لحظات صدام الأخيرة.. هكذا ودّعه الحراس الأمريكيون
نشرت شبكة “بي بي سي” البريطانية، مقتطفات مما جاء في كتاب الضابط في الجيش الأمريكي، ويل باردنويربر، الذي يحمل عنوان “صدام حسين وحراسه الأمريكيون، سجين قصره”، كشف فيه تفاصيل حياة الرئيس العراقي الراحل في السجن، واللحظات التي سبقت إعدامه.
وقال باردنويربر إنه “خلال صيف عام 2006 لم تكن الوحدة 515 التابعة للشرطة العسكرية الأمريكية في العراق تقوم بمهام تذكر سوى حراسة أحد المستشفيات في المنطقة الخضراء أو مرافقة بعض القوافل من حين إلى آخر، لكن الأمور اتخذت منحى آخر تماما بنهاية العام، وباتت الوحدة مكلفة بحراسة معتقل مهم جدا، لم يكن سوى الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين”.
وأضاف: “حدق أحد عناصر الحراسة في وجه صدام حسين بتمعن بينما كان الأخير يغط في نوم عميق عندما شاهده لأول مرة وجها لوجه، رغم أنه يعرفه تماما بسبب العدد اللامتناهي من الأخبار التي تناولته وصوره على صفحات المجلات والصحف”.
ولفت باردنويربر إلى أنه “خلال تلك الفترة كانت تجري محاكمة صدام أمام محكمة عراقية أنشأتها الولايات المتحدة الأمريكية وكان يتم نقله من المعتقل والذي كان داخل قصر له على ضفاف نهر دجلة، إلى مقر المحكمة وكانت الوحدة 515 مسؤولة عن ذلك والحفاظ على حياته وضمان سلامته”.
وأوضح أن “عناصر الحماية أطلقوا على أنفسهم مجموعة (سوبر 12) وكانت مهمتهم السهر على راحة (رمز محور الشر) حسب تصنيف الولايات المتحدة وقتذاك، وكانت واشنطن حريصة جدا على الحفاظ على حياته وضمان محاكمته لأن ذلك سيظهرها حريصة على تطبيق العدالة وليس الانتقام”.
“بدء الصداقة”
وبخصوص الأيام الأولى لصدام في زنزانته، قال باردنويربر: “لم تكن هناك جلسات محاكمة في الأيام الأولى، فكان الوقت يمضي بطيئا مملا، إذ لم يكن الكثير من الأشياء التي يمكن القيام بها، ومع مرور الوقت نشأت بعض الألفة بين الحراس وصدام الذي لم تكن تبدو عليه علامات الشر، حسب قول أحد الحراس. وتطورت العلاقة بين بعض الحراس وصدام إلى نوع من الصداقة خلال فترة قصيرة”.
استغرب الحراس رضا صدام عن ظروف اعتقاله في زنزانة صغيرة بدلا من قصوره الفارهة العديدة. كان يستمتع كثيرا بالجلوس على كرسي صغير خارج الزنزانة وأمامه مائدة صغيرة عليها علم عراقي صغير، يكتب عليها ويدخن سيجار كوهيبا الكوبي الفاخر الذي كان حريصا على تخزينه في علب خاصة للحفاظ على رطوبة السيجار.
“القفز من أسوار السجن”
وتطرق الضابط الأمريكي إلى اهتمام صدام الكثير بطعامه، حيث يتناول فطوره على مراحل، في البداية يتناول “العجة” وبعدها قطعة حلوى وفي الأخير الفاكهة. كان يرفض تناول “العجة” إذا لم تعجبه.
وبحسب قوله، فإنه كان يستمع إلى الراديو ويتوقف عن البحث عن محطة راديو أخرى لدى سماعه المطربة الأمريكية ماري بليج. كما أنه كان يحب ركوب الدراجة الهوائية التي كان يسميها “المهرة” وكان يمازح الحراس ويقول إنه غزال يقوي سيقانه عبر ممارسة الرياضة كي يتمكن لاحقا من “القفز فوق أسوار السجن”.
وضحك صدام عندما سمع الحراس يقولون إن زميلا لهم يشبه شخصية دراكولا في مسلسل الرسوم المتحركة “افتح يا سمسم”. وكان يبدي اهتماما بالحياة الخاصة للحراس ويسألهم عن أفراد أسرهم إلى درجة أنه كتب قصيدة لزوجة أحدهم.
وذكر أن العديد من الحراس كانوا متزوجين ولديهم أطفال فكان يتبادل الأحاديث معهم عن المشاكل التي يواجهها الآباء مع الأبناء وبعض الحوادث الطريفة التي عايشها.
معاقبة عدي
وخلال مجالسته مع الحراس، تحدث صدام عن قيام ابنه عدي بإطلاق النار على رواد أحد النوادي الليلية في بغداد فقتل وأصاب العشرات وهو ما أثار غضبه، ونقل الحراس عنه قوله: كنت غاضبا جدا أضرمت النار بكل سياراته”. وأضاف صدام: “وقفت أستمتع بالنظر إلى النيران وهي تأتي على سيارات عدي”.
ويعرف عن عدي النجل الأكبر للرئيس العراقي الراجل، أنه كان يمتلك العديد من السيارات الفارهة مثل “رولز رويس وفيراري وبورش وغيرها”.
ونقل مؤلف الكتاب، عن حارس آخر قوله إن “صدام كان يتمتع بأفضل ما يمكن أن يحصل عليه سجين وكنت على قناعة بأنه لو استطاع أنصاره الوصول إليه من أجل تحريره فإنه ما كان ليلحق بنا الأذى فقد كنا على علاقة جيدة معه”.
وبيّن أن صدام كان خلال جلسات المحاكمة شخصية أخرى، وكان غير معني بالدفاع عن نفسه، بل كان يتحدث وكأنه يوجه كلامه لمن سيكتب التاريخ لاحقا ويلقي الضوء على الإرث الذي تركه.
وبحسب قوله، فإن نتيجة المحاكمة كانت شبه محسومة والكل كان على يقين تقريبا بأنه يواجه الموت. لكن عندما كان يعود من جلسات المحاكمة كان يعود إلى شخصيته المعهودة ويتصرف كأنه بمثابة جد للحراس.
“أقسى اللحظات”
وعن قرب تنفيذ حكم الإعدام، قال الضابط الأمريكي، إنه مهما كانت المشاكل والتحديات التي واجهها الحراس الاثنا عشر أثناء حراسة صدام “فإن اللحظة الأقسى كانت في نهاية مهمتهم”.
وأردف: “الإحساس بأنك لعبت دورا في موت شخص تعرفت عليه وعايشته لفترة أشد وطأة من إطلاق النار على شخص لا تعرفه من مسافة بعيدة، لا أقول إن إطلاق النار على شخص أمر سهل لكنه حتما يختلف عن معايشة شخص على مدار الساعة مثل هؤلاء الحراس وفي النهاية تسلمه إلى الآخرين كي يقتلوه”.
ولفت باردنويربر إلى أن “اللحظات الأخيرة لمرافقة الحراس الأمريكيين لصدام يوم تنفيذ حكم الإعدام فيه، عانق صدام الحراس الذين سلموه إلى القائمين على تنفيذ حكم الإعدام. في النهاية هذا شأن عراقي داخلي. لم ير الحراس عملية الإعدام لكنهم شاهدوا الظلال وصرير فتح الباب الذي كان يقف عليه صدام وسقوطه وطقطقة خلع رقبته”.
وفي مقابلة بداية عام 2018 مع أصغر الحراس عمرا الجندي آدم روجرسون، وكان في الثانية والعشرين من العمر، تحدث عن اللحظات الأخيرة التي سبقت عملية الإعدام وقال: “كان يوما حزينا. بعد توقف الضجيج والصخب عرفنا أننا في المنطقة المحصنة الآمنة وأنه لن يأتي أحد لأخذ صدام”.
وواصل: “قبل أن يسير صدام إلى غرفة الإعدام توجه إلينا وودعنا”. وقال: “كنتم جميعا بمثابة أصدقاء. بكى بعض الحراس أما هو فقد كان حزينا. كانت لحظات غريبة، تعاركت مع الآخرين ونجوت من العبوات الناسفة، لكن لم أكن مهيأً لمواجهة وضع كهذا”.
واختتم روجرسون حديثه قائلا: “بعد دخوله سمعنا بعض الضجيج وتلاه صراخ بعدها سمعنا صوت سقوط شيء على الأرض. بعدها شاهدته محمولا على الأكتاف. كما قام البعض بالبصق عليه وركله وسمعنا صوت إطلاق نار. كانت لحظات مشحونة للغاية. كانت مهمتنا حماية شخص وجرى تدريبنا على ذلك وبعدها تقوم بتسليم الشخص الذي كنت تحميه كي يقتله الآخرون ويتعرض للركل ويبصق عليه بعد موته. شعرت بالاحترام نحوه بعد موته”.
ومرت يوم أمس 30 كانون الأول/ ديسمبر، الذكرى الـ12 لإعدام رئيس النظام العراقي السابق صدام حسين، حيث توافق يوم تنفيذ الحكم مع أول أيام عيد الأضحى عام 2006.