تركيا تكسر مخالب أمريكا و تقود المنطقة باتجاه تحرر وطني يضمن كرامة شعوبها
قال السياسي والأكاديمي التونسي، رياض الشعيبي، إن تركيا تقود المنطقة باتجاه تحرر وطني واضح، وتغذي النزعة الوطنية المنتشرة داخل المجتمعات العربية، بما يضمن الكرامة لشعوب المنطقة.
وكان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ضد ضاعف، الرسوم الجمركية على واردات الألومنيوم والصلب التركية، بعد أيام من فرضه عقوبات على وزيري العدل والداخلية التركيين قبل أسابيع، متذرعا بعدم الإفراج عن القس الأمريكي، أندرو برونسون، الذي يُحاكم أمام القضاء التركي.
وردت أنقرة بفرض رسوم على 22 منتجا أمريكيا بما يعادل 533 مليون دولار. وقال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إن تركيا لا ترضخ للتهديدات، ومستعدة لجميع الاحتمالات الاقتصادية.
د. الشعيبي، وهو أمين عام حزب “البناء الوطني” ومختص في الفلسفة الليبرالية والأمريكية خاصة، قال في مقابلة مع الأناضول، إن “رد الفعل التركي فيه وصفة القوة”.
وأضاف أن هذه الوصفة “تجمع بين العمق الوطني والشعور الوطني والمسؤولية الوطنية والضمير الوطني، الذي يقترب من المجتمع والشعب، وبين القوة الروحية الدينية والحضارية، التي تحفز الشعوب على المطالبة بالتحرر والانعتاق وبناء مقومات دولة وطنية حقيقية تستطيع ضمان الكرامة لشعوبها”.
وأردف أن ما تقوم به تركيا “هو رسالة رمزية قوية جدا لشعوب المنطقة، ومن الأكيد في السنوات القادمة أن هذا النموذج سيؤخذ كمثال تبني عليه هذه الشعوب حركتها للتحرر من الهيمنة الأمريكية ومن الهيمنة الخارجية”.
** الإرادة الغربية
الشعيبي اعتبر أن “الحرب التجارية ليست إلا مظهرا لحرب استراتيجية تطل برأسها في المنطقة، وتركيا تأمل أن يكون لها وضع استراتيجي جديد في المنطقة، وأن تلعب أدوارا أكثر أهمية، بشكل مستقل عن الإرادة الأمريكية والإرادة الغربية”.
وزاد بأن “هذا النفس التحرري، وهذا التوجه الوطني التحرري يتم بالاعتماد على عمق شعبي واسع جدا يتجاوز 55 مليون تركي صوتوا لأردوغان (في الانتخابات الرئاسية يوم 24 يونيو/ حزيران الماضي)”.
وتابع: “وبهذا العمق الشعبي، وبهذه الأرضية الفكرية التي يمتزج فيها البعد الوطني بالروح الحضارية والروح الدينية وبهذا الكوكتيل(الخليط) من العمق الاجتماعي والشعبي ومن الرؤية الفكرية والسياسية والاستراتيجية الواضحة، تتطلع تركيا للعب دور أكثر أهمية وأكثر إيجابية غير مسموح به وغير مقبول غربيا وأمريكيا، وهذا ما يتسبب في هذا الصراع”.
وشدد على أن “الإجراءات التركية تعطي اعتبارا أقوي للسيادة الوطنية التركية وللقرار الوطني التركي، رغم أن بعدها رمزي أكثر من قيمتهما الاقتصادية الحقيقية”.
** غطرسة أمريكية
وبشأن مضاعفة الرسوم الأمريكية على بضائع تركية، قال الشعيبي إن “الاقتصاد جزء من حرب استراتيجية تخوضها الولايات المتحدة للبحث عن مواقع وأدوار جديدة تلعبها في العالم، خاصة في ظل سياسة الغطرسة التي يتوخاها ترامب منذ انتخابه رئيسا (يناير/ كانون ثانٍ 2017)”.
وأردف أنه “يقع (يتم) اليوم استعمال الحرب التجارية والحرب الاقتصادية، وفي أماكن أخرى يقع استعمال التدخل العسكري المباشر، وفي مناطق أخرى الضغط الدبلوماسي وهكذا”.
وأوضح أن “الحرب الاقتصادية ليست إلا مفردة من مفردات حرب استراتيجية تخوضها الولايات المتحدة لتجديد هيمنتها على العالم، وعلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالأساس”
ويُحاكم القس الأمريكي برانسون في تركيا بتهم، بينها: ارتكاب جرائم باسم منظمتي “غولن” و”بي كا كا” الإرهابيتين.
وقال الشعيبي إن “قضية القس الأمريكي ليست إلا سببا من الأسباب الصغيرة للأزمة العميقة بين تركيا والولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، والتي ظهرت خاصة في مستوى الاختلاف حول السياسة الخارجية والاستراتيجية التركية الخارجية للتحرك في المنطقة”.
** هيمنة أجنبية
الأكاديمي والسياسي التونسي قال إن قراءته للأرضية الفكرية لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، ومتابعته للأداء السياسي وللتوجهات السياسية لأنقرة في السنوات الأخيرة، تبين وجود نزعة تحررية واضحة في السياسة الخارجية التركية، وعلى مستوى البناء الداخلي.
ومضى قائلا: “وطبعا هذه السياسة التحررية تزعج كل قوى الهيمنة في المنطقة، وأهم هذه القوى هي الولايات المتحدة الأمريكية، التي تريد أن تستمر في فرض إرادتها على شعوب المنطقة”.
وزاد بأنه وفق الرؤية الأمريكية “غير مسموح لتركيا ولا لأي دولة في الشرق الأوسط أن تكون لها سياسة خارجية أو مصالح مستقلة عن المصالح الأمريكية، وهذه هي الرسالة التي أرادت واشنطن أن ترسلها عبر مواقفها الأخيرة”.
** عالم متعدد الأقطاب
محللا الوضع الدولي، قال الشعيبي إنه “منذ سقوط الاتحاد السوفييتي (1991) وجدار برلين (1989) كانت هناك محاولات وحلم لخلق عالم متعدد الأقطاب لا تستفرد فيه الولايات المتحدة بالقرار الدولي، وهناك محاولات عديدة في هذه المجال”.
وشدد على أن “حضور تركيا في المؤتمر الأخير بجنوب إفريقيا مع مجموعة دول (بريكس) التي تحاول أن تتحرر من هيمنة الليبرالية الأمريكية المعولمة على الاقتصاد العالمي، هو ذو دلالة قوية في هذا الاتجاه”.
وأعرب الشعيبي عن اعتقاده بأن “التحاق تركيا بهذه الدول، وبهذه المجموعة، سيمثل تغييرا استراتيجيا مهما جدا سيكون له تأثير على العلاقات الدولية في المستقبل”
** دور العالم العربي
الشعيبي قلل من قدرة العالم العربي على لعب دور في ما قال إنها معركة تحرر وطني.
وقال إن “العالم العربي يعيش أزمات مركبة.. أزماته الداخلية، انقساماته، معاركه الأيديولوجية وصراعاته وقضايا الاستبداد والطائفية التي يعاني منها، ثم هو يعيش أزمة خارجية باعتبار ضعف تأثيره على القرار الدولي”.
وأوضح أن “هناك دول عربية تحولت في المدة الأخيرة إلى أدوات للهيمنة الغربية على المنطقة، تحت مسمى النظام العربي المعتدل، بالتالي الدور إن لم يكن ضعيفا جدا فهو في أغلب الأحيان دور سلبي، وهذا مؤسف للغاية”.
وشدد الشعيبي على أنه “في هذه المرحلة تركيا هي التي تتزعم هذه النزعة التحررية في المنطقة”.
أما عن الشعوب العربية، فقال إنه “كان لها تأثير وتأثير مهم، خاصة بعد الربيع العربي (ثورات شعبية بدأت أواخر عام 2010) والتحركات التي حصلت في المنطقة وإسقاط بعض الأنظمة”.
وتابع: “إلا أن موجة الردة التي تعيشها المنطقة، وفي مصر أساسا، والحرب الأهلية بدعم وتدخل خارجي مثلما يحصل في اليمن، وما يحصل في سوريا، وليبيا، وفي كثير من الدول العربية، أضعفت القرار الوطني المستقل العربي، وأضعفت تأثيره، وبالتالي حتى الشعوب تعيش نوعا من خيبة الأمل تجاه ما يحصل في المنطقة العربية”.
** الحالة التركية
وبخصوص المواجهة التركية- الأمريكية الراهنة، قال الشعبي إنه “مهم بالنسبة للأتراك ألا ينساقوا في ردود أفعال متشنجة ومتوترة تجاه الغرب عامة، والولايات المتحدة الأمريكية خاصة”.
وشدد على أنه “مهم جدا التحكم في الأعصاب، والتعامل بهدوء وببرود مع الوضع، فالانسياق وراء الخطاب الثوري على النمط الإيراني غير مناسب في الحالة التركية”.
واعتبر الشعيبي أن “الحالة التركية حالة اندماجية، وليست حالة صراعية مع الغرب ومع النظام الليبرالي”.