثة.
البدايات وسجن عام 1997
ولد أردوغان في إسطنبول في الـ26 من فبراير لعام 1954، وانخرط في الحياة السياسية في سن مبكرة.
عُرِف باهتمامه بصلب الحياة الاجتماعية والسياسية وانشغاله بها منذ بداية شبابه؛ حيث تعلّم روح العمل مع الفريق والانضباط بالعمل الجماعي في الفترة ما بين 1969 و1982، حين كانت كرة القدم هوايته المفضلة.
بدأ رجب طيب أردوغان بتولي أدواراً بارزةً في مجال العمل الطلابي والشبابي كانت لها دور كبير في صقل شخصيته، وبروزه في الأوساط السياسية فيما بعد.
ففي عام 1976 انتُخِب رئيسًا للمنظمة الشبابية لحزب السلامة الوطني بمنطقة بايوغلو التابعة لمدينة إسطنبول. وفي السنة نفسها صار رئيسًا للمنظمة الشبابية في مدينة إسطنبول.
بقي أردوغان في هذين المنصبين وغيرهما إلى عام 1980، عندما حُلّت الأحزاب السياسية في 12 من سبتمبر من نفس العام، ليتجه بعدها إلى القطاع الخاص ويعمل مستشارًا وإداريًّا رفيعًا.
عاد أردوغان إلى الحياة السياسية من جديد مع تأسيس حزب الرفاه عام 1983، وأصبح رئيس الحزب في فرع بايوغلو بإسطنبول عام 1984، ثمّ رئيسًا للحزب في مدينة إسطنبول، وعضوًا في اللجنة الإدارية للقرارات المركزية لحزب الرفاه عام 1985.
وسرعان ما أصبح يتمتع بشعبية كبيرة واعتبر الزعيم الجديد لسياسة يمين الوسط الصاعد في البلاد، بعد انتخابه رئيسا لبلدية إسطنبول في عام 1994.
وخلال فترة عمله، حقق إنجازات كبيرة ومهمة، وتمكن من معالجة العديد من المشاكل المزمنة التي عانت منها مدينة إسطنبول، مثل مشكلة توصيل المياه إلى المنازل، ومشكلة النفايات المتراكمة، ومشكلة التلوث.
وبفضل إنجازاته المتوالية، أصبح يتمتع بشعبية عارمة، وحضور جماهيري كبير، ما أدى بالبعض للنظر إليه على أنه تهديد لمؤسسة تركيا العلمانية.
وفي عام 1997، حُكم عليه بالسجن لمجرد قراءته قصيدة شهيرة ، للشاعر “ضياء غوكا ألب” ، عندما كان يخطب في جموع حاشدة بمدينة سيرت جنوبي شرق البلاد، وتسبب ذلك بفصله من رئاسة بلدية إسطنبول الكبرى.
الانتصار في أول اختبار
بعد خروج أردوغان من السجن الذي بقي فيه لـ 4 أشهر، قرّر مع أصدقائه تأسيس حزب العدالة والتنمية في 14 أغسطس 2001، واختير رئيسًا للحزب من قبل اللجنة التأسيسية.
وخلال عام واحد من تأسيس الحزب تحول إلى حركة سياسية نالت تأييدًا شعبيًّا واسعًا، وثقة كبيرة، مكنت العدالة والتنمية من تحقيق فوز ساحق في الانتخابات التشريعية عام 2002، والحصول على ثلثي مقاعد البرلمان، ما جعله مؤهلًا لتشكيل الحكومة بمفرد.
لكن وبسبب سجنه، لم يتمكن أردوغان من الترشح للبرلمان في انتخابات 2002، وأصبح عبد الله غول -أحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية- رئيسًا للوزراء.
وفي 15 من مارس 2003 تولّى أردوغان منصب رئاسة الوزراء بعد انتهاء فترة المنع من العمل السياسي، وشرع في تنفيذ حزم إصلاحية حيوية، ساهمت في تقدم البلاد ونهضتها بشكل كبير.
كما جلبت أغلبية الحزب الواحد، الاستقرار إلى الساحة السياسية والاقتصادية في تركيا، ما أدى إلى فوز أردوغان وحزب العدالة والتنمية بأغلبية كبيرة في الانتخابات البرلمانية في عامي 2007 و 2011. وتقدم العدالة والتنمية أيضاً في 3 انتخابات محلية متتالية في الأعوام 2004 و 2009 و 2014.
وخلال هذه الفترة، شهدت تركيا زيادة في الدخل القومي للفرد، وتقدما اقتصاديا كبيرا، وحريات سياسية ودينية، اعتبرها مؤيدو أردوغان بمثابة خطوة نحو تأسيس “تركيا الجديدة”.
بعد 10 سنوات من رئاسة الوزراء، أصبح أردوغان أول رئيس منتخب بشكل مباشر من الشعب، في الـ10 من أغسطس عام 2014.
وبحكم الدستور في ذلك وقت، الذي يمنع الانتماء الحزبي للرئيس، غادر أردوغان مقاعد حزبه العدالة والتنمية، وانتُخب أحمد داوود أوغلو، الذي كان يشغل منصب وزير الخارجية، رئيسا للحزب .
خسر حزب العدالة والتنمية الأغلبية البرلمانية للمرة الأولى في تاريخه، في انتخابات 2015، في حين اجتاز حزب الشعوب الديمقراطي العتبة الانتخابية.
في ذلك الوقت رفض حزبا العدالة والتنمية والحركة القومية، أي تحالفات مع حزب الشعوب الديمقراطي، ما مهد الطريق لأول اتصال وثيق بين الحزبين.
واستعاد حزب العدالة والتنمية الأغلبية البرلمانية في الانتخابات المبكرة في نوفمبرعام 2015، لكن وبعد أشهر قليلة، استقال أحمد داوود أوغلو من رئاسة الوزراء ليخلفه بن علي يلدريم.
في الـ15 من يوليو عام 2016، وقعت المحاولة الانقلابية الفاشلة، التي أسفرت عن استشهاد ما لا يقل عن 250 شخصًا.
سعى الانقلابيون إلى إقصاء الحكومة المنتخبة، وإنهاء الحياة السياسية الديمقراطية في البلاد، لكن إرادة الشعب كان لها الكلمة الفصل، واستطاعت التغلب على الانقلابيين ودحرهم.
قدم حزب الحركة القومية دعماً كبيرا لحزب العدالة والتنمية في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة، وسانده في الحرب على تنظيم غولن الإرهابي، الذي يقف خلف محاولة الانقلاب .
وخلال تلك الفترة، وافق رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي، على تعديلات دستورية اقترحها حزب العدالة والتنمية، تتضمن تغييراً جوهرياً في النظام السياسي التركي، يتحول على أساسها إلى نظام رئاسي
وفي شهر أبريل لعام 2017 ، عُقد استفتاء على تعديلات دستورية، تسمح ببقاء الرئيس في حزبه، انتزع أردوغان النصر فيها مرة أخرى، وأُعيد انتخابه رئيسا للعدالة والتنمية في 21 مايو 2017.
وبعد مرور عام، مرّر حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية مشروع قانون من شأنه تغيير النظام الانتخابي في البلاد، ما يسمح بإقامة تحالف بين الأحزاب السياسية لدخول الانتخابات.
أعلن الحزبان بالإضافة لحزب الاتحاد الكبير، تأسيس “تحالف الشعب” لخوض الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي كانت مقررة في عام 2019 وتم التعجيل فيها إلى الـ24 حزيران من العام الجاري.
ومرة أخرى، نجح حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان وبدعم من حزب الحركة القومية الذي شكله معه ما سمي بـ”تحالف الشعب” من الفوز بالأغلبية البرلمانية، إضافة إلى فوز أردوغان بمنصب رئيس الجمهورية، وذلك في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت 24 يونيو / حزيران الفائت.
وحصل رجب طيب أردوغان على 26 مليونا و330 ألفا و823 صوتا، ما نسبته (52.59 بالمئة) في الانتخابات الرئاسية، فيما خصل “العدالة والتنمية” على 42.56 بالمئة من الأصوات في الانتخابات البرلمانية و”الحركة القومية” على 11.10 بالمئة.
وحصد حزب”العدالة والتنمية” 295 مقعدا في البرلمان (المؤلف من 600 مقعد)، فيما حصل “الحركة القومية” على 49 مقعدا.
وبهذا يكون رجب طيب اردوغان أول رئيس للجمهورية التركية ما بعد التعديلات الدستورية التي حوّلت النظام في البلاد إلى نظام رئاسي.
TRT