شراب أرجيفيت الأصلي لزيادة طول الأطفال

«أنا فلاح ولست طرزان».. القصة الحقيقية وراء الجزائري الذي يعيش في غابة منعزلاً عن البشر

ستايل تورك | أرخص أسعار للمنتجات التركية في العالم

على مشارف غابة «رمل السوق» الحدودية بين الجزائر وتونس، يظهر جلياً برج خشبي ارتفاعه 8 أمتار، مبنيّ على هضبة مطلة على أفق فسيح أخضر، اتخذه كمال دغمان ابن منطقة القالة بالطارف (800 كلم شرق العاصمة) بيتاً له، يقضي فيه معظم أوقاته.

وتسبب تقرير مصوَّر لإحدى القنوات الجزائرية حول الرجل في إثارة الكثير من الجدل بين الجزائريين بعدما وصف بأنه «طرزان الجزائر» الذي يعيش منعزلاً عن البشر كلهم.

واختار هذا الشخص الذي تفصله أشهر قلائل عن الستين من عمره، الاستقرار والعمل في الفلاحة بقلب الغابة، لما فيها من راحة نفسية وبعيداً عن «سوق الناس»، كما وصفه دغمان في حديثه لـ»عربي بوست».

ويُعرف كمال دغمان بين أهله وجيرانه وسكان القرية، بطيبته وحبه للخير، وتفوح منه رائحة الوطنية المطلقة رغم كل الظروف، وهو ما يعكسه العلم الجزائري المرفرف فوق بيته الخشبي.

«طرزان الجزائر»

اختارت إحدى القنوات الخاصة في الجزائر إطلاق لقب «طرزان الجزائر» على كمال دغمان، وقالت إنه اختار حياة الغابة بعيداً عن المدينة، وكشفت أنها التقت به صدفة بغابة رمل السوق بولاية الطارف.

القناة تحدثت عن ماضي دغمان، وقالت: «إنه متقاعد في الجيش، وأثرت فيه مشاهد العشرية السوداء، وهو ما جعله ينعزل ويختار حياة الوحدة بالغابة».

وصرح حينها دغمان بالقول: «أحب الطبيعة، وارتاح للعمل وحدي لأني ابن فلاح، فأنا أعيش دون صديق، فالصديق في الوقت الحالي جيبك وذراعك».

العشاء دجاج بالمحليات المعلبة والخبز

نفس القناة، أعدت تقريراً عن كمال دوغمان، ولا يزال اسم «طرزان الجزائر» مستخدماً لوصفه، وقالت إنها قضت ليلة مع هذه الشخصية المثيرة للجدل والغرابة.

لكن المتتبعين للعمل أعقبوه بتعليقات ساخرة، كون عشاء المعني كان جاهزاً، من خلال شوائه لدجاج هو في الأصل ليس برياً، كما اعتمد على مشروبات ومحليات معلبة مقتناة من المدينة، بما فيها الخبز المصنوع من السميد، وحتى الماء من قارورة متوافرة في المحلات والأسواق.

وقال أحد المعلقين: «أنا هو إذا طرزان الجزائر، فالبارحة أكلت خبزاً مصنوعاً من سميد القمح المطحون محلياً، وشربت ماء المنبع».

اقرأ أيضًا:   ما بين خسارة تونس وفوز الجزائر.. الشوالي ودراجي يثيران حماس المشاهدين وتوترهم أيضاً

«طرزان بهاتف ومعاش»

ويظهر كمال دغمان فيما نشر على قناة النهار الجزائرية بأنه يملك هاتفاً نقالاً لإحدى الشركات الرائدة عالمياً، ويستعمله وهو جالس أمام نار قام بإشعالها بغرض التدفئة، كما ورد في نفس العمل.

الصورة أثارت ردوداً وتعليقات بالجملة، تساءلت كلها إن كان طرزان الجزائر متطوراً إلى حد امتلاكه هاتفاً نقالاً، واستفسر البعض عن مكان شحنه ما دامت حياته كلها في الغابة، فيما وصفه البعض بأنه طرزان من الجيل الخامس أو السادس، وهو يسبق تكنولوجيا الاتصال في الجزائر التي تعيش جيلها الرابع.

وتساءل السواد الأعظم من المتفاعلين مع التقرير «إن كان كمال لا يملك أهلاً ولا أصدقاء، ويحب العزلة إلى هذا الحد، فأرقام من تلك المخزنة بهاتفه؟». وأجاب آخر قائلاً: «ربما يملك هاتفاً بغرض التسلية والألعاب التي يحتويها».

المائدة التي وضعها كمال أثناء التقرير «كانت تحمل طعاماً وشراباً كله قادماً من المدينة، أي بمعنى آخر فإن طرزان الجزائر لا يعيش في الغابة يقول البعض، في وقت تساءل آخرون: «هذا الشخص يتقاضى أجراً من معاش تقاعده، وبالتالي فهو يذهب إلى مركز البريد لسحب أمواله، فحياته إذاً في الغابة كما في المدينة».

«أنا فلاح ولست طرزان»

تواصلت «عربي بوست» هاتفياً مع «طرزان الجزائر»، فأخبرنا بأنه في مزرعته المتواجدة في غابة رمل السوق، ويقوم بواجباته اليومية من إطعام للماشية ورعي للأغنام والأبقار.

بدا كمال دغمون متوجساً من الإعلاميين، ففي البداية رفض الحديث معنا بحجة «أن التقرير الذي تم عرضه سبَّب له مشاكل كثيرة مع أهله وأصدقائه، لما ظهر للعالم أنه غير عادي وبعيد عن عالم البشر».

وقال دغمان لـ»عربي بوست» إنه جاءته بعض القنوات للتصوير معه فرفض، «أهلي منعوني من التصريح، اتركوني أعيش في سلام».

لكن بعد إلحاح طويل عبر أحد جيرانه، فتح قلبه وقصّ لنا حكايته من البداية، ورفض تسميته «طرزان» قائلاً: «أنا أعيش حياة عادية، خالية من المشاكل، لي أهل، وأنا أزورهم بشكل يومي في المدينة».

وأردف القول: «حقيقة أحب العزلة، والحياة في البرية، فأنا أعمل طوال النهار في مزرعتنا هنا بغابة رمل السوق، لكن ذلك لا يعني أني منعزل تماماً على العام الخارجي، فأهلي في قرية رمل السوق وأصدقائي هناك كذلك».

اقرأ أيضًا:   رئيس فيدرالية الناشرين بالمغرب: هذا مـا تريده الرباط للجزائر

دغمون يشتغل في الفلاحة منذ كان في العاشرة من عمره، رفقة والده الذي كان في حياته لا يبرح المكان، راعياً للأغنام ومهتماً برؤوس الأبقار وزرع بعض المنتوجات الموسمية.

والمبيت في الغابة أحياناً يضيف: «كان منذ الصغر، إذ نقوم بحراسة ممتلكاتنا من اللصوص والحيوانات المتوحشة كالذئاب والضباع والخنازير».

عبدالحق جار حمال دغمون يختصر في حديثه لـ»عربي بوست» بالقول: «كمال فلاح يشتغل في خدمة الأرض وتربية المواشي والأغنام، يقضي أوقاته في مزرعته في الغابة، وكثيراً ما يزور عائلته ويقضي أوقاتاً في المدينة».

متقاعد في الجيش ولا يرفض الزواج

كان كمال دغمون مساعداً لوالده في الفلاحة، وبعد وفاة والده حمل على عاتقه مهمة التكفل رفقة إخوته الأربعة بالمزرعة، حتى تسعينيات القرن الماضي، لما قرر الانضمام إلى قوات الدفاع الذاتي إبان العشرية السوداء، ومنها تقاعد ليتفرغ في الفلاحة مرة أخرى.

ويؤكد كمال أنه كان يقوم بواجبه الوطني على أكمل وجه، ولم يتأثر بما كان في العشرية السوداء، ويرفض أن يراه الآخرون كمختل عقلي أو مشرد.

ويقول في هذا الشأن: «أنا إنسان عادي وأعيش حياتي بكل فخر، ولا أقبل الإهانة أو المذلة مهما كان الوضع، أجتهد لتحقيق لقمة العيش والحفاظ على مهنة الوالد في الفلاحة».

المتحدث ورغم أنه على بعد أشهر قلائل لبلوغ العام الستين من عمره، إلا أنه لا يرفض فكرة الزواج، لكنه يشترطها ريفية فلاحة تقاسمه العيش في الوسط الجبلي والغابي.

وقال: «لم أتزوج لظروف، لكنني مستعد لابني حياتي مع من تقبل أن تعيش في هذه الظروف، وتساعدني في الفلاحة ولا ترهب الجبل والغابة».

عبدالحق من قرية رمل السوق يعتبر كمال من أطيب الناس في المنطقة، فهو مُهتم بحياته وإخوته، وعمله في المزرعة، ويؤكد لـ»عربي بوست» أن دغمان متقاعد في الجيش وغير متزوج، ورغم استقراره في الغابة بشكل كبير إلا أنه يزور أهله وجيرانه ويبيت معهم أحياناً.

اقرأ أيضًا:   صحفي فرنسي: أبعدوا الجزائريين عن تركيا إذا أردتم ألا تواجهوا قوة إسلامية كبرى

برج خشبي للحراسة والمراقبة والراحة

على ارتفاع 8 أمتار، بُني البرح الخشبي الذي يأوي كمال دغمان أثناء الراحة والقيلولة والمبيت أحياناً، ودامت فترة تشييده قرابة 6 أشهر كاملة.

وتعود فكرة تشييد البرج -كما يقول دغمان- «إلى أواخر ثمانينات القرن الماضي، لما كان عبارة عن كوخ تستعمله العائلة في الراحة والحراسة وتخزين بعض المنتوجات المحلية والمزروعة هناك».

لكنه وبعد تقاعده وتفرغه للفلاحة، قرر كمال ترقية الكوخ إلى برج خشبي على علو 8 أمتار، يطل على كل أجزاء المزرعة من الناحية الشمالية، وأرجاء كبيرة من غابة رمل السوق من الناحية الجنوبية.

البرج من شأنه، بحسب يؤكد كمال، «أن يوفر الحراسة للمواشي والأغنام وكذا بعض الخضار والفواكه المزروعة، وكذا الحماية من الحيوانات المفترسة أثناء القيلولة والمبيت، فهو مرتفع عن الأرض ويصعب تسلقه».

وفكرة تشييد البرج الخشبي وفق تصريح المتحدث دائماً «تعود إلى بعض سلسلات الرسوم المتحركة والأفلام الكارتونية، وليس تأثراً بأبراج المراقبة التابعة للجيش، كما روَّج له البعض».

محافظة الغابات لولاية الطارف هي الأخرى تستفيد من هذا البرج، من خلال مراقبة حركة الطيور ورصد الحرائق وعصابات الخشب بالغابات المحاذية.

كمال يرصد الحرائق ويسهم في إخمادها

إبراهيم العايش موظف في مديرية الغابات بولاية الطارف، يؤكد لـ»عربي بوست» أن «دغمان من الإيجابيين في المجتمع، فهو يساعد محافظة الغابات على رصد الحرائق التي تنشب بين الفينة والأخرى خاصة في الصيف، كما يقوم بالمساعدة في إخمادها».

وبسبب هذا الدور الإيجابي يضيف العايش «قررت محافظة الغابات توظيفه كشريك في لجنة مكافحة الحرائق، فكثير ما يعطينا معلومات عن اشتعال النيران في نقاط بعيدة عن مقر استقراره بالبرج الخشبي».

ويؤكد أيضاً: «كمال صديق للبيئة، يحب الاستقرار في الغابة بشكل لافت، لكنه بدا متأثراً مما نشر مؤخراً في وسائل الإعلام الجزائرية».

ويعتبر كمال مساعدة فرق الغابات والحماية المدنية جزءاً من عمله في الدفاع عن الوطن، وقال لـ»عربي بوست» إنه مستعد لتقديم الكثير في سبيل الحفاظ على البيئة والغابة وممتلكات الدولة.

 

عربي بوست

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *