كيف فضح ترامب بنفسه أمر زيارته السرية للعراق؟ أخطاء كارثية وقع فيها البيت الأبيض والرئيس حول هذه الرحلة
زيارة مفاجئة قام بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى العراق، مساء الأربعاء 26 ديسمبر/كانون الأول 2018، زعم البيت الأبيض أنها سرية، لكن سرعان ما تكشَّف أن ترامب فضح سرّ هذه الزيارة دون أن يقصد.
وقالت مجلة Politico الأميركية، إنه كان من المفترض أن تكون هذه الرحلة سرية، وخاصة، وهي رحلته الأولى لمنطقة حربٍ بصفته رئيس الولايات المتحدة، لكن لم يقدر البيت الأبيض أن يكتم سرَّ الزيارة الحساسة لوقتٍ طويل.
كيف فضح سر ترامب
فالأول الأمور التي كشفت الزيارة أن الرئيس الأميركي أوقف التغريد، بعد أن كتب ونشر أكثر من 36 تغريدة على مدار الأيام الأربعة الماضية، بحلول مساء يوم الثلاثاء، 25 ديسمبر/كانون الأول. وبحلول يوم الأربعاء لم يكن هناك أثرٌ للرئيس، وهذا دون وجود أي مناسباتٍ علنية مقرَّرة.
لم يقف جنود بحرية في زيهم الرسمي خارج الجناح الغربي، وهي العلامة الواضحة والمعروفة لوجود الرئيس في المكتب الرئاسي البيضاوي. صَمَتَ كذلك مسؤولو البيت الأبيض. وبعد وقتٍ قصير كان مراقبو الطائرات الهواة يتعقَّبون طائرة بوينغ طراز VC-25، وهي الطائرة العسكرية القائمة بدور الطائرة الرئاسية (سلاح الجو واحد)، تحلِّق فوق أوروبا.
ولم تكن تلك أوَّل مرة يتعرَّف فيها المهووسون بالطيران على علاماتٍ مُحتَمَلَة تشير لتوجُّه رئيسٍ أميركي إلى منطقة حرب، لكنَّ تعقُّب حركة طائرة ترامب لحظةً بلحظة، مقترناً باختفاء ترامب مِن على موقع تويتر، قدَّم علامةً هي الأوضح حتى الآن بأنَّه أخيراً يقوم الآن بهذه الزيارة.
والتزمت الإدارات الأميركية السابقة باتخاذ إجراءاتٍ قصوى للإبقاء على سرية الرحلات الرئاسية لمناطق الحروب، خشية التعرُّض لمخاطر أمنية جمّة إذا ما انكشف أمرها للعلن. يتحتَّم على الصحافيين المسافرين بصحبة الرئيس في تلك الرحلات الموافقة على حظرٍ صارم، يمنعهم من التقرير عمَّا يحدث، حتى يكون الرئيس في مأمن. وعادةً ما يجري التكتُّم على هذه الرحلات لدرجة ألَّا يُسمَح للمراسل سوى بإخبار زوجته ومحرر واحد بأنَّه ذاهب لمنطقة حرب، حيث يضطرون أحياناً للاعتماد على هواتف تعمل بالأقمار الصناعية لنقل الأنباء إلى واشنطن.
انتهاء عصر السفر السري
وبحسب المجلة الأميركية، فإن عصر الترحال الرئاسي السري يؤول سريعاً لنهايته، فيما ينشر هواة تعقُّب الرحلات الجوية أخبار المركبات الجوية العسكرية مجهولة الهوية، قاطعةً الكرة الأرضية ذهاباً وإياباً لحظةً بلحظة على موقع تويتر.
وبينما مَنَعَ البيت الأبيض الوكالات الإخبارية الكبرى من نشر أيِّ أخبارٍ عن الرحلة قبل إدلاء البيت الأبيض ببيانٍ رسمي، لم يقدر هذا على إيقاف التكهُّنات المتفشية عبر الإنترنت.
وكان مجتمع المهووسين بتعقُّب الرحلات الجوية هو أول من أورد الخبر، بأنَّ ترامب يبدو كما لو كان أقلع مغادراً قاعدة أندروز العسكرية، قرابة منتصف ليل عيد الميلاد، على متن طائرة بوينغ VC-35A، وهو طرازٌ مُعدَّل من طائرات بوينغ طراز 747، وتقوم بدور طائرة الرئاسة. لم تستخدم الطائرة رمز نداء سلاح الجو واحد التقليدي، بل عُرِّفت برمز RCH358. عادةً ما تستخدم طائرات الشحن العسكري رمز النداء الملقَّب باسم «Reach».
وتعرَّف مراقب طائرات مقيم بالمملكة المتحدة على الطائرة الشهيرة من طراز 747، صباح يوم الأربعاء 26 ديسمبر/كانون الأول، والتقط لها صورة. أعاد حساب CivMilAir، وهو حسابٌ بموقع تويتر يتعقَّب الطائرات العسكرية، تغريد الصورة، مثيراً بذلك عاصفةً من التكهُّنات بين مراقبي الطائرات حول العالم، بحسب المجلة الأميركية.
ما عقَّد الجهود المحيطة بالزيارة أيضاً هو رئيسٌ يبدو غير قادر على كتمان أيِّ سرٍ هو الآخر. وقد أذاع ترامب احتمال زيارةٍ مقبلة لمنطقة حرب على مدار الأسابيع الماضية، علناً وعلى انفراد.
وردَّ ترامب بحدَّةٍ على مراسلٍ صحافي، الشهر الفائت، نوفمبر/تشرين الثاني، عندما سُئِل ما إن كان يخشى القيام برحلةٍ كتلك: «لا، أنا ذاهبٌ لمنطقة حرب». وأخبر ترامب صحيفة The Washington Post الأميركية في مقابلةٍ صحافية تعود لشهر نوفمبر/تشرين الثاني، أنَّه سيقوم بهذه الرحلة «في التوقيت المناسب»، وربما يكون هذا قبل عيد الميلاد.
ووفقاً لمسؤولٍ بالبيت الأبيض، فإنَّ إدارة ترامب قد خطَّطَت للزيارة لأكثر من ستة أسابيع.
ترامب محبط من تسرُّب الخبر
وفي مقابلةٍ مع الصحافيين المنضمين له في رحلته إلى العراق، عبَّر الرئيس الأميركي عن إحباطه من السرية المحيطة بالزيارة، مضيفاً أنَّ رحلاتٍ خُطِّط لها من قبل قد أُحبِطَت، لأنَّ خبر حدوثها كان قد سُرِّب.
وعندما سُئِل ما إن كانت لديه مخاوف تجاه الزيارة، قال ترامب: «بالطبع. عندما سمعت عمَّا اضطررتم أنتم لتحمُّله في سبيلها».
وأضاف: «انتابتني مخاوف تعلَّقَت بمؤسسة الرئاسة، وليس خوفاً على شخصي، يمكنني القول إنَّني كنتُ قلقاً على السيدة الأولى».
وبعدها وَصَف ترامب الاحتياطات الأمنية التي تتَّخذها الطائرة الرئاسية عند هبوطها في منطقة حرب.
وقال: «لو أمكنكم رؤية ما اضطررنا للمرور به في الطائرة المُعتَّمة والموصدة نوافذها دون نورٍ في أيِّ مكان».
وأبقى احتمال قيام ترامب بزيارةٍ فجائية للعراق أو أفغانستان مسؤولي الصحافة بالبيت الأبيض في حالة تأهُّبٍ لأسابيع عدة. وفي مرحلةٍ ما، تناقلت الشائعاتٍ بأنَّ ترامب قد تخلَّص من الصحافيين وذهب إلى منطقة حربٍ، فيما كان يزعم أنَّه يلعب الغولف في ناديه «مارالاغو» بعطلة عيد الشكر. وورد همسٌ بأنَّ الرئيس حوَّل مساره ليذهب في رحلةٍ سرية إلى العراق أو أفغانستان أثناء عودته من قمة العشرين التي عُقِدَت في الأرجنتين. واتَّضح أنَّ كلتا الشائعتين خاطئتان، كما تقول المجلة الأميركية.
وبرغم كلِّ الشائعات، جرى التكتُّم على تفاصيل زيارة ترامب إلى العراق.
ووفقاً لأحد مساعدي الجناح الغربي (أي مكتب الرئيس)، فإنَّ الزيارة لم تُدرَج على سجل الرحلات الرسمي بالبيت الأبيض، لكن بحلول عصر يوم الأربعاء، نما إلى علمهم أنَّ الرئيس في طريقه إلى وجهةٍ غير مُحدَّدة، وأنَّه لن يعود إلى واشنطن حتى يوم الجمعة 28 ديسمبر/كانون الأول.
جرت الزيارة المفاجئة في اليوم الخامس من إغلاق الحكومة الأميركية، فيما توقَّفت عدة وكالات فيدرالية عن العمل، ولم تبدر من الرئيس ولا من أعضاء الكونغرس الديمقراطيين أيُّ علامةٍ على قرب توصُّلهم لاتفاقٍ لإعادة تشغيل الحكومة عندما بدأت الأزمة.
ولأعوامٍ تصدَّى مُخطِّطو الزيارات الرئاسية لتسريب أنباء تحرُّكات الرئيس الخارجية.
أوباما ضلَّل المراسلين قبل ذلك عندما فكَّر في زيارة أفغانستان
وقبل قيام الرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما برحلةٍ مفاجئة إلى أفغانستان عام 2012، حدث حقيقةً أن أصدر البيت الأبيض جدولاً مزيفاً تملأه اجتماعاتٌ بالجناح الغربي لتضليل المراسلين. لكنَّ هذا لم يمنع محطةً إخبارية أفغانية من نشر خبر وصول أوباما إلى كابول، ما دفع بعض وكالات الأنباء الأميركية سريعاً لكتابة تقارير عن الزيارة. صدحت لوحةٌ إخبارية بموقع The Drudge Report الأميركي سائلة: «أين أوباما؟».
سرعان ما حاول البيت الأبيض والسفارة الأميركية في أفغانستان القضاء على تقارير رحلة الرئيس، منكرين أن يكون أوباما في أفغانستان. أخيراً وافقت المؤسسات الإخبارية الأميركية التي نقلت الأنباء القادمة من أفغانستان على سحب المقالات المنشورة، حتى يعلن البيت الأبيض عن الزيارة رسمياً.
كان بِن سميث، رئيس تحرير موقع Buzzfeed الأميركي، والذي كان قد أعاد تغريد شائعات الزيارة، قد وافق على نشر إنكارٍ أصدره البيت الأبيض عبر موقع تويتر.
وفسَّر سميث فيما بعد: «مثلنا مثل أغلب المؤسسات الإخبارية، سوف نمتثل كالمعتاد لحكم البيت الأبيض بشأن المخاطر الأمنية الحقيقية. وفي هذه الحالة، فإنَّه لم تكن لدينا أية تقارير أصلية عن الأمر، ولم يكن الوقت يبدو مناسباً لإثارة جدالٍ مُجرَّد عن النظام الإعلامي المعاصر، مع أنّني أظن أنَّ عدم التطرُّق لهذه الأمور يزداد صعوبة».
ونظراً للانكشاف السريع لحقيقة رحلة ترامب إلى العراق، يوم الأربعاء، فإنَّ تعليقات سميث تلك تبدو الآن كما لو كانت توقُّعاتٍ تنبؤية.
عربي بوست