مشهدان يؤكدان أن الملك سلمان يدعم نجله رغم أزمة خاشقجي.. هل تجاوز البلاط الملكي الخطر بعد جريمة القنصلية؟
بدأ العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز جولة محلية هذا الأسبوع بصحبة نجله المفضل ليبدي دعمه لولي العهد الذي اختاره رغم الأزمة التي تفجرت بسبب مقتل الصحافي جمال خاشقجي.
وامتلأت الطرقات بأعلام المملكة وصور الملك وولي عهده الأمير محمد بن سلمان لدى وصولهما في ساعة متأخرة من مساء الثلاثاء 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، إلى منطقة القصيم بوسط المملكة، حيث كان في استقبالهما كبار الشخصيات وأطفال قدموا الورود.
الرسالة التي يود الملك إرسالها من هذه التحركات
والجولة هي أحدث مساع من الملك البالغ من العمر 82 عاماً تهدف فيما يبدو إلى تعزيز سلطة الأمير محمد الذي يتولى إدارة شؤون المملكة اليومية والذي واجه انتقادات دولية على مدار الشهر المنصرم منذ مقتل خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول.
وقالت وسائل الإعلام السعودية الرسمية إن الملك وضع حجر الأساس لمشروعات جديدة ومشروعات مقررة بقيمة 1.12 مليار دولار وأمر بإطلاق سجناء معسرين في القصيم.
وقالت مضاوي الرشيد وهي أكاديمية سعودية معارضة مقيمة في لندن: «المجتمع السعودي يسود فيه التوتر والخوف والاعتقالات منذ مقتل خاشقجي. وهذه الجولة بالتالي تأتي لتؤكد لمختلف المناطق أن الملك لا يزال في موقعه وأنه لا يزال صاحب السلطة الأعلى (في المملكة)».
واتهم مسؤولون أتراك الأمير محمد بإصدار أمر قتل خاشقجي كما لمح الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى أن المسؤولية تقع في نهاية المطاف على ولي العهد كونه الحاكم الفعلي للمملكة.
وفي بادئ الأمر قدمت السعودية تفسيرات متعددة متناقضة بشأن اختفاء خاشقجي، لكنها تقر الآن بأن الكاتب في صحيفة واشنطن بوست، الذي كان مقيماً في الولايات المتحدة، قُتل خلال عملية خرجت عن مسارها. وفي الخامس والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول قطع الأمير محمد أسابيع من الصمت متعهداً بأن العدالة ستأخذ مجراها.
وتدخل الملك سلمان لحل الموقف إذ أرسل مساعداً يحظى بثقته إلى تركيا الشهر الماضي ثم عزل 5 مسؤولين كبار من الخدمة، منهم المستشار المقرب للأمير محمد.
وبعد أسابيع من ابتعاده عن الأضواء عاد الأمير الشاب إلى الساحة فقد تفقد قوات قرب الحدود مع اليمن الذي تشارك الرياض في حربه منذ 3 أعوام ونصف العام. كما ظهر في تسجيل مصور نُشر على الإنترنت يوم الإثنين مع جندي وصفه بالبطل. وخلال احتفال بإحدى الجامعات في الرياض وضع الأمير محمد حجر الأساس لمفاعل أبحاث نووية من المقرر إنشاؤه.
لكن جريج جوس خبير شؤون الخليج في جامعة (تكساس إيه. آند إم) قال إن الجولة المحلية للأمير محمد مع والده ليست دليلاً على أن الأسرة المالكة تجاوزت دائرة الخطر لكنها تشير فقط إلى أن الملك واثق من أن شيئاً لن يحدث «على الفور».
الأسرة المالكة «تحشد دفاعاتها»
ويقول دبلوماسيون إن الأسرة المالكة «تحشد دفاعاتها» لكن لا توجد بوادر على أن الملك سلمان يفكر في تصعيد أمير آخر سواء ليحل محل نجله الأمير محمد أو ليوازن السلطة معه بوصفه نائباً لولي العهد.
وقال دبلوماسي عربي كبير: «محمد بن سلمان لن يذهب إلى أي مكان. الأسرة تلتقي وستتوحد بقوة خلفه… لا سبيل للتراجع عن ذلك» بعدما مهد الملك طريق العرش لنجله بتحييد منافسيه المحتملين العام الماضي.
وأضاف الدبلوماسي أن قرار العاهل السعودي بتولي الأمير محمد مسؤولية إعادة هيكلة جهاز المخابرات يشير إلى أن ولي العهد لا يزال «من غير الممكن المساس به».
ووصل الملك سلمان والأمير محمد إلى منطقة القصيم شمالي الرياض مساء الثلاثاء حيث توجها إلى ملعب رياضي امتلأ بمقيمين هللوا مرحبين بهما كما أظهرت صور منشورة على الإنترنت للأمير عبد العزيز بن فهد مع إخوته وبناته داخل مقر سكني.
وهذه الصور هي الأولى لنجل أحد الملوك السابقين منذ احتجازه الذي لم تعترف به الحكومة قط. ولم يتضح بعد إن كان توصل إلى تسوية مع الدولة شأن باقي المحتجزين الذين جرى إطلاق سراحهم تباعاً أم أن حركته لا تزال مقيدة.
وفي مطلع هذا الأسبوع ظهر شقيق الملياردير الأمير الوليد بن طلال في صورة مع والده المريض. وكان شقيق الأمير الوليد محتجزاً منذ شهور بسبب انتقاده عبر الإنترنت لحملة مكافحة الفساد التي أمر بها الأمير محمد العام الماضي.
وفي اليوم التالي تحدث الأمير الوليد، الذي كان ضمن المحتجزين في إطار هذه الحملة إلى فوكس نيوز، مدافعاً عن الأمير محمد فيما يتعلق بأزمة مقتل خاشقجي وحملة مكافحة الفساد.
وقال: «أعتقد أنها (التحقيقات) ستظهر بنسبة 100% براءة ساحة ولي العهد السعودي».
وأضاف أنه عفا وصفح عن فترة احتجازه.
التغيير الذي أحدثه محمد بن سلمان
وولي العهد البالغ من العمر 33 عاماً في طريقه لأن يكون أول ملك سعودي من الجيل الجديد منذ 65 عاماً بعد تولي ستة إخوة للحكم من بين 45 ابناً على الأقل للملك المؤسس عبد العزيز بن سعود الذي توفي عام 1953.
لكن صعود الأمير محمد كان بمثابة تغيير في نظام الحكم المتبع منذ عقود والذي سعى خلاله الملوك المتعاقبون لنيل إجماع الأسرة المالكة ومنح المناصب الكبرى لإخوتهم وأبناء إخوتهم.
وعزز الأمير محمد سلطته بإبعاد بعض أقوى أبناء عمومته عن مواقع السلطة وإبقاء البعض منهم قيد الإقامة الجبرية فيما جرى احتجاز أمراء آخرين داخل فندق فخم لعدة شهور في إطار حملة ضد الفساد.
وبدت الأسبوع الماضي بعض المؤشرات على استعداد بعض الأمراء للعودة إلى كنف الأسرة المالكة في تعبير عن اتحادهم في أعقاب مقتل خاشقجي.
وعاد الأمير أحمد بن عبد العزيز أحد الأشقاء الصغار للملك من زيارة إلى الخارج استمرت نحو شهرين ونصف الشهر بدا خلالها منتقداً للقيادة السعودية.
ويبدو أن اثنين من أبناء إخوة الملك، كانا قد اعتقلا العام الماضي، جرى إطلاق سراحهما في الآونة الأخيرة حيث نُشرت صور لهما مع أفراد من الأسرة المالكة.