بعد “الثورة” التركية على أمريكا.. هل يتشكل محور دولي جديد على وقع مغامرات ترامب؟
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الحرب على الجميع سياسيًا واقتصاديًا عبر تفعيل حزمة عقوبات جديدة ضد إيران وبسياساته التجارية الحمائية مع حلفائه وخصومه في آن واحد، وهو ما طال الاتحاد الأوروبي وكندا والصين وروسيا وأخيرًا الدخول في حرب اقتصادية ضد تركيا على خلفية النزاعات بملفات سياسية.
على وقع هذه الحرب الاقتصادية الأخيرة مع تركيا دخلت العلاقات التركية الأمريكية منحدرًا صعبًا خاصة مع تأثر الليرة التركية، وهو ما دفع تركيا للبحث عن أصدقاء جدد كما صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حينما حذر يوم السبت 11 أغسطس 2018، من أنَّ التحالف بين البلدين الذي دام عقودًا يواجه خطرًا، وأنَّ تركيا «قد تبدأ في البحث عن أصدقاء وحلفاء جدد».
أصدقاء وحلفاء
بحسب تصريحات الكرملين تحدَّث أردوغان إلى بوتين هاتفيًا يوم الجمعة 10 أغسطس 2018، وناقش بشكلٍ أساسي «التعاون التجاري والاقتصادي» بين الجانبين.
بعد ذلك وصل وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف إلى تركيا بعد ٤ أيام فقط من مكالمة الرئيسين ليعقد اجتماعه مع نظيره التركي مولود تشاوش أوغلو في أنقرة مصرحًا: «نشهد نقطة تحول في تاريخ العالم دون مبالغة» من هيمنة قوة واحدة إلى بيئة متعددة الأقطاب.
واعتبر أن ما وصفه بالعقوبات «غير الشرعية» المفروضة على روسيا وتركيا جزء من محاولات الولايات المتحدة «للسيطرة في كل مكان، على كل شيء»، وهي تلك الرؤية المشتركة التي تحدثت تركيا عنها مرارًا على لسان الرئيس التركي.
المشترك الذي يدفع البلدين للتواصل في هذه اللحظة هي الآثار الاقتصادية التي يمران بها على خلفية سياسات الولايات المتحدة في عهد ترامب، فبجانب وضع الليرة التركية مؤخرًأ، واجه الروبل الروسي أسوأ أسبوع له منذ انهيار النفط في عام 2015، وسط تزايد المخاوف من فرض عقوباتٍ أميركية جديدة ردًا على اتهامات التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية الأخيرة التي صعدت بترامب إلى البيت الأبيض.
وفي نفس السياق، جاء لقاء الرئيس التركي أردوغان وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، الذي تعهُّدت عقبه قطر باستثمار مباشر يبلغ قدره 15 مليار دولار في تركيا، ليشكل دعمًا إضافيًا لليرة، ضمن سلسلة من الخطوات العاجلة لأنقرة لحماية اقتصادها، وهو ما عاد بانطباع إيجابي على الأسواق حيث ارتفعت الليرة بنسبة 6% أمام الدولار.
تركيا ليست وحدها
جاء الاصطدام التركي الأمريكي بالتزامن مع حزمة العقوبات الجديدة التي فرضها ترامب ضد إيران ودخلت حيز التنفيذ مؤخرًا، ويأتي على رأسها النفط الذي سيتأثر بالقيود الأمريكية المفروضة على خطوط التصدير الإيرانية، تلك القيود التي رفضت تركيا التقيد بها، وهو ما جاء على لسان وزير الخارجية التركي وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو الذي أكد أن بلاده لا تنوي قطع علاقاتها التجارية مع إيران بسبب قرار أحادي الجانب من قبل الولايات المتحدة بفرض عقوبات على طهران.
وأضاف الوزير التركي قائلا: “قد تعلن دول أخرى عن وقف تجارتها مع إيران، لكن تركيا لن تقطع تعاونها التجاري مع هذه الدولة. إن الدولة التي تفرض عقوبات (على إيران) لا تستطيع معاقبة الدول الأخرى التي لا تنضم إليها. العالم غير قائم على هذا المنوال ولن يكون”.
هذا النهج الذي يتخذه البيت الأبيض تحت إدارة ترامب دفع بالدول الثلاثة روسيا وإيران وتركيا إلى نقطة المواجهة معًا في وقت واحد، وهو ما قد يستدعي تنسيقًا بشكل أو بآخر لمواجهة التحديات المشتركة، خاصة وأن هناك سابق تاريخ لهذا التنسيق في القضية السورية، والتي ستجمع بين الرؤوساء الثلاثة في قمة مشتركة حول سوريا مطلع سبتمبر/ أيلول المقبل، وقد لا تخلو من أحاديث جانبية عن حرب ترامب الاقتصادية المفتوحة.
تأتي الصين ضمن أحد أهداف ترامب أيضًا، ما دفعها للتأكيد أنها “لن تقف مكتوفة الأيدي”، و”ستدافع بشدة عن حقوقها” في حال فرضت الولايات المتحدة عقوبات تعيق التجارة بين البلدين، وذلك بعدما فتحت واشنطن تحقيقًا بحق القوة الاقتصادية الثانية في العالم حول ملف الملكية الفكرية.
وأعلنت وزارة التجارة الصينية في بيان أنه “إذا أقرت الولايات المتحدة تدابير تضر بالمبادلات التجارية الثنائية وتخالف القواعد التجارية المتعددة الأطراف، فإن الصين لن تقف مكتوفة الأيدي”، بحسب وكالة فرانس برس.
وكانت تركيا قد أبدت استعدادها لاستخدام العملات المحلية في تجارتها مع الصين وروسيا وإيران وأوكرانيا وغيرها من الدول التي تمتلك التبادل التجاري الأكبر معها، بحسب تصريحات للرئيس التركي أردوغان.
نظام عالمي جديد
يقول الكاتب مارك ألموند في تحليل نشرته صحيفة ديلي تلغراف البريطانية إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يخاطر بإنشاء محور بين تركيا وإيران والصين وروسيا، ويتساءل الكاتب -وهو مدير معهد أبحاث الأزمات في أكسفورد- هل يمكن لضحايا حرب التجارة التي يشنها ترامب أن يتّحدوا ضده؟
وذلك بعد أن أطلق ترامب حروبه ضد هذه الدول أولها تعريفات صارمة على الصادرات الصينية، وإعادة فرض العقوبات على إيران، والزيادة من حجمها على روسيا، وزعزعة استقرار العملة التركية من خلال تعقيدات متعلقة بتعريفات على صادرات الصلب والألمنيوم.
هذا النظام العالمي الجديد الذي دخل في طور التشكل على خلفية سياسات ترامب ليس بعيدًا عن تصوراته، إذ أنه لم يخفِ سخطه على النظام الدولي، وتعهد قبل توليه منصبه ضمن حملته الانتخابية بالانسحاب من الاتفاقات الدولية متعددة الأطراف، وإعادة النظر في مشاركة بلاده بالأمم المتحدة.
وبالفعل بدأ ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي الذي أبرمته القوى الدولية في 2015، ثم الانسحاب من إحدى أكبر اتفاقيات التجارة الحرة في العالم، وتعهد بإلغاء اتفاقية أخرى إذا لم يكن من الممكن إعادة التفاوض بشأنها، كذلك قلص ترامب دعم الأمم المتحدة ومؤسساتها.
كل ذلك يعد إرهاصات لتشكل محور جديد ضد هذه السياسيات، قد تكون نواته دول المواجهة الحالية مثل تركيا وروسيا والصين وإيران، وربما الاتحاد الأوروبي، والتكتلات الاقتصادية الأصغر التي ستكون بديلًا محتملًا لمواجهة الهيمنة الاقتصادية الأمريكية.