حكاية إنقاذ فوق السحاب.. المريض تركي والطبيب قيادي بالمعارضة السورية
لم يمنعه منصبه القيادي في المعارضة السورية من ممارسة مهنته الإنسانية الأصلية كـ”طبيب مختص في أمراض القلب”، وإنقاذ حياة مواطن تركي تعرض لأزمة قلبية خلال رحلة جوية بين أنقرة وإسطنبول.
نصر الحريري، رئيس “هيئة التفاوض السورية” التابعة للمعارضة، كان في رحلة على متن الخطوط الجوية التركية السبت الماضي، ليتفاجئ بتعرض أحد الركاب لـ”أزمة قلبية”.
وبواجبه المهني كطبيب قبل حسه الإنساني، تحرك الحريري دون تفكير ليقدم إنعاشا طبيا للتركي علي إشيكلار (70 عاما) الذي توقف نفسه وقلبه عن العمل؛ ما ساهم في إنقاذ حياته.
الحريري روى لـ”الأناضول” تفاصيل ما جرى على متن تلك الرحلة الجوية، قائلا: “كانت الطائرة في وضع الهبوط، رأيت إحدى السيدات تجرى بسرعة ناحية طاقم الطائرة، وتتحدث معه بطريقة متوترة، وبعدها بدا التوتر أيضا على طاقم الطائرة، وهو يتوجه سريعا ناحية أحد الأشخاص”.
وأضاف: “كانت السيدة تجلس بالقرب مني، رأيتها تبكي وتقول بابا بابا، فأبلغت الطاقم أنني طبيب وبإمكاني تقديم المساعدة”.
وتابع: “توجهت مسرعا للمريض؛ فوجدته جالسا على كرسيه فاقدا للوعي بشكل كامل، كان شاحبا وجلده باردا، ويتصبب عرقا غزيرا”.
وعن كيفية تعامله مع تلك الحالة، قال الحريري: “تأكدت من التنفس فوجدته متوقفا، ثم تحسست النبض وكان متوقفا أيضا، علمت أنني أمام حالة أزمة قلبية في الغالب، ولا نعرف متى توقف نبض وتنفس المريض، وفي مثل تلك الأحوال نحتاج إلى إجراء إنعاش قلبي رئوي”.
القيادي واصل حديثه عن الخطوات التي اتبعها بقوله: “حاولت سريعا معه، حملناه مع طاقم الطائرة وآخرين، ومددناه على أرضية الطائرة، ثم بدأنا بعملية الإنعاش القلبي الرئوي، وعمل تمسيد قلب، وكررنا الخطوات حتى يستعيد المريض نَفَسه، شعرت أنه يحاول استعادة نَفَسه”.
وضاف: “النبض بقي غير محسوس، وكان المريض بحالة صدمة وتعرق شديد، تابعنا محاولة إسعافه بما هو متوفر على مت الطائرة؛ حيث جلبنا الأكسجين، وواصلنا القيام بباقي الإجراءت الروتينية”.
وأوضح متابعا: “طلبنا جهاز الصادم القلبي الكهربائي، لكن عندما تم احضاره، كان النبض قد عاد للعمل، قست النبض مجددا، لكن وجدته غير متنظم، حيث بدأ بـ40 نبضة (في الدقيقة)، ثم يهبط للثلاثين، ويعود، واستمر عدم الانتظام في النبض لفترة ما بين 15 و20 دقيقة، وأخيرا وصل النبض إلى المعدل الطبيعي عند 80 نبضة في الدقيقة”.
وعن معدل ضغط الدم للحالة، قال الحريري إنه عاد بشكل غير منتظم أيضا قبل أن يستقر عند المعدل الطبيعي بعد عدة دقائق.
وأشار إلى أنه بدأ يسأل المريض عدة أسئلة للتأكد من عدم تعرضه لأذى في الخلايا الدماغية جراء نقص الأكسجين، قائلا: “سألته بلغتي التركية المتواضعة، أين أنت يا عمي.، ومن هذه؟، ليجيب عن اسمه، وقال هذه ابنته، فسألته أين أنت؟ قال لا أعرف، سألته هل أنت مسافر؟، قال نعم أنا بالطائرة”.
وأضاف: “خلال هذه الأثناء كنت أسال ابنته عما إذا كان والدها يعاني من أمراض معينة لمعرفة ما يمكنني القيام به، وكان التواصل معها باللغة الإنجليزية”.
وتابع: “الحمد لله بعد ذلك جرى إنقاذ المريض لحين الهبوط، وعندها جاء طاقم الإسعاف الذي أجرى له تقييما سريعا، وسجل له نبضات قلبه، كانت منتظمة، وجرى عمل تخطيط قلب له، والتي أظهرت تبدلات تخطيطية تدل على أن المريض غالبا تعرض لأزمة قلبية، فأخرجناه لسيارة الإسعاف”.
واستطرد: “هنا انتهت مهتمتي، وأعطيتهم رقم هاتفي للاتصال بي إن كان هناك أي حاجة لشرح حالة المريض للأطباء في المستشفى، وبعد ساعة اتصلوا، كانت ابنته بداية، ومن ثم طبيب شرحت له ما جرى بالتحديد”.
وعن المشاعر التي انتابته في تلك اللحظة، قال الحريري: “اللحظة المؤثرة عندما كانت ابنته تبكي متأثرة وتدعو الله؛ حيث شعرت أن والدها توقف تنفسه فأحست بفقدانه، وبعد أن بدأ يتنفس وكنت أطمئنها، أقول لها أنه بخير، سألت المريض من هذه؟ قال ابنتي، عندها عرفت أن والدها استعاد وعيه كاملا وعاد للحياة”.
وأضاف: “زاد بكاء السيدة، وشكرتني وسألت من أين أنت؟، هل أنت سوري؟، فقلت نعم سوري، فزاد بكاءها وشكرتني مجددا بحرارة”.
وختم بقوله: “بعدها بقيت على اتصال معها، وقالت إنهم ذهبوا للمستشفى وأجروا عملية قسطرة للقلب لوالدها، والأحد أرسلوا لي صوره، وهو بحالة جيدة، وأنا الآن في طريقي لزيارته في المستشفى من أجل الإطمئان عليه”.