التوجه التركي نحو “بريكس” يعني خلق نظام اقتصادي جديد يهدد أمريكا و أوروبا
أجمع أكاديميان تركيان على أن توجه بلادهما نحو الانضمام إلى مجموعة دول “بريكس”، يثبت امتلاكها للعديد من البدائل للغرب.
** تحالفات بديلة متاحة
البروفيسور صالح يلماز، رئيس قسم التاريخ بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة “يلدريم بيازيد” بأنقرة، قال إن بلاده أثبتت بتلك الخطوة امتلاكها العديد من البدائل في مجالات الدفاع والطاقة والتكنولوجيا والاستثمارات الأجنبية وأيضا القروض والتجارة الدولية.
وتطرّق يلماز، في حديث للأناضول، إلى مشاركة الرئيس رجب طيب أردوغان، في قمة “بريكس” المنعقدة أواخر يوليو/ تموز الماضي، بدولة جنوب إفريقيا.
كما عقّب أيضا عن مقترح عضوية أنقرة في “بريكس”، والنظرة الإيجابية لكل من روسيا والصين، العضوين في المجموعة المذكورة، لمقترح العضوية التركية، والآثار المترتبة على كافة الأطراف في حال تفعيل الانضمام.
وأضاف يلماز، وهو رئيس “معهد البحوث الروسية” بأنقرة (روسان)، أن الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية قرأت مشاركة أردوغان في قمة “بريكس”، على أنها محاولة من قبل أنقرة لإيجاد تحالفات بديلة عن الغرب.
فما تخشاه واشنطن والعواصم الأوروبية هو أن يشكّل تعاون تركيا مع روسيا والصين، نموذجاً تحتذي بها العديد من الدول الأخرى المرتبطة بها، وتلجأ إلى التعاون والعمل المشترك مع هذين البلدين بديلا عن الغرب، ما يعني انتهاء عهد الهيمنة الأمريكية والغربية.
ورأى الخبير التركي في اعتبار أنقرة مجموعة “بريكس” بديلاً مناسبا لها، أمر طبيعي جداً، خصوصا وأنها تُستهدف سياسياً واقتصادياً في السنوات الأخيرة من قبل واشنطن والاتحاد الأوروبي.
وثمّن مقترح تركيا الانضمام إلى “بريكس” التي تضم كلاً من البرازيل، وروسيا، والهند، والصين وجنوب إفريقيا، معتبراً أن المقترح يبعث برسالة إلى الغرب فحواها أن أنقرة لديها بدائل عنه.
ومتابعا: “تركيا التي حالوا التحكم فيها عبر الضغوطات والهجمات المالية والاقتصادية، وجدت في “بريكس” بديلا مناسبا لها، خاصة أن هذا المنتدى الاقتصادي الدولي، يهدف إلى تنظيم البنية الاقتصادية والعمل التجاري بالمنطقة”.
ومؤخراً، طرحت الصين، وهي أحد أعضاء المنتدى، مبادرة “بريكس بلس- BRICS Plus “، ما يتيح لبلدان تمتلك قدرات مثل تركيا، تحقيق التعاون مع دول المجموعة.
وأوضح الأكاديمي التركي أن أنقرة تسعى عبر التعاون مع بنك التنمية الذي يتخذ من مدينة شنغهاي الصينية مركزاً له، ويتبع مجموعة “بريكس”، إلى كسر محاولات الضغط الأمريكية عبر عملة الدولار.
وخلص يلماز إلى أن “بريكس” تمتلك رؤية تؤهلها لأن تكون بديلة عن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، فضلاً عن أنها تتشارك مع تركيا الرؤية نفسها.
واعتبر أن توجه أنقرة للانضمام إلى “بريكس” تعد رسالة موجهة لواشنطن في ظل الحرب التجارية التي تشهدها الأخيرة مع بكين.
فـ”أنقرة ترغب في تطوير علاقاتها مع الصين، وقد تباحث الطرفان على هامش قمة بريكس في جوهانسبرغ (جنوب إفريقيا)، إمكانية إنشاء المحطة النووية الثانية والثالثة في تركيا من قبل الصين، ما يعني وجود بديل لصندوق النقد الدولي الذي يتحكم في النظام الاقتصادي للقرن العشرين.”
ووفق الخبير، فإن تركيا تتعرض في السنوات الأخيرة، إلى ضغوطات كبيرة من قبل وكالات التصنيف الائتماني، ولهذا السبب تسعى لإنشاء وكالة ائتمانية تابعة لها.
والنقطة الأخيرة تشترك فيها أنقرة ودول “بريكس”، من خلال سعي الطرفين لتشكيل مركز مالي يوازن دور صندوق النقد الدولي.
وحول تفاصيل العضوية، اعتبر يلماز أن انضمام تركيا العضو بحلف شمال الأطلسي “ناتو”، لمجموعة “بريكس”، ستخلق توازنا داخل المنتدى الاقتصادي، خصوصا في ظل استغلال واشنطن الهند لزعزعة صفوف “بريكس”.
كما أن انضمام تركيا لـ”بريكس”، سيعيد ترتيب الأوراق في القارة الآسيوية، وسينشأ بنية تحتية جديدة للنظام الاقتصادي فيها، وسيتحقق حلم استخدام العملة المحلية في التجارة الدولية.
وشدد يلماز على ضرورة تصدّي أنقرة وموسكو وبكين لمحاولات واشنطن فرض نظام جديد على العالم، لافتاً إلى أن هذا الأمر هو ما سيكسر اعتقاد الغرب بأن أنقرة تابعة لها وأن لا حلفاء أو بدائل لها غيره.
** بديل لهيمنة واشنطن
بدوره، أشاد الدكتور ألطاي أطلي، عضو الهيئة التدريسية في قسم العلاقات الدولية بكلية العلوم الاقتصادية والإدارية بجامعة “قوتش” الخاصة، بتوجّه بلاده نحو عضوية “بريكس”.
ورأى، في حديث للأناضول، أن “بريكس” تتحدى النظام العالمي الذي يتحكم فيه الغرب بقيادة واشنطن.
وأضاف: “لسنا الآن في عالم الحرب الباردة، ولم يتبق هناك محاور ومعسكرات، بل هناك محور ومعسكر واحد وهو المحور العالمي الذي ترغب تركيا أن تكون قوة ضمن هذا النظام.”
وأشار إلى أن دول الغرب وواشنطن تتعاون وتقيم علاقات مع من تشاء تحت مسمى “المصالح القومية”، إلا أنه حين تقوم تركيا بالأمر نفسه، تُتّهم بـ “الابتعاد عن محور الغرب، وهذا نفاق”.
وأوضح أن مجموعة “بريكس” ليست منظمة رسمية مثل الاتحاد الأوروبي، و”ناتو”، ومنظمة شنغهاي للتعاون، بل هي آلية هامة للتحاور والتشاور والتعاون بين دولها الأعضاء.
وأكد على أن دول “بريكس” ستشكّل بعد الآن، باقتصاداتها النامية، بديلاً لنظام الهيمنة الذي تتبناه واشنطن.
وحول انضمام تركيا لـ “بريكس”، لفت أطلي إلى أنّ هذه العضوية لا تعني الاستغناء عن واشنطن والتحالفات الغربية، بل إن العالم لم يعد يحتمل الاقتصار على محور وقطب واحد، وهناك حاجة للتعددية.
وشدد على أن انتقاد دول “بريكس” للتحكم بالعالم من قبل قوة عظمى واحدة، تقابل فكرة الرئيس التركي أردوغان بأن “العالم أكبر من خمسة”.
ورفض الأكاديمي التركي الاعتماد على جهة واحدة في سد احتياجات الدول من الصناعات الدفاعية والتكنولوجيا والاحتياجات العسكرية الأخرى، مستدلاً على ذلك برفض واشنطن تزويد تلبية مطالب أنقرة العسكرية في السنوات الأخيرة.
وموضحا الجزئية الأخيرة: “حتى يومنا هذا، اعتمدنا على الولايات المتحدة والغرب في سد احتياجاتنا من الصناعات الدفاعية، إلا أننا نرى أن واشنطن تقدم لنا أنظمة باتريوت الدفاعية، ولكنها لا تزودنا بمعلومات تقنية حولها، بل توظف عسكرييها للإشراف عليها.”
وختم أطلي بالإشارة إلى أن حاجة أنقرة لا تكمن في امتلاك الأسلحة والمنظومات الدفاعية فقط، بل تصنيع هذه الأسلحة والمنظومات بحيث تحقق اكتفاءها الذاتي، وهذا ما يجعلها تتعاون مع روسيا والصين اللتين تقبلان نقل المعلومات والتكنولوجيا إلينا.
الأناضول