لماذا يهاجمون مسلسل “قيامة أرطغرل”
يتعرض المسلسل التركي الشهير “قيامة أرطغرل” لهجوم كبير مما بات يعرف بالذباب الإلكتروني على مواقع التواصل الاجتماعي أو من بعض الفضائيات “العربية” التي ساءها ومموليها النجاح الباهر الذي حققه هذا العمل الدرامي “التاريخي” الضخم.
مشكلة هؤلاء الحقيقية ليست مع الرواية التاريخية التي يقدمها المسلسل بل مع القيم والدروس والعبر والمفاهيم التي يبثها في نفوس المشاهدين؛ قيم العزة والتمسك بالإسلام والعدل والدفاع عن المظلومين والسعي لتغيير النظام العالمي المتوحش حينها بوجود المغول والبيزنطيين لإقامة نظام العدل الإسلامي وتأسيس دولة قوية يعيش فيها المسلم وغير المسلم بأمن وأمان وسلام.
كثيرة هي المشاهد في المسلسل التي تغني عن ألف خطبة أو موعظة أو محاضرة دينية تربوية أو حتى في العلوم السياسية والعلاقات الدولية! جرعات من التعليم والتوجيه الراقي بأسلوبي درامي فتاك وتمثيل رفيع الأداء وموسيقى تصويرية إبداعية بإخراج محبوك رغم الوقوع في بعض الأخطاء التاريخية للأحداث لكن المضمون القيمي والرسائلي يجعل النظرة لهذا الإنتاج التلفزيوني تتحرر من التقوقع عند التقييم التاريخي الجامد الصرف للأحداث التي يحتويها.
من المشاهد المعبرة المليئة بالدروس مشهد محاسبة أرطغرل والد عثمان مؤسس الدولة العثمانية لصديقه الصدوق بامسي رئيس المحاربين وهو من أكثر المشاهد تأثيرا وأهمية في المسلسل التركي العظيم حبيب الملايين!
النقطة الأساسية تتعلق بالخلاف عند تقدير موقف ما.. القائد أرطغرل رأى الأولوية في اغتنام فرصة محاصرة العدو لاستئصال شأفته في معركة اختار زمانها ومكانها بينما رأى بامسي أن الأولوية تكمن في إنقاذ عميلهم المخلص مرغان ثم اللحاق بأرطغرل.
نجح بامسي بإنقاذ مرغان لكن تأخره أضاع فرصة القضاء على المجرمين ألينجاك وألباستي-بيبولات وكاد أن يودي بحياة غوندوز الابن الأكبر لأرطغرل.
في لحظة تظن أن الصواب يميل لصالح رأي بامسي الذي أنقذ مرغان وأدرك صاحبه وأمن له المدد اللازم لدفع العدو.. لكن الأحداث اللاحقة تؤكد صوابية تفكير أرطغرل وأن بقاء ألباستي وألينجاك أحياء أزهق الكثير من الأرواح ومنهم مرغان نفسه وكذلك البطل دومرول وكاد أن يودي بحياة القائد تورغوت وما أدراك ما تورغوت.. الساعد الأيمن لمؤسس الدولة العثمانية ووالده.
محاسبة أرطغرل لبامسي كانت قمة في الشفافية والأدب والحسم والحزم مع تسليم تام من قبل بامسي وقد كان بإمكانه أن يشعر بالإهانة ثم التكبر ويفتح خط تواصل مع المغول ليهدم قبيلة الكايي من الداخل ببث الشائعات والوهن وتثبيط المحاربين وتأليبهم على قائدهم لينتقم منه وليحصل على الامتيازات والمناصب والشهرة وصناديق الذهب والفضة.. لكن إخلاص الرجل وتقواه منعاه من اتباع هكذا مسار “شيطاني” فلجأ إلى المسجد واختلى بنفسه وقام بإجراء مراجعة عميقة واستشارة أهل الرأي والذكر فرجع وأناب وعاد أكثر فهما وإدراكا لحقيقة الرسالة والدور المناط به!
لم يصدر أرطغرل حكمه بشكل مستبد بل شرح المعطيات وأقام الحجة وتدرج في ذلك سببا سببا ثم جرد بامسي من سلاحه ومنصبه.
في جميع الأحوال وعند وجود القيادة المخلصة وخاصة في الأوقات الحرجة نحتاج للنزول عند رأي القائد بعد صدور القرار بشأن أمر ما دون تمسك بآراء مخالفة وبغض النظر عن تقدير موقف مغاير.
إن من أسباب فشل الكثير من التكتلات والأحزاب والحركات في أيامنا هذه غياب القيادة المخلصة ثم إعجاب كل ذي رأي برأيه والتمسك به وانتفاخ “الأنا”.. حتى أنه في بعض الأحيان لو أراد عشرة أشخاص اتخاذ قرار ما وقاموا بالتصويت عليه فقبل به ستة وعارضه أربعة تجد لاحقا أن الأربعة يجتهدون لإفشال العمل المتعلق بالقرار حتى يثبتوا أن اختيارهم في التصويت كان صحيحا بدل أن يتعاونوا مع بقية الفريق لإنجاح العمل وتحقيق الغاية والفائدة للجميع.
لقد أتعبنا التفرق والتنازع والتشظي ونحتاج لقيادات مخلصة تجيد تقدير المواقف بناء على معلومات وأرقام ودراسات وبحث وكذلك بناء على حدس وموهبة وبصيرة.. حتى نواجه التحديات الكبرى التي تحيط بنا ونحسن إدارة الصراع مع أعدائنا على قلب رجل واحد.