صفقات السلاح الأميركي للسعودية أمام أكبر اختبار.. صحيفة أميركية: كفة المال ترجح أمام الغضب الأخلاقي من قتل خاشقجي
عندما اختار الرئيس دونالد ترمب المملكة العربية السعودية لتكون وجهته الخارجية الأولى بعد توليه منصب الرئاسة في العام الماضي (2017)، عقد ما يمكن أن يرقى إلى مستوى صفقةٍ جوهريةٍ مع العائلة الملكية: لن يعطيهم دروساً في حقوق الإنسان، مقابل شرائهم الكثير من الأسلحة والمعدات العسكرية الأميركية. لكن وجد الرئيس الأميركي نفسه أمام تحد كبير بالوقوف في وجه الضغوطات التي تطالبه بوقف بيع السلاح بسبب قضية جمال خاشقجي.
وذكرت صحيفة New York Times الأميركية، أنه في الوقت الذي يأخذ فيه العالم خطوة إلى الوراء مبتعداً عن السعودية من صدمته في التقارير التي تُشير إلى أنها أرسلت عملاء إلى تركيا لقتل صحافيٍّ سعوديٍّ معارضٍ وتقطيع أوصاله بمنشار عظام، يُواجه ترمب الاختبار الأكبر لهذه الصفقة.
وعلى مدار الأيام الماضية، تصدى الرئيس دونالد ترمب للضغوط المُطالِبة بمُعاقبة السعوديين وإلغاء صفقات الأسلحة التي وقعها خلال زيارته، متحججاً بأن هذا سيُكلِّف الأميركيين أموالاً طائلةً ووظائف كثيرة.
مصالح أميركا الأمنية والاقتصادية فوق قضية جمال خاشقجي !
ربما لا يوجد داعٍ لعظيم الدهشة من أن يُعطي ترمب الأولوية لعشرات المليارات من الدولارات التي ستحصل عليها الولايات المتحدة، ويقدّمها على الغضب الأخلاقي من عملية قتل صريحة لمُعارضٍ واحد.
إذ سبق أن قلل رؤساء سابقون من حدّة المخاوف بشأن حقوق الإنسان في الخارج، عندما يتعلق الأمر بما يعتبرونه مصالح أميركا الأمنية والاقتصادية. لكن المختلف هنا هو مدى صراحة ترمب في التعبير عن حسابات سياسته الواقعية، بغض النظر عن مدى بلادتها أو استهزائها بالقيم.
ويقول ستيفين آي كوك، المتخصص بشؤون المنطقة في مجلس العلاقات الخارجية: «أي رئيس مُعرَّض لأن يكون عالقاً في هذا الموقف المحرج. لكن الرئيس دونالد ترمب يختلف في استعداده لأن يقول صراحةً: (لا يُهمني الأمر حقاً. هو ليس مواطناً أميركياً. نعم، الأمر فظيع، لكننا نشاركهم كمّاً كبيراً من الأعمال التجارية). وهو لا يخجل من قول ذلك».
لكن هذا النهج ربما يضع الرئيس دونالد ترمب في صدام مع الكونغرس
حيث ينتشر توجهٌ بين أعضائه من كلا الحزبين، يهدف إلى استغلال نفوذ صفقات السلاح في إرسال رسالةٍ إلى المملكة العربية السعودية بسبب قضية جمال خاشقجي ، فحواها أنّه لا يُمكنها الإفلات من العقاب عند قتل صحافيٍّ له صِلات بأميركا على أرضٍ أجنبية.
وصرَّح السيناتور ماركو روبيو، الجمهوري من فلوريدا، يوم الأحد 14 أكتوبر/تشرين الأول 2018، بأنّ تقليص مبيعات الأسلحة سيكون على قائمة الردود المحتملة في حال ثبت تورط الحكومة السعودية في قضية جمال خاشقجي الذي كان يعيش في فرجينيا ويكتب أعمدةً لصحيفة The Washington Post الأميركية.
وخلص المسؤولون الأتراك إلى أنّ خاشقجي قُتِل خلال زيارته القنصلية السعودية في إسطنبول منذ أسبوعين، لكن الحكومة السعودية رفضت تلك الاتهامات.
وأوضح روبيو أنّه من المهم بالنسبة للولايات المتحدة أن تمتلك السلطة الأخلاقية لانتقاد الحكام المستبدين مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس السوري بشار الأسد. وأضاف في حديثه إلى برنامج Meet the Press الذي يُذاع على شبكة NBC الأميركية: «كل هذا مُعرَّضٌ للتهديد والتقويض في حال قررنا عدم الحديث عن الأمر؛ لأن أحد حلفائنا المهمين هو من فعل ذلك».
وأضاف: «لذا، سأقول لكم هذا بكل ثقة: لو ثبتت صحة هذه الادعاءات، فسيكون هنالك ردٌ من الكونغرس. وسيكون قراراً بالإجماع تقريباً. سيحدث الأمر بسرعة، وسيصل إلى حدٍّ بعيد، يُمكن أن يشمل مبيعات الأسلحة، وربما ينطوي على أشياء أخرى بالطبع».
خاصة أن ترمب لم يُظهر مدى جديته في الالتزام بهذا الوعد
عند سؤال الصحافيين إياه، يوم السبت 13 أكتوبر/تشرين الأول 2018، عما يدور في خلده تحديداً، لم يُقدم أية أفكار، وطلب من أحد أعضاء مجلس الشيوخ الذي يزور المكتب البيضاوي أن يُدلي بدلوه بدلاً منه.
وردَّت الحكومة السعودية، بصرامةٍ، يوم الأحد 14 أكتوبر/تشرين الأول 2018، على فكرة الاستجابة الأميركية العقابية بسبب قضية جمال خاشقجي ، قائلةً إنها ستردُّ على أي تحركٍ بـ»تحركٍ أكبر» مدعومةً بقوتها الاقتصادية.
وجاء هذا التهديد ردّاً على وعدٍ قطعه الرئيس دونالد ترمب خلال مقابلةٍ مع برنامج «60 Minutes»، بفرض «عقوبةٍ قاسيةٍ» في حال ثبت تورُّط السعوديين في قتل خاشقجي.
وهو كان واضحاً عندما زار المملكة العربية السعودية في أول رحلة خارجية له كرئيس
كان المقصود من زيارة ترمب المملكة العربية السعودية في مايو/أيار 2017، أن تكون مؤشراً على أولويات سياسته الخارجية؛ إذ كان يأمل إعادة تنظيم المنطقة بإعادة بناء التحالف الأميركي مع الرياض، والذي أصابه التوتر في عهد الرئيس باراك أوباما، بالإضافة إلى تأكيد أنه سيخرج بالولايات المتحدة من مجال وعظ الأصدقاء بشأن قضاياهم الداخلية.
وقال ترمب للسعوديين في رسالةٍ سُمِعَت بأجزاءٍ أخرى من العالم: «لسنا هنا لنُخبر الناس كيف يعيشون، أو ما ينبغي لهم فعله، أو من يجب أن يكونوا، أو ما عليهم أن يعبدوا». وركَّز بدلاً من ذلك على المكاسب الاقتصادية من هذه العلاقة، متفاخراً بحصوله على 110 مليارات دولار من صفقات الأسلحة خلال الزيارة.
لكن هذا الرقم جرى تضخيمه ليكون مُضلِّلاً بنسبةٍ كبيرة؛ إذ تحتوي جعبة ترمب، بشكلٍ أساسيٍ، على مجموعة خطابات نوايا ورغبات، وليس عقوداً حقيقية. أما الصفقات الممكنة، فقد بدأت في عهد إدارة أوباما، عندما اشترى السعوديون طائراتٍ وصواريخ ومعداتٍ عسكرية بقيمة 112 مليار دولار أميركي على مدار 8 سنوات.
لكن، هل يواصل ترمب موقفه إذا لم تتحول صفقات الأسلحة إلى حقيقة؟
وبعد مرور 17 شهراً، لم تتحول صفقات أسلحة ترمب إلى حقيقة؛ إذ لم تشتر السعودية أي منصات أسلحةٍ جديدةٍ في عهد إدارة الرئيس دونالد ترمب كما أفاد بروس ريدل، المسؤول السابق بجهاز الاستخبارات المركزية السعودية والخبير في شؤون المملكة العربية السعودية بمعهد بروكينغز، والذي كان مستشاراً لإدارة أوباما فيما يتعلق بسياسة الشرق الأوسط.
وأضاف ريدل في تصريحه لإحدى الصحف، الأسبوع الماضي، أن أكبر صفقةٍ محتملة، وهي شراء منظومة الدفاع الصاروخي «ثاد» بقيمة 15 مليار دولار أميركي، تأجلت بعد تخلف السعوديين عن موعد التسليم المتفق عليه في سبتمبر/أيلول 2018، مع شركة لوكهيد مارتين.
ورغم ذلك، ظل ترمب ملتزماً، وأشار إلى الباقة باعتبارها إنجازاً واضحاً، ورفض صراحةً أي تأجيلٍ للصفقة، فضلاً عن إلغائها.
وصرَّح ترمب للصحافيين الأحد 14 أكتوبر/تشرين الأول 2018 تزامنا مع تطرقه إلى قضية جمال خاشقجي : «عملت جاهداً من أجل الحصول على هذه الصفقة للجيش. وإذا لم يشتروا هذه الأسلحة منا، فسوف يشترونها من روسيا أو من الصين أو من أي بلدٍ آخر».
فهو يخشى من أن تتحول الرياض إلى المنافسين
وترمب محقٌّ بشأن المنافسين. فمع تهرُّب المملكة العربية السعودية من صفقة «ثاد»، بدأوا المفاوضات مع روسيا لشراء منظومة الدفاع الجوي «إس-400».
لكن على نطاقٍ أوسع، سيكون من الصعب على السعودية التحول بالكامل إلى مزودي أسلحةٍ آخرين؛ إذ تعتمد القوات الجوية الملكية السعودية على الدعم الأميركي والبريطاني لأسطولها من الطائرات المقاتلة طراز «إف-15» والطائرات المروحية طراز «أباتشي» والطائرات النفاثة المقاتلة طراز «تورنادو»، كما أوضح ريدل. كما يعتمد جيشها أيضاً على القِطع والدعم الغربي.
لكن تركيز ترمب على المحصلة النهائية يُرسل رسالةً لا لبس فيها. ويقول ديفيد جاي كرامر، مساعد وزير الخارجية لشؤون حقوق الإنسان في عهد جورج بوش الابن ويعمل الآن زميلاً أوّل في جامعة فلوريدا الدولية: «يُرسل الرئيس، بعدم رغبته في إفساد صفقة الأسلحة، رسالةً للأنظمة الاستبدادية، مفادها أنه يمكنهم شراء جواز مرور للإفلات بالإجراءات القمعية والوحشية دون انتظار عواقب لذلك من الولايات المتحدة».
وقالت إليسا ماسيمينو، الرئيسة السابقة لمنظمة هيومن رايتس فيرست، إن كل رئيسٍ عليه إدارة علاقاتٍ معقدةٍ مع حلفائه والموازنة في بعض الأحيان بين المصالح المتضاربة، لكن يبدو أن ترمب لم يدرك السلطة التي تنبع من الوضوح بشأن القيم.
وأضافت: «ولا يُقلِّل نهجه التجاري قصير الأمد من شأن العاملين على التغيير الديمقراطي في بلدناهم وحسب، لكنه يسلب الولايات المتحدة أيضاً من مصدرٍ رئيسيٍّ لنفوذها فيما يتعلق بالمصالح الاستراتيجية على جميع الأصعدة».
كما أنه لا ينوي مخالفة توجهات أسلافه من الرؤساء الأميركيين
وواصل رؤساء آخرون مبيعات الأسلحة مع بلدانٍ تمتلك سجلاتٍ مُخزية فيما يتعلق بحقوق الإنسان. وفي أوقاتٍ كهذه في إشارة إلى قضية جمال خاشقجي ، حاولوا إيجاد طرقٍ للتملص من إلغاء هذه المعاملات التجارية.
فبعد إطاحة الجيش المصري بالرئيس المنتخب عام 2013، تحايل أوباما على قانونٍ يفرض وقف المساعدات العسكرية للدول التي حدث فيها انقلابٌ عسكري، برفضه إيضاح ما إذا كان الوضع في القاهرة يرقى إلى مستوى الانقلاب أم لا.
واستعاض عن ذلك بتعليقٍ مؤقتٍ ومتواضعٍ لبعض المساعدات العسكرية، مثل تأخير تسليم المقاتلات من طراز «إف-16» والصواريخ من طراز «بوينغ هاربون» والدبابات من طراز «إم 1 إيه 1 أبرامز»، قبل أن يُستأنف التسليم بعد مضي 17 شهراً.
لكن أسلاف الرئيس دونالد ترمب برروا قراراتهم مواصلة تدفُّق الأسلحة لحلفائهم المنحرفين عن جادة الصواب، بالتحذير من عواقب وقف تلك الصفقات على الأمن القومي، وليس بالتركيز على الرفاهية المالية لمقاولي السلاح. وتُعتبر مصر و المملكة العربية السعودية شريكتين مُهمّتين للولايات المتحدة بالقضايا الإقليمية، لا سيما في الحرب على الإرهاب.
وتقول تمارا كوفمان ويتس، أحد مسؤولي وزارة الخارجية في عهد أوباما والتي تعمل الآن بمعهد بروكينغز: «ما يفعله ترمب هنا هو أنه لا يزعم أن الأمن القومي الأميركي يجب أن ترجح كفته على التزاماتنا في مجال حقوق الإنسان، وهي الحجة التي سيتقبلها الكثير من الأميركيين؛ بل يزعم عوضاً عن ذلك أن المعاملات التجارية مع شركات صناعة الأسلحة الأميركية الخاصة يجب أن تكون أهم من التزاماتنا في مجال حقوق الإنسان؛ لأن هذا الإنفاق يُنتج وظائف».