نيويورك تايمز: ماذا كسب أردوغان من قضية خاشقجي؟
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا، تقول فيه إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لم يحصل على كل ما يريد من قضية خاشقجي، إلا أن مكانته ارتفعت في العالم.
ويشير التقرير، الذي ترجمته “عربي21″، إلى أن أردوغان استخدم مقتل الصحافي جمال خاشقجي لتقويض سمعة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، من خلال تسريبات بـ”القطارة” لما حدث للصحافي في 2 تشرين الأول/ أكتوبر، عندما دخل القنصلية السعودية في اسطنبول للحصول على أوراق خاصة بالزواج.
وتستدرك الصحيفة بأن الرئيس دونالد ترامب بدا واضحا يوم الثلاثاء في موقفه، بأنه يقف وبقوة مع الأمير محمد، بشكل جعل من طموح الرئيس أردوغان تهميش ابن سلمان، وإعادة ترسيم أولويات السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة، حلما لم يتحقق.
ويجد التقرير أن “هذا لا يعني أن أردوغان خسر المعركة الجيوسياسية في أعقاب جريمة القتل البشعة في اسطنبول، فعلى أي حال، فالرئيس أردوغان في وضع أفضل مما كان عليه قبل دخول خاشقجي القنصلية، فقد حاز أردوغان، الذي انتقد بعد الانقلاب الفاشل لسجنه أكثر من 100 ألف شخص، على المكانة الدولية التي كان بحاجة إليها، واستطاع أن يتبوأ المكانة الأخلاقية العليا التي تخلى عنها الرئيس الأمريكي، وواصل ضغوطه على السعوديين”.
وتنقل الصحيفة عن الزميلة في المعهد الأوروبي للعلاقات الخارجية أصيل أيدينطاشباش، قولها: “إنه يقف مع الغالبية العظمى من الشعوب في العالم العربي”، وأضافت: “الناس غاضبون، ويشعرون أن أردوغان يقف على الجانب الصحيح”، وتابعت قائلة إن “هناك امتنانا واسعا من سكان العالم العربي لما يقف من أجله أردوغان.. هذا ما يهتم به، وهذا هو المهم له”.
ويذهب التقرير إلى أنه بعيدا عن هذا، فإن أردوغان استطاع تلطيف صورته بصفته شخصية شمولية في الغرب، واتخاذ الخطوات الضرورية لإصلاح العلاقات المتوترة مع الولايات المتحدة، مشيرا إلى أن أردوغان، الذي سرب ببطء المعلومات البشعة عن اللحظات الأخيرة لجمال خاشقجي، وجد أرضية مشتركة مع المشرعين الغاضبين من أساليب السعودية الوقحة، وقبل ذلك كان المشرعون ينتقدون تركيا بسبب تراجع المسار الديمقراطي فيها، وقرارها شراء النظام الدفاعي الصاروخي من روسيا.
وتورد الصحيفة نقلا عن الدبلوماسي التركي السابق ورئيس المركز للدراسات الاقتصادية والسياسات الخارجية في اسطنبول سنان أولغين، قوله: “المنفعة الوحيدة هي حصول أردوغان على رأسمال سياسي في واشنطن، الأمر الذي سيكون مفيدا”.
ويبين التقرير أنه حتى لو فشل أردوغان في تحقيق تحول في داخل إدارة ترامب، فإنه لن يترك قضية خاشقجي تمر دون عواقب، مشيرا إلى أن تركيا دعت الأمم المتحدة لإجراء تحقيق مستقل، فيما تواصل طلب أجوبة من السعوديين، لقصقصة جناحي ولي العهد.
وتلفت الصحيفة إلى أن الأتراك طلبوا في ذروة الأزمة من واشنطن إعادة النظر في تحالفاتها في الشرق الأوسط؛ أملا في حرف الولايات المتحدة بعيدا عن الملكيات في الخليج، مثل السعودية والإمارات، والنظام العسكري في مصر.
وينوه التقرير إلى أن تركيا واجهت السعودية في عدد من الجبهات، كانت قطر واحدة منها، لافتا إلى أن تركيا أردوغان تعارض فرض العقوبات على إيران، بشكل يضعها في مواجهة مع ولي العهد “أم بي أس”، كما يعرف أحيانا، الذي وصف تركيا بأنها جزء من “مثلث الشر”.
وتنقل الصحيفة عن أولغين، قوله إن فكرة تخلي ترامب عن “أم بي أس” كانت غير واقعية، و”سيكون هناك شعور بالخيبة في أنقرة، لكن هناك واقعية”.
ويؤكد التقرير أن تركيا توقعت موقف ترامب منذ البداية، فتقول أيدينطاشباش: “أردوغان هو سياسي ذكي وموجود (على الساحة السياسية) منذ وقت طويل.. يعرف مواقف ترامب، ويبدو أنهما يتفقان ويختلفان”.
وتفيد الصحيفة بأن هناك إشارات إلى رغبة الولايات المتحدة وتركيا في إصلاح العلاقات، رغم النبرة المعادية للولايات المتحدة التي تستخدمها الحكومة عادة، فتقول إيديطاشباش: “تلاحظ رغبة أنقرة في تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة.. هناك رغبة واضحة من جانب ترامب لإصلاح العلاقة مع تركيا، ولا يريد أردوغان تخريب هذا الأمر”.
وبحسب التقرير، فإن إطلاق سراح القس الأمريكي أندرو برونسون الشهر الماضي كان مناسبة لتخفيف حدة التوتر في العلاقات مع البيت الأبيض والكونغرس، وسمح للطرفين بالتحرك نحو القضايا التي كانت سببا في تدهور العلاقة إلى أدنى مستوياتها، مشيرا إلى أن واشنطن أظهرت أنها تقوم بالتحقيق في نشاطات ووضع رجل الدين التركي المقيم في بنسلفانيا فتح الله غولن، الذي تتهمه أنقرة بالتحريض على المحاولة الانقلابية الفاشلة وتدبيرها عام 2016.
وتشير الصحيفة إلى أن القوات الأمريكية والتركية بدأتا دوريات مشتركة في مدينة مبنج، بعد مرحلة من التصادم بسبب دعم الأمريكيين للمقاتلين الأكراد، الذين تعدهم تركيا خطرا عظيما عليها.
ويذكر التقرير أن وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو أظهر نوعا من القبول لموقف ترامب الوقوف مع السعوديين، لكنه رفض تخلي تركيا عن تحقيق العدالة لخاشقجي ومحاسبة المسؤولين عنها، وقال إن الكثير من الدول لم ترد توتير علاقتها مع السعودية، “ونحن لا نريد ذلك أيضا، ومع ذلك يجب الكشف عن الجريمة”.
وتلفت الصحيفة إلى أن وزير الخارجية التركي كان في واشنطن يوم الأربعاء؛ لعقد اجتماعات مقررة لبحث القضايا الخلافية بين البلدين، التي تشمل الغرامة المحتومة على بنك “خلق”؛ لانتهاكه العقوبات الأمريكية التي فرضتها أمريكا على إيران، بالإضافة إلى سجن تركيا مواطنين أمريكيين وموظفين أتراك بتهمة الإرهاب، التي تقول أمريكا إن لا أصل لها.
ويبين التقرير أن هناك الجبهة السورية المهمة، فغالبا ما صب أردوغان جام غضبه على دعم أمريكا قوات حماية الشعب، التي يرى فيها فرعا لحزب العمال الكردستاني، المصنف تركيا وأمريكيا جماعة إرهابية.
وتقول الصحيفة إنه نظرا لاستمرار هذه القضايا بين البلدين، فإن أردوغان لا يريد تضييع الرأسمال السياسي الذي حققه في أعقاب مقتل خاشقجي، بحسب ما يرى المراقبون، مشيرة إلى أنه يمكنه أن يبث التسجيلات التي يقول إنها تكشف عن تورط مسؤولين سعوديين كبار، إلا أن المحللين يقولون إن هذا الخيار ليس محتملا، ويظل “الخيار النووي”؛ لأنه سينهي أوراق الضغط التي يملكها كلها.
وينوه التقرير إلى أن أردوغان لم يذكر في خطاب ألقاه يوم الأربعاء في القصر الرئاسي في أنقرة قضية خاشقجي، ولا بيان ترامب، وركز على الانتخابات المحلية المقررة في آذار/ مارس المقبل، وهاجم قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الداعي للإفراج عن السياسي الكردي صلاح الدين دميرطاش، وشجب المحسن التركي عثمان كافالا، الذي طالته حملة القمع بعد الانقلاب الفاشل، وهدر غاضبا ضد تجار الجملة الذين كانوا وراء ارتفاع أسعار البندورة والبصل.
وتختم “نيويورك تايمز” تقريرها بالإشارة إلى أن أولغين يرى أن مواقف أردوغان السياسية متماشية مع سياساته، فمصاعب تركيا الاقتصادية، وتراجع العملة التركية، والتضخم العالي، تعني احتمالات عالية لخسارة حزبه العدالة والتنمية في الانتخابات المحلية القادمة.
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)