انخفاض الليرة التركية فرصة لا تعوض لاقتناء العقارات السياحية في تركيا
الليرة التركية تجاوزت حاجز الـ 6.5 ليرة تركية لكل دولار، وهذا يعني أن التاجر الذي يملك 100 ألف دولار أصبحت تساوي أكثر من نصف مليون ليرة تركية بكثير، وهذا يساوي قيمة فيلا فارهة قريبة من المناطق السياحية، أو شقة فخمة وسط أفضل المناطق السياحية، وتساوي شقتين سياحيتين في المناطق السياحية المتوسطة.
وهذا يمثل فرصة لا تعوض للسياح الأجانب لاقتناء العقارات في المناطق السياحية فائقة الجمال، أو تحسباً لتردي الأوضاع الاقتصادية في بلدانهم بسبب عدم وجود قاعدة اقتصادية وصناعية وتجارية صلبة بسبب سيطرة الدكتاتوريين على البلاد والعباد هناك، أو تحسباً لأي طارئ سياسي أو اقتصادي أو عسكري في بلدانهم.
فرصة لاقتناء مخرج طوارئ في دولة من أجمل الدول السياحية، وهي من الدول الإسلامية القليلة التي تسمح للأجانب بالتملك فيها والحصول على جنسيتها أيضاً.
وهنا يثور في ذهن القارئ استفسار مهم، وهو: إن انخفاض قيمة العملة بمقدار 25% يعني ارتفاع في أسعار العقارات بمقدار 25% أيضاً.
والحقيقة أن هذا صحيح في عدد من الدول العربية، حيث يقود الطمع التاجر لرفع الأسعار كثيراً بنسبة متوازية مع الدولار، فيعجز المشتري عن الشراء، أو يحبس المستثمر ماله تحسباً لهبوط الأسعار (ولن تهبط)، فيحصل ركود قاتل يستمر من 5 إلى 10 سنوات للأسف!!
أما في تركيا فالوضع مختلف، والأمور لا تسير على هذا النحو، فالتاجر التركي لا يربط عمله بالدولار، ولكنه يربط عمله بتسريع دوران رأس ماله، فلا يرفع السعر حتى لا يصيبه الركود، وإنما يرفع السعر قليلاً بشكل لا يؤثر على المستهلك كثيراً ولا يشعر بالفرق، ويبني عشرات المجمعات السكنية خلال سنوات التضخم. فيبيع كل مجمع بسرعة ويبني من قيمته غيره، ثم يبيعه ويبني من قيمته غيره، وهكذا، بدلاً من بناء مجمع واحد بزيادة 25%، فلا يتوقف عن العمل، ولا يصيبه حينئذ الركود الذي يصيب عدداً من الدول العربية.
وفي هذه الحالة فهو يسد تضخم الليرة التركية بالربح القليل المتعاقب في كل مجمع يبنيه في وقت قياسي، ويحقق الاستثمار الأمثل لرأس ماله من خلال تدويره مرتين كل سنة (فبناء المجمع السكني يستغرق 6 أشهر في تركيا، ويبدأ بيعه فور إقرار المخططات من البلدية)، أي يدور رأس ماله عشرات المرات خلال خمس سنوات.
أما من ناحية الادخار، فإن مقدار ما يدخره في البنوك لا يتجاوز 10% من رأس ماله، ويكون ادخاره الأكبر في البيوت التي لم يتيسر بيعها في عشرات المجمعات السكنية التي بناها خلال فترة التضخم، فهي تمثل فائض قياسي في الأرباح بالنسبة له، ويستطيع أن يبيعها بسرعة بثلاثة أرباع قيمتها في أي وقت ليحصل على السيولة التي يريدها؛ لأن هذه القيمة تكون أقول من سعر السوق بعد خمس سنوات، وأكثر من تكلفة البناء بكثير.
وكمثال عملي على هذا، فإن بيتاً مكوناً من 3 غرف في منطقة متوسطة في عنتاب كانت قيمته 140 ألف ل.ت. تقريباً عام 2013م عندما كان الدولار يساوي 1.8 ل. ت.، أي: 78 ألف دولار، واليوم -وقبل تدهور الليرة التركية- قيمة ذات البيت 200 ألف ل.ت. حين كان الدولار يساوي 4.5 ل.ت.، أي: 45 ألف دولار تقريباً.
فالعملة انخفضت من 1.8 إلى 4.5 بنسبة 250%، بينما ارتفعت قيمة العقار بنسبة 43% فقط خلال نفس الفترة على حساب الليرة التركية، بينما انخفضت قيمة العقار بمقدار 52% على حساب الدولار.
ومع هذا فالمستثمر بالعقارات في تركيا يغطي هذا التضخم ويزيد عليه بأرباح طائلة دون أن يتأثر المستهلك العادي أو مقتني العقار السياحي؛ لأنه يحسب استثماره بالليرة التركية ولا يفكر بالدولار كما بينت سابقاً.
فالذي يبني بناء مفرداً في تركيا يربح 25% من رأس المال الذي وضعه كحد أدنى، والذي يبني مجمعاً يربح 45% من رأس المال الذي وضعه كحد أدنى.
وعليه فإن صاحب البناء المفرد يربح 50% كل سنة؛ لأن البناء يستغرق ستة أشهر، فهو يقوم بتدوير رأس ماله مرتين، وعلى فرض أنه لم يشغل الأرباح واستهلكها كاملة في رفاهيته وحياته، فيكون قد غطى مقدار التخضم خلال السنوات الخمس، أي: 50% × 5 سنوات = 250%، بالإضافة إلى ارتفاع قيمة البيوت التي لم يتم بيعها فوراً بسبب التضخم، أما إذا شغل جزءاً من أرباحه فيكون قد عاش حياة كريمة، وتجاوز التضخم بمراحل.
أما الذي يبني مجمعات سكنية ويقوم بتدوير رأس ماله مرتين في السنة، فيكون ربح 90% في السنة × 5 سنوات = 450%، وهذا أيضاً على فرض أنه لم يشغل الأرباح ولم يوسع عمله.
وهذا أفضل بكثير من الذي يقوم بتدوير رأس ماله مرة واحدة خلال هذه الفترة ويرفع قيمة عقاره بمقدار ارتفاع الدولار، ويتسبب بركود يجعله بعد خمس سنوات يغطي بالكاد مقدار التضخم، دون أن يرفه نفسه بعوائد وأرباح عمله، ودون أن يتوسع العمران في بلده ودولته.
فإذا أضفنا إلى ما سبق أن تركيا تلبس وتبني مما تصنع، ولا تعتمد في بنائها على مهندسين غربيين أو شرقيين، ولا على استيراد تقنيات من الخارج، فسنعلم حينئذ أن السياسة الاقتصادية التركية التي أصبحت ثقافة عامة لدى التجار أيضاً.
والنتيجة:
أن الفرق بين سياسية العمران المتقدمة في تركيا والسياسات المتخلفة في بعض الدول الأخرة هي أن تركيا فيها عشر أضعاف العمران خلال خمس سنوات فقط زيادة عن الدول ذات السياسات الاقتصادية المتخلفة، وهذا على فرض أن تجار تركيا لم يشغلوا شيئاً من أرباحهم في تجارة البناء!!
فتركيا على هذا تملك أساسات اقتصادية متينة وراسخة في مجال البناء وحده، فهي مهما تعرضت لهجمات وانتكاسات فوضع تركيا أفضل بكثير من الدول التي تزاود عليها وتسخر وتشمت منها، فتلك الدول لا تملك عملة مستقلة ذات سيادة، فعملتها خردة وجزء من الدولار، ولا تملك سياسة اقتصادية ناجحة، وليس لديها أساس اقتصادي متين، ومتى انكشف الدولار على حقيقته فسيتكشفون جميعاً ويتعرون على حقيقتهم التي لا مفر منها ولو بعد حين.
ونسأل الله أن يكون تدهور سعر الليرة عارضاً ويمر على سلامة كما مرت هجمات كثيرة من قبل، وأن يجعل الله كيد الأعداء في نحورهم، وأن يجعل الدائرة عليهم، ويسر اللهم للمنافقين والمرجفين والمخذلين على وسائل التواصل ما يشغلهم بأنفسهم.
قال تعالى: {ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً، وكفى الله المؤمنين القتال، وكان الله قوياً عزيزاً} [الأحزاب: 25]…
د. إبراهيم عبد الله سلقيني – خاص ترك برس