شراب أرجيفيت الأصلي لزيادة طول الأطفال

شعب أبدع في التظاهر.. في المليونية السلمية بالجزائر هكذا حاول البلطجية خدشها لكن دون جدوى

ستايل تورك | أرخص أسعار للمنتجات التركية في العالم

«هل نبالغ إذا قلنا إنها مليونية؟».. «لا أبداً، لأنها كذلك فعلاً»، بهذه العبارة، أجاب غيلاس، وهو يُطبق يديه على قارورة الماء الصغيرة، التي كانت زاده طوال ساعات السير وسط ساحات وشوارع الجزائر العاصمة، في المكان الذي شارك رفقة عمه جنباً إلى جنب، في مسيرة رفض ترشُّح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة رئاسية خامسة.

وخرج مئات الآلاف من الجزائريين، في ولاية الوطن كافة، للتظاهر للجمعة الثانية توالياً، في مسيرات تاريخية، ضد رغبة بوتفليقة في الاستمرار بالحكم، وهو الذي أنهكه المرض ولم يخاطبهم منذ 2012.

وتخللت مسيرات الأول من مارس/ آذار 2019، أعمال عنف معزولة بمحيط قصر رئاسة الجمهورية، أسفرت عن سقوط جرحى من المواطنين والشرطة، كما تم تأكيد وفاة مواطن ستيني بسكتة قلبية جراء التدافع.

مسيرة رفض ترشُّح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة

في مسجد الشيخ البشير الإبراهيمي بشارع الشهداء في بلدية المرادية، الذي اكتظ عن آخره بالمصلين، بدا الإمام بالغ التأثر وهو يرفع أكف الدعاء ويردد: «اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا»، بعد خطبة مليئة بشواهد ومواعظ الحفاظ على الوطن وسلامته، من أخطاء وأطماع كل شخص وكل جماعة.

هذا المسجد لا يبعد سوى أمتار عن مقر رئاسة الجمهورية وأقل من كيلومتر واحد عن ساحة أول ماي، وهو ما جعله نقطة لقاء أولية لعشرات المواطنين لأداء صلاة الجمعة والنزول مباشرة إلى ميدان المسيرة التي دُعي إليها على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.

سلمية.. سلمية

انقضت الصلاة وبدأ اليوم الموعود، وكلما اقتربنا من الساحة الشهيرة التي تؤرخ للكادحين، ازداد أعداد المتوجهين إلى المكان ذاته والغرض نفسه، بالعشرات فالمئات.. أطفال، وشباب، وكهول، وشيوخ، وعائلات بأكملها، دفعهم الطوق الأمني لعناصر الشرطة إلى الالتفاف حول الحديقة الجديدة المقابِلة لمستشفى مصطفى باشا الجامعي، ومنها إلى وسط المدينة، عبر شارع حسيبة بن بوعلي.

في هذا الأثناء، كنا نُجري اتصالات بولايات أخرى، لنطرح السؤال التالي: «هل هناك مظاهرات؟»، لتأتي الإجابة: «بدأت للتو، ويبدو أنها ستكون كبيرة جداً». وأمامنا كانت تصدح أصوات متظاهرين بشعار «سلمية.. سلمية»، وتحت الزغاريد دوت عبارة «جيبو البياري وزيدو الصاعقة مكاش (لن تكون) الخامسة يا بوتفليقة»، (البياري والصاعقة، نخبة من القوات الخاصة للشرطة والدرك).

سيول بشرية، والشعب في حماية الشرطة

أحد الرافضون للعهدة الخامسة/ رويترز

الأعداد الغفيرة التي انطلقت من ساحة أول ماي، باتجاه البريد المركزي، عبر شارع حسيبة بن بوعلي، كانت عبارة عن «سيول حقيقية»، إذ ملأت الطرقات والأرصفة، غالبيتهم موشَّحة بالإعلام، وكلها تهتف بصوت واحد: «لا للخامسة».

ونال الوزير الأول، أحمد أويحيى، القسط الأكبر من هتافات المتظاهرين، بعدما صرح الخميس 28 فبراير/شباط 2019، في البرلمان، بأن «بداية المسيرات بالورد لا تعني ضمان السلمية، فقد بدأت في سوريا بالورد وانتهت بالدم»، على حد تعبيره.

اقرأ أيضًا:   الشعب الجزائري "البطل" ينتصر.. جزائريون يحتفلون عقب تقديم بوتفليقة استقالته

وصرخ المتظاهرون: «أويحيى ارحل»، و»أويحيى إحنا الجزاير ماشي (لسنا) سورية»، وقال أحد المشاركين في المسيرة، لـ «عربي بوست»: «انظر إلى هذا الشعب المتحضر، لن يعود أبداً إلى الوراء، تجربة التسعينيات لن تتكرر أبداً».

عند نهاية الشارع، اصطفت قوات الشرطة في جدار أمني، فاتحةً منافذ جانبية صغيرة لمرور المحتجين، ولتفادي تدافع محتمل معها أو احتكاك، قام مواطنون بتشكيل جدار أمامي، وعملوا على توجيه الناس إلى المنافذ الجانبية، ليعلق متظاهر «الشعب في حماية الشرطة.. هذه لن تجدها إلا في الجزائر».

عائلات كاملة تتظاهر

وصلنا إلى ساحة البريد المركزي، في حدود الساعة الثالثة بعد الزوال، الجو هنا أقرب إلى مهرجان شعبي منه إلى مسيرة سياسية.

في مدرج البريد المركزي الذي حُوِّل إلى متحف، تمركز العشرات مرددين بصوت واحد بعض الأغاني والشعارات السياسية كالنشيد الوطني.. «من جبالنا طلع صوت الأحرار»، «جمهورية ماشي (ليست) مملكة».

وفي باحته تجمعت عائلات بأكلمها، كهذا الأب الذي حمل ابنه الصغير الذي لا يتعدى السنوات الثلاث فوق رأسه، رافعاً لافتة «لا للخامسة»، مؤكداً لنا ونحن نأخذ صورة لهما: «كلنا ضد هذه العهدة، وضد الحكام الذي يأبون الرحيل».

وعلى أمتار منها، تُخاطبنا امرأة، جاءت مع ابنها وابنتها، قائلةً: «جئنا لنساند أبناءنا، يموتون هنا في الميدان ولا يموتون في البحر يأكلهم الحوت».

لهذه الأسباب نزلنا

 

سألنا غيلاس (شاب): «كيف وصلت إلى هنا»، فقال: «جئت رفقة عمي، من بلدية الأبيار سيراً على الأقدام.. نحن نتظاهر عائلياً (يضحك)»، ليقصَّ علينا ما رأته عيناه وما سمعته أذناه بساحة أودان قرب الجامعة المركزية، قائلاً: «كنت أمشي وبجانبي شخص يتحدث في الهاتف، ثم فجأة صرخ: انتظر انتظر.. إنها أمي هنا أمامي».

وتابع: «طلب من أمه: ماذا تفعلين هنا؟ فقالت: لن أترككم وحدكم تفعلون ما تشاؤون».

واتضح أن حضور الأبناء والأمهات إلى جانب أبنائهم الشباب في مسيرات الرفض للعهدة الخامسة، جاء بنتيجة في غاية الإيجابية، إذ جعل الأجواء عائلية، ونقية خالية حتى من الانحرافات اللفظية، وحوَّل الحراك إلى مهرجان شعبي، والأهم من ذلك كله «تأطير تصرفات الشباب».

وحيال هذه النقطة، كشف لنا شيخ كان يحمل علماً بيده ويصرخ ضد الوزير الأول أحمد أويحيى، قائلاً إنه جاء «للتظاهر ضد العصبة الحاكمة، ومنع الشباب من القيام بانحرافات»، مضيفاً: «هُم أبناؤنا ولن ندعهم يخرجون عن الطريق»، طريق السلمية يقصد.

إبداع في التظاهر

عند الوقف والالتفاف 360 درجة، لا يُرى من العاصمة الجزائرية غير شرفاتها الموشحة بالأعلام وبعض المواطنين الذين يراقبون الجحافل البشرية تحتهم وهي تتحرك كسيول في اتجاه واحد، (تجاه شارع ديدوش مراد، تجاه شارع باستور، تجاه شارع العربي بن مهيدي)، والأغلبية كانت تريد التوجه نحو أعالي المدينة باتجاه قصر الجمهورية.

اقرأ أيضًا:   رئيس وزراء الجزائر: نور الولاية الخامسة لبوتفليقة بدأ يظهر

وفي لحظة من اللحظات، ارتفع صوت متظاهرين تحت شقة وسط المدينة، وبدأت رائحة الغاز المسيل للدموع تنبعث، والذي حدث هو أن المرشح للرئاسيات المثير للجدل رشيد نكاز، قفز من مقر مداومته الانتخابية، (الطابق الاول) وسط المحتجين، بعدما كان تحت الإقامة الجبرية التي فرضها عليها عناصر الشرطة.

وفي لحظة أخرى، ارتفعت أعين الجميع في السماء، وهي تتفاعل مع الألعاب النارية التي أُطلقت تحت مقر رئاسة الحكومة.

كما قابل الجزائريون المشاركون في المسيرة الشاحنات المدرعة للشرطة، بالتصفيق كلما تحركت من نقطة إلى أخرى، وحرصوا على مبادلة الأعوان عبارات التشجيع والدعم بعد يوم طويل مدججين بالألبسة الواقية والخوذات الثقيلة، بعبارات مثل: «ربي معكم» و «أنتم أبناء الشعب». ورفعوا بعض الأعوان فوق الأكتاف، مرددين: «جيش، شعب خاوة خاوة».

ومن اللافتات التي أثارت الانتباه، واحدة تقول: «تظهر حمامة بيضاء إلى جانب سنة 1999، وتنّين إلى جانب سنة 2019″، في رسالة مفادها أن بوتفليقة جاء كرجل سلام في بداية حكمه ويريد أن يخلد بالمنصب كتنّين.

مجاهدون.. سياسيون وفنانون

الشرطة كانت مع الشعب/ رويترز

مسيرة الول من مارس/آذار 2019، وعكس مسيرة الجمعة الماضي، عرفت مشاركة نوعية، حيث انضمت إليها شخصيات بارزة في البلاد، على غرار أيقونة الكفاح التحرري للبلاد، المجاهدة جميلة بوحيرد، التي علق على مشاركتها مغردون، بالقول: «صنعتْ الاستقلال وفرحته وصنعتْ مسيرة الكرامة».

ونزل إلى شوارع العاصمة للتظاهر القائد التاريخي للولاية الرابعة في أثناء الثورة التحريرية، الرائد لخضر بورقعة.

كما انضم إلى المحتجين الرافضين للعهدة الخامسة رؤساء أحزاب التيار الإسلامي، على غرار رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري، ورئيس حزب العدالة والتنمية عبد الله جاب الله، ورئيس حزب الجبهة الجزائرية موسى تواتي.

وشارك أيضاً ممثلون، على غرار نجم الفكاهة صالح أوقروت المعروف فنياً باسم «عاشور العاشر»، والفنانة فريدة كريم المعروفة باسم «خالتي بوعلام»، ونجمي السلسلة الفكاهية «دقيوس ومقيوس»: نبيل عسلي ونسيم حدوش.

قصر الرئاسة.. الخط الأحمر والنقطة السودائية

في وسط المدينة، كان البعض يصرخ: «إلى المرادية»، في إشارة إلى المسير نحو قصر رئاسة الجمهورية الذي حددته الشرطة الجزائرية كخط أحمر لن تسمح بالوصول إلى باحته.

التعزيزات الأمنية الأولية لمنع بلوغ هذا القصر، الذي لا يزوره بوتفليقة إلا نادراً منذ إصابته بجلطة دماغية سنة 2013، نُشرت بقصر الشعب (نحو 3 كم)، واستعملت قنابل الغاز المسيل للدموع، لدفع المتظاهرين إلى التراجع، لكن الزحف تواصل واضطرت إلى التراجع إلى أقصى مسافة (نحو 200 متر) قرب ساحة القصر.

اقرأ أيضًا:   سفير موسكو بالدوحة: بوتين يزور قطر "قريبا"

وطوَّقت المكان بشكل محكم من جهاته الأربع.

وفي الوقت الذي غادر فيه أغلب المتظاهرين نحو منازلهم قبيل صلاة المغرب بساعة، أصر بعض الشباب على التصادم بالشرطة.

وفي حدود الساعة السادسة، تمكن المتظاهرون من بلوغه من الجهة الجنوبية، لنقف على انتشار مكثف لقوات الشرطة، المدعومة بفرقتها المستحدثة قبل سنتين واسمها «GOSP» (جمهرة العمليات الخاصة للشرطة)، وفرقة «BRI» (مجموعة البحث والتحري)، وتحته بامتار وقفنا على أعمال العنف التي حذر منها كل الجزائريين.

وفاة وجرحى، والشرطة تبرئ المسيرات

الاحتكاك المعزول مع قوات الأمن وما تبعه من تدافع تسببا في وفاة ستيني، جراء سكتة قلبية، واتضح أن المتوفى اسمه «حسن بن خدة»، وهو ابن المجاهد التاريخي ورئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة إبان الثورة، بن يوسف بن خدة.

وكشف بيان للمدرية العامة للأمن الوطني أنها «سجلت إصابة 57 شرطياً و7 مواطنين، بسبب تعرضهم للرشق بالحجارة».

وأفاد البيان بأن الشرطة «أوقفت 45 شخصاً، من بينهم 5 على مستوى فندق الجزائر، قاموا بسرقة الخزانة الحديدية للمؤسسة الفندقية، التي تم استرجاعها في وقت قياسي».

وفي إشارة إلى تبرئة المشاركين في المسيرات السلمية، أوضحت المديرية العامة للشرطة أن أغلب «الموقوفين كانوا تحت تأثير المهلوسات والمؤثرات العقلية».

فضح المخربين وكنس المخلفات

واعتمد الجزائريون المشاركون في المسيرة على عدسات هواتفهم، لفضح المندسين بينهم ممن قاموا باستفزاز عناصر الشرطة، كما وثقوا في فيديو سلة قمامة معبّأة بالأحجار، وقالوا: «إنها عملية منظمة لإخراج المسيرة عن السلمية، وإن الشعب المسالم بريء منها».

واستنكر صحفيون تركيز بعض القنوات على أحداث العنف التي جرت في محيط قصر الرئاسة، واعتبروأ أنها عملية ممنهجة للإساءة إلى المسيرة السلمية، وكتب الصحفي فاروق غدير: «نشر صور لتشويه صحوة الشعب مشاركةٌ في الجريمة، وأخص بالذكر بعض أشباه الصحفيين».

 

وزار وزير الداخلية والجماعات المحلية، نور الدين بدوي، رفقة المدير العام للأمن الوطني عبد القادر قارة بوهدبة، المصابين في المستشفى الجامعي مصطفى باشا.

وقام شباب في حدود الساعة التاسعة ليلاً، بتنظيف الساحات العمومية من مخلفات المسيرة التي جرت في العاصمة، مثلما فعل آخرون في بقية الولايات.

وماذا بعد؟

بعد هذه المسيرات التي قُدِّرت أعداد المشاركين فيها بنحو 6 ملايين متظاهر عبر التراب الوطني بالكامل، قرابة المليون في العاصمة وحدها، نام الجزائريون وهم يتساءلون عما سيفعله بوتفليقة وحكومته، وما إذا كان سيتراجع عن الترشح؟ وعن هوية البديل الذي سيلجأ إليه النظام؟

واعتبر يوسف، الذي شارك في مسيرة العاصمة، أن «الشعب حسم موقفه… ولم يبقَ لهم إلا الرحيل». وكل شيء سيتحدد الأحد 3 مارس/آذار 2019، آخر أجل لإيداع ملفات الترشح.

 

عربي بوست

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *