الجيش الجزائري ..”لين وشدة” وتجنب تسيير الشأن السياسي
** الخطابات الثلاثة الأخيرة لرئيس الأركان أحمد قايد صالح:
– تطمينات للمتظاهرين، بالعمل على “تحقيق كل المطالب كاملة غير منقوصة”.
– تحذيرات من “الدفع نحو الفراغ الدستوري”، و”التشبث بمطالب تعجيزية”
– تحذير من “آثار وخيمة على الاقتصاد الوطني والسقوط في براثن الفوضى”.
** عقيد متقاعد:قائد الأركان يتكيف مع الحراك في خطاباته.
أمام إصرار الشارع الجزائري، على الإطاحة ببقايا نظام الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، تجدد قيادة الجيش التأكيد على التمسك بالمسار الدستوري لحل الأزمة، مع فتح الباب أمام أي مبادرة للحل وذلك في إشارات لرفضه التورط في تسيير الشان السياسي.
وتضمنت الخطابات الثلاثة، الأخيرة، لنائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، تطمينات للمتظاهرين، بالعمل على “تحقيق كل المطالب كاملة غير منقوصة”.
كما تضمنت أيضا تحذيرات من “الدفع نحو الفراغ الدستوري”، و”التشبث بمطالب تعجيزية والتعنت في رفض كل شيء”.
وحذر مما قد ينجم عن ذلك من “آثار وخيمة على الاقتصاد الوطني والسقوط في براثن الفوضى”.
ومنذ استقالة بوتفليقة، في 2 أبريل/ نيسان الجاري، يتمسك المتظاهرون برحيل باقي رموز النظام وعلى رأسهم، الرئيس عبد القادر بن صالح الذي اسخلف بوتفليقة لمدة 90 يوما، ورئيس الوزراء نور الدين بدوي.
بينما قدم الطيب بلعيز، وهو أحد المقربين من بوتفليقة، استقالته من رئاسة المجلس الدستوري، في 16 أبريل/ نيسان وعين مكانه كمال فنيش.
** الحل الدستوري.
وتوقف الفريق أحمد قايد صالح، عن ذكر الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، في خطاباته مطلع مارس/ آذار الماضي.
وكان يأتي على ذكره في كل تصريحاته، بصفته رئيسا للجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني.
وفي أول تعليق له على الأزمة التي بدأت في 22 فبراير/ شباط الماضي، قال الفريق أحمد قايد صالح في خطاب له ” أن لكل مشكلة حل بل حلول”.
وتشبث بوتفليقة، يومها، بخطة تأجيل الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في 18 أبريل/ نيسان الجاري، وعقد ندوة وطنية تتوج بتعديل الدستور وتسليم السلطة بعدها لرئيس منتخب.
لكن الشعب الجزائري، رفض كل تلك الخطة واستمر في التظاهر بمسيرات سلمية مليونية.
وفي 26 مارس/ آذار الماضي، وخلال جولة ميدانية إلى الناحية العسكرية الرابعة، أعلنت مؤسسة الجيش عن موقفها الصريح من الأزمة، واقترحت بأن “الحل موجود في المادة 102 من الدستور”.
وتنص المادة 102، على آليات إعلان شغور منصب رئيس الجمهوية، “بسبب المرض الخطير والمزمن، أو الاستقالة أو الوفاة”، وكيفية استخلافه برئيس البرلمان لمدة 90 يوما.
وخلال اجتماع وصف بالعاجل، ترأسه الفريق أحمد قايد صالح، بمقر وزارة الدفاع الوطني، رفع الجيش لهجته إلى أقصى درجة، وجدد التأكيد على ” تفعيل المواد 07 و08 و102 من الدستور”.
والمادتين 07 و 08، تدخلان ضمن ما يطلق عليه خيراء القانون الدستوري “روح الدستور”، إذ تنص الأولى على أن ” الشعب مصدر كل السلطات”، وتنص الثانية على “أن الشعب يمارس سلطته بالانتخاب أو الاستفتاء”.
وخلال ذات الاجتماع، وجه الفريق أحمد قايد صالح، تهديدا شديدا لمن وصفهم “بالجهات غير الدستورية، حضرات خلال اجتماعات مشبوهة لاتخاذ قرارات سيتصدى لها الجيش بكل الوسائل الممكنة”.
وقصد صالح بكلامه، الشقيق الأصغر للرئيس المستقيل، السعيد بوتفليقة، ورئيس دائرة الاستعلام والأمن سابقا، الفريق محمد مدين الذين أحيل للتقاعد سنة 2015.
واتهم الفريق قايد صالح هؤلاء، الذين لا يملكون صلاحيات دستورية، بمحاولة ضرب مصداقية الجيش والتحضير لشن حملة تشويه ضده.
وأكد الرئيس السابق اليمين زروال، صحة تقارير الجيش، عندما اعترف في رسالة وجهها للرأي العام، بـ”استقباله للفريق المتقاعد محمد مدين، وعرض عليه الأخير قيادة البلاد لفترة انتقالية، وأبلغه بأن شقيق الرئيس السعيد بوتفليقة هو من اقترحه لتولي المهمة”.
وأكد زروال رفضه للعرض، الذي كان يعني تعليق العمل بالدستور والدخول في مرحلة انتقالية غير محسوبة العواقب، وهو ما أصرت قيادة الأركان على رفضه والتصدي له.
وفي اليوم ذاته، ترأس الفريق أحمد قايد صالح اجتماعا بوزارة الدفاع، أكد فيه على “التطبيق الفوري للمادة 102”.
كما تعهد بمحاسبة المتورطين في قضايا الفساد المالي الذين أطلق عليهم لأول مرة مصطلح “العصابة”.
وبعد نهاية الاجتماع بدقائق، أعلن بوتفليقة استقالته، وسلم في ساعة متأخرة من الليل، رسالة الاستقالة بيده لرئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز الذي استقال بدوره الأسبوع الماضي.
**الثبات على الحل الدستوري
استقالة بوتفليقة، لم توقف مظاهرات الجزائريين أيام الجمعة، اذ استمروا في الضغط من أجل رحيل رموز نظامه، وبالأخص الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح ورئيس الوزراء نور الدين بدوي.
وعقب تثبيت البرلمان، لشغور منصب رئيس الجمهورية، وتعيين بن صالح كرئيس للدولة لمدة 90 يوما في 6 إبريل/ نيسان الجاري، دعا رئيس أركان الجيش “الشعب الجزائري، إلى القبول بالمخرج الدستوري للأزمة، وعدم رفع مطالب تعجيزية”.
وحذر قايد صالح من استمرار المظاهرات، لوقت طويل لأن ” في ذلك عواقب وخيمة على الاقتصاد الوطني ومناصب الشغل والقدرة الشرائية”.
ولم يحقق ذاك الخطاب نتائج طيبة في نفوس المتظاهرين الذين اعتبروا أن قائد الجيش “ساعدهم في تحقيق مطلب رحيل بوتفليقة، ولا يريد فعل ذلك مع بقايا نظامه”.
ويصطدم مطلب رحيل رموز نظام بوتفليقة، بعراقيل دستورية، منها ما هو منصوص في المادة 104، التي تقول بأن “صلاحيات رئيس الدولة محدودة، ولا يمكنه تغيير الحكومة القائمة”.
وفي السياق، أوضح الخبير في الشؤون الأمنية بن عمر بن جانا، للأناضول “أن تشبث الجيش بالدستور نابع من إدراك مسبق لمغبة الخروج عنه”.
وأوضح بن جانا “الدخول في وضعية غير دستورية، سوف يؤزم الوضع وتحدث اضطرابات، ما سيضع الجيش في الواجهة”.
وتابع “المادة 23 من الدستور تلزم الجيش بتحمل وزر كل النتائج التي تترتب عن الفراغ الدستوري، بصفته المؤسسة الدستورية المخولة بحماية الأمن القومي وأمن المواطن”.
وألمح بن عمر بن جانا، إلى أن الجيش الجزائري، لا يريد أن يتورط في أزمة أمنية مثلما حصل في سنوات السبعينات.
**خطاب مطمئن
في 16 أبريل/ نيسان 2019، أكد الفريق أحمد قايد صالح، في مداخلة أمام ضباط الناحية العسكرية الرابعة، حرصه على تحقيق مطالب “الشعب كاملة غير منقوصة”.
وطالب في المقابل “بالتحلي بالصبر والحكمة، لأن المطلب الأساسي (استقالة الرئيس) قد تحقق والبقية ستأتي تدريجيًا”.
ولم يخض صالح، في التمسك بالحل الدستوري، بينما تعهد بتأمين المسيرات ومحاسبة “الجهات ذات المخططات المشبوهة، وعلى رأسها المدير السابق لدائرة الاستعلام والأمن” محمد مدين.
وجدد في ذات المناسبة، دعوته للقضاء من أجل الشروع في فتح ملفات الفساد، “بعدما استعاد كامل صلاحياته”.
وباستقالة بوتفليقة، فقدت السلطة التنفيذية جزء معتبرا من سلطتها على القضاء، اذ ينص. الدستور على أن ” رئيس الجمهورية هو رئيس المجلس الأعلى للقضاء والقاضي الأول في البلاد”.
وشرع القضاء الجزائري في التحقيق مع كبار رجال الأعمال ووزراء ونواب بالبرلمان.
وفي السياق، قال العقيد المتقاعد من الجيش الجزائري بن عمر بن جانا إن قائد الأركان، “يتكيف مع الحراك في خطاباته”.
وأوضح للأناضول “كلما تشبث الحراك الشعبي بمطلب معين، يقوم رئيس الأركان بإصدار بيان يتلاءم معه”.
**المسار الدستوري والحل السياسي
وفي 23 أبريل/ نيسان الجاري، وخلال تواجده بالناحية العسكرية الأولى، انتقد الفريق أحمد قايد صالح مقاطعة الأحزاب والشخصيات السياسية لندوة المشاورات التي دعا إليها رئيس الدولة عبد القادر بن صالح.
وانتقد أيضا، منع الوزراء من القيام بمهامهم الميدانية، وقال إن “منع المسؤولين من تأدية مهامهم، أمر مخالف للقانون ويرفضه المواطن الجزائري والجيش”.
وعلق عالم الاجتماع السياسي ناصر جابي على تصريحات الفريق أحمد قايد صالح بأنها تزاوج بين “اللين والتشدد”.
وعاد قايد صالح، الأربعاء الماضي في بيان له، للتأكيد على أن “الجيش مع كل اقتراح بناء وكل مبادرة تصب في سياق حل الأزمة”.
وقال جابي للأناضول إن المؤسسة العسكرية “تتأرجح بين اللين والتشدد بسبب الحراك وبسبب موازين القوى وصناعة القرار داخلها”.
وأوضح أن ” الجيش يتعامل مع وضع جديد عليه، يجعله يأخذ استشارات واسعة داخله قبل صناعة القرار ويبنيه على تطور الأمور ويزن الموقف جيدًا”.
وتابع أن الجزائريين أصبحوا ينتظرون خطابات القايد صالح فقط، في ظل غياب كلي لمؤسسات الدولة الأخرى، كرئيس الدولة ووزير العدل وحتى العدالة، لا أحد من هؤلاء يتحدث مع الشعب باستثناء الجيش.
وقال جابي إن المؤسسة العسكرية في وضع صعب للغاية، “لأنه من الواضح أن الجيش لا يريد أن يتورط في تسيير الشأن السياسي وفي المقابل هناك مطالب ملحة للحراك الشعبي”.
واقترح عالم الاجتماع السياسي “تفعيل المادتين 07 و08 من الدستور، بمعنى تطبيق روح الدستور لأننا في وضعية استثنائية والاكتفاء بالمادة 102 يكون في الحالة العادية”.
وخلص إلى أن الجيش ليس أمامه سوى القبول بخيارات المتظاهرين، المطالبة “برحيل رئيس الدولة ورئيس الوزراء وتشكيل هيئة مراقبة الانتخابات وتعيين شخصية توافقية تتولى قيادة المرحلة الانتقالية ثم تنظيم انتخابات رئاسية”.