فايننشال تايمز: لماذا يرتفع الطلب على جواز السفر التركي؟
صحيفة فايننشال تايمز البريطانية – ترجمة وتحرير ترك برس
بعد أن حُرم من الحصول على تأشيرة لرؤية ابنته الحامل في أوروبا ووالده الذي كان يحتضر في الخليج، أدرك جمال مدى حاجته للحصول على جنسية جديدة. وقال الجراح السابق اليمني، الذي تحفظ عن ذكر لقب عائلته، إن موظفي السفارة المسؤولين عن التأشيرات لم يقوموا حتى بفتح جواز سفره، إذ أنهم بمجرد علمهم أن الجواز يمني رفضوا مطلبه.
بعد أن هرب إلى تركيا من بلده الأم الذي مزقته الحرب، أصبح جمال الآن واحدا من بين مئات الأشخاص الذين يتقدمون بطلب الحصول على الجنسية التركية بعد أن خفضت أنقرة تكلفتها بشكل كبير في محاولة منها لتعزيز اقتصادها الذي يتعافى من الانهيار الذي شهدته الليرة السنة الماضية.
بعد شرائه شقتين في إسطنبول بقيمة إجمالية تزيد عن مبلغ 250 ألف دولار، استوفى جمال الآن شروط برنامج “الجنسية مقابل الاستثمار”. ويأمل جمال في الحصول على جواز سفره التركي ذو اللون الأحمر الداكن بحلول الصيف. وأضاف جمال قائلا: “إن الجنسية التركية ستفتح الباب أمامي”. ووفقا لبعض الوكلاء الأتراك، ارتفعت الطلبات على الجنسية خاصة من بلدان الشرق الأوسط خلال الأشهر الأربعة التي أعقبت التسهيلات التي أقرتها تركيا.
يأتي قرار تركيا بتخفيف الشروط المتعلقة بالحصول على تأشيرة، في وقت يتزايد فيه التدقيق العالمي على برامج “جواز السفر الذهبي”. ووفقا لمنظمة الشاهد الدولية ومنظمة الشفافية الدولية، جلبت برامج بيع الجنسية أو الإقامة استثمارات تقدر بحوالي 25 مليار يورو إلى دول الاتحاد الأوروبي على مدى السنوات العشر الماضية.
لكن يؤكد ناقدون أن هذه البرامج تسهل من عمليات التهرب الضريبي وغسيل الأموال والاحتيال. ومن جهتها، حثت بروكسل هذا الشهر الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي تقدم مثل هذه البرامج، بما في ذلك قبرص ومالطا وبلغاريا، على اتخاذ إجراءات أكثر صرامة لضمان عدم إساءة استخدامها.
ووفقا للحكومة التركية، تقدم أكثر من 200 شخص بطلبات للحصول على جوازات سفر تركية خلال الأسابيع الخمسة الأولى التي تلت تفعيل هذه الإجراءات الجديدة. ولم تقم الحكومة التركية بنشر أرقام حديثة، لكن الوكلاء الذين يعملون كوسطاء يقولون إن الإقبال على شراء هذه التأشيرات كان كبيرا.
حيال هذا الشأن، قال عبد القيوم حميدي، من شركة رويال ريليست للاستشارات العقارية والاستثمارية، إن “هناك الكثير من الاهتمام بهذا البرنامج”، مؤكدا أن “شركته تقدم 20 طلبا أسبوعيا”.
من جهته، قال نائب وزير المالية نور الدين النباتي إن “جهاز الأمن التركي يقوم بعمليات تدقيق لأولئك الذين يتقدمون بطلب الحصول على الجنسية. ويجب أن يكون المتقدمون بالطلبات أشخاصا محترمين”. لكن الخبراء يحذرون من صعوبة تعقب المصدر الحقيقي للأموال الواردة، حيث أكد أحد الوكلاء أن العديد من موكليه يأتون إلى إسطنبول بحقائب مليئة بالنقود.
لقد اتبعت معظم الدول الأوروبية برنامج الجنسية مدفوعة الثمن استجابة للأزمة المالية العالمية لسنة 2008. وفي حديثها عن هذا البرنامج، قالت لور بريلود من منظمة الشفافية الدولية إن “عددا من البلدان اعتبرته بمثابة حل سريع”. وقد أطلق هذا البرنامج لأول مرة في أعقاب محاولة الانقلاب العنيف التي وقعت سنة 2016 وتسببت في صدمة للاقتصاد. وقد أصبح سعر برنامج الجنسية التركية أرخص بعد المشاكل المالية التي شهدتها البلاد السنة الماضية.
بموجب القوانين الجديدة، يمكن للشخص الذي يرغب في أن يحصل على الجنسية التركية أن يصبح مؤهلا لذلك من خلال استثمار مبلغ 500 ألف دولار في رأس مال ثابت أو إيداع نفس المبلغ في البنك، بعد أن كانت قيمة المبلغ المطلوب ثلاثة ملايين دولار. كما تم تخفيض الحد الأدنى من قيمة الاستثمار العقاري من مليون دولار إلى 250 ألف دولار، وهي خطوة يُنظر إليها على أنها محاولة للمساعدة في تعزيز قطاع البناء المتعثر.
فبعد أن كان قطاع البناء بمثابة محرك النمو الاقتصادي المرتفع، تراجع نمو هذا القطاع بنسبة 5.3 بالمائة خلال الربع الثالث من السنة الماضية مقارنة بالسنة التي سبقتها. وفي هذا السياق، قال كاميرون ديغجين، مؤسس شركة عقارات تركيا التي ساعدت 30 شخصا على التقدم بمطالب للحصول على الجنسية منذ شهر أيلول/ سبتمبر، إن “الحكومة التركية تحاول بذل كل ما في وسعها لدعم سوق العقارات”.
يؤكد الوكلاء أن هذا البرنامج أثبت أنه الأكثر شعبية عند الأشخاص الأثرياء من الدول العربية وفي كل من أفغانستان وإيران وباكستان. وقد ذكر عبدالله الحماد، من شركة امتلاك العقارية، أن عملاءه في الشرق الأوسط يفضلون تركيا على أوروبا بسبب التشابه الثقافي مع وطنهم. وأضاف الحماد: “نحن نتشارك نفس الدين وطعامنا متشابه. وإذا ذهبت إلى أوروبا، ستشعر بالقلق عند تناول الطعام في الخارج، وتتساءل عما إذا كان اللحم المستخدم لحم خنزير أم لحم بقر، وهل هو حلال أم لا؟”.
يعكس اهتمام المشترين القادمين من دول الشرق الأوسط نمطا أوسع نطاقا في عهد رجب طيب أردوغان، الذي توجّهت تركيا في عهده أكثر للعالم الإسلامي. وقد ارتفع عدد السياح القادمين من دول الخليج خلال السنوات الأخيرة. ويمثل العراقيون والإيرانيون والسعوديون النسبة الأكبر من المشترين الأجانب للعقارات التركية سنة 2018. ويقول هؤلاء القادمون من الخليج أو شمال أفريقيا إن تركيا بالنسبة لهم تمثل أرضية وسطية.
في هذا السياق، قالت مواطنة ليبية، قررت مؤخرا الانتقال من إيطاليا والعيش في تركيا: “أنا أريد العيش في بلد أستطيع فيه سماع الآذان ولا أجبر فيه على ارتداء الحجاب”. وقد اشترت هذه المرأة الليبية المطلقة البالغة من العمر 35 سنة، التي طلبت عدم الكشف عن اسمها، ثلاث شقق حديثة في ضاحية راقية في إسطنبول وتنتظر الحصول على جواز سفر تركي لها ولابنتها الصغيرة.
وأوضحت هذه المواطنة الليبية أن الطبيعة السهلة للمعاملات في برنامج الجنسية التركي قد منحتها شعورا بالكرامة الأمر الذي يتناقض مع تجربتها في أوروبا، حيث قالت: “أشعر أن الحكومة التركية تقدم هذه الطريقة لمساعدتي ومساعدة الاقتصاد. وبفضل هذه الخطوة يكون الجميع فائزين”.