يني شفق: وليا عهد الخليج سيحرقان المنطقة كلها. لماذا تستضيف مكة تلك القمة؟ حذارى من سقوط مكة رهينة بعد القدس!
عندما كتبت مقالي “حروب مكة” و”قبل أن تقترب الدبابات من الكعبة” وأعددت كتابا حول هذا الموضوع اعتقد معظم الناس أن هذا الأمر يعتبر تفسيرا أو قلقا سابقا لأوانه.
كانت عاصفة جديدة تقترب من المنطقة لتنقل الحروب المحلية مثل احتلال العراق وحربي سوريا واليمن إلى خارج المنطقة، فأنا كنت أرى ما سيحدث اليوم، لكن كان من الصعب للغاية توضيح كارثة بهذا الحجم.
ذلك أنه من الصعب فهم وشرح ما يحدث خلال أوقات السكوت. كان هناك انتقال من المستوى المحلي إلى مستوى الحرب الإقليمية، وهو ما ظهرت ملامحه القوية ليراها من يتابعون هذا الأمر جيدا.
روجوها لنا في صورة حرب مذهبية
لقد كانوا – في الواقع – ينفذون المخطط ذاته منذ حرب الخليج عام 1991 حتى يومنا هذا، وكنا نشهد في كل أزمة واحتلال وصراع المرحلة الخاصة بهذا الحدث من هذا المخطط الكبير.
وأما الخطأ الذي وقعنا فيه فكان أننا اعتبرنا كل هذه الأحداث وكأنها أحداثا مستقلة عن بعضها. ولهذا السبب تحديدا فإننا ندفع ثمن الفواتير الباهظة للمخططات التي وضعوها لمنطقتنا لتنفيذها على مدار قرن كامل.
لقد روجوا لنا هذه الحروب أحيانا في صورة تنظيمات إرهابية كطالبان والقاعدة وأحيانا أخرى في صورة قادة طغاة مثل القذافي وصدام وحينا آخر تحت أسماء أخرى كالأسلحة الكيميائية وغير ذلك. والأدهى من ذلك أنهم روجوا لها أحيانا في صورة حرب مذهبية وصراع بين السنة والشيعة.
قالوها فصدقناهم
لكننا كنا نطعن أنفسنا
قولها صراحة، لقد نجحوا بنسبة كبيرة في تحقيق كل هذه الأهداف. ولهذا السبب وضعوا شعارات من قبيل “إشعال فتيل الحرب داخل العالم الإسلامي” و”الحرب الأهلية الإسلامية”، بل وبدأوا تنفيذها على أرض الواقع.
لم يشكلوا فقط جماعات مذهبية وحسب، بل شكلوا كذلك جماعات عصرية وتقليدية وصوفية ومتغربة ومعادية للغرب وغير ذلك، ليستغلوا ذلك في تنفيذ مخططاتهم السياسية والاقتصادية.
لقد عاصرنا مئات الأمثلة لم نحكيه على مدار ثلاثة عقود. وفي الواقع فلقد كانت الخريطة والصورة واضحة، لكن عقولنا كانت مضللة وأعيننا كانت معصوبة لدرجة أننا أجبرنا على إدراك كل هذه الحروب من خلال كلامهم وتصويرهم.
لقد نص المخطط على التالي: يجب على الغرب طرد العالم الإسلامي خارج نطاق التاريخ، وأن يحول دون صعود قوة جديدة من هذه المنطقة، وأن يفرض وصاية جديدة في المنطقة تشبه وصاية القرن العشرين. لقد كان هذا المخطط هو مركز الحسابات الدولية الخاصة بالقرن الحادي والعشرين.
الإيقاع بين المسلمين واستهداف التاريخ والجغرافيا والدين
لقد كانوا يعلنون حربا شاملة مرة أخرى على المنطقة من خلال منطق “الحملات الصليبية”، وهو ما كان يعتبر بالنسبة لمنطقتنا تدخل “الحرب العالمية الأولى” للمرة الثانية.
ينبغي لنا ألا نسمح للتفاصيل أن تعمي أبصارنا، كما علينا ننتب جيدا إلى القرن الحادي والعشرين وتبدل موازين القوى العالمية وصعود كتل/قوى سياسية واقتصادية جديدة. وأما الغرب فهو يحارب من جهة الإسلام في ظل هذا التغير الكبير، ومن جهة أخرى فإنه يستغل المسلمين كسلاح لمواجهة سائر القوى الصاعدة الأخرى.
بل إن الغرب يعمل كذلك على إشعال فتيل الحرب بين المسلمين وأنفسهم على أراضيهم. فهو يستغل المسلمين ضد تاريخهم بل وحتى دينهم. واليوم فإنه يضع أسس عاصفة جديدة ستدمر المنطقة بأكملها من خلال التنظيمات.
الحرب العربية – الفارسية: وليا عهد الخليج سيدمرن المنطقة
إن الشيء الذي يتظاهرون بأنه توتر أمريكي – إيراني إنما هو استعداد لإشعال فتيل حرب عربية – فارسية. نحن أمام مواجهة بين توسع طهران في العالم العربي بعدما تخلت عن ثورتها الإسلامية وبين القومية العربية التي يروج لها بواسطة وليي عهد السعودية محمد بن سلمان والإمارات محمد بن زايد.
إننا أمام صراع قوى بين العرب والفرس أخفي تحت عباءة مخطط السيطرة الغربية. إنهم يعتقدون أن ذلك يصب في مصلحتهم، غير أن نتيجة هذه العاصفة ستكون تدمير المنطقة والنصر الأمريكي – الإسرائيلي.
إنهم سيستغلون في هذه الحرب الإسلام وكل ما يتعلق بالدين، وسيروجون للحرب من خلال الدين والمذهب، وبهذه الطريقة سيحركون الجماهير.
لماذا تستضيف مكة هذه القمة؟
لقد بدأوا “الترويج للحرب بواسطة الدين”
اسمحوا لي تذكيركم بالأحداث الحالية:
1. لقد سمحت أنظمة دول مجلس التعاون الخليجي لنشر الولايات المتحدة قواتها على أراضيها لمواجهة إيران. وسيكون كذلك مجالاها الجوي والبري في خدمة أمريكا وإسرائيل. وهي الوضعية التي كانت قائمة بالفعل، لكنها ستزيد هذه المرة.
2. ستجمع السعودية دول مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية في مكة لتحدثهم عن التهديد الإيراني وتحاول تشكيل كتلة عربية قوية تحسبا لنشوب الحرب.
3. فلماذا لم يختاروا جدة أو الرياض أو حتى دبي واختاروا مكة؟ لماذا تستضيف مكة هذه القمة؟ لأنهم بدأوا الترويج للحرب بالفعل، فالعرب والإيرانيون سيلعبون في هذه الحرب على القيم الدينية.
سيقولون “نحن مستعدون”
4. سنرى الكثير من الأمور السيئة لدرجة أن هناك احتمالا أن يدخل العالم الإسلامي مرحلة من مراحل التمزق الذهني الخطير. ذلك أنهم يسعون لجعل المسلمين عاجزين حتى عن رفع رؤوسهم من الخزي. فهذا هو المخطط وهذا هو الدمار الحقيقي.
5. وربما تشهد قمة مكة توجيه رسالة لأمريكا وإسرائيل مفادها “نحن مستعدون”.
6. لقد أحسن التحالف الأطلسي بقيادة واشنطن استغلال الرغبة الإيرانية الجامحة في التوسع خلال حروبه على الإسلام. كما حدثوا العرب عن هذا التهديد بتضخيمه وأقنعوهم بذلك. لقد وضعت الدول لتي تقودها السعودية والإمارات مستقبلها وكل مصادرها رهن الحرب ضد إيران.
فلماذا يهاجمون تركيا لهذه الدرجة؟
7. كان من الممكن أن نشهد تدخلا “مهدئا” قبل أن تصل الأمور إلى ما هي عليه الآن، وكان يمكن أن تلعب تركيا دورا في هذه الوتيرة، غير أن العداء الشديد الذي تكنه الإمارات لتركيا وعدوانيتها الصريحة أغلق الباب أمام هذه الفرصة.
8. في الوقت الذي كانت فيه الإمارات والسعودية ومصر تنشر فكرة معاداة إيران كانت كذلك تنشر فكرة “تهديد تركيا” وعداوتها في المنطقة كلها. فهو يستهدفون تركيا في كل مكان تتواجد به، في العراق وسوريا وليبيا والسودان والصومال. وفي الوقت الذي يستعدون فيه للحرب مع إيران، فإنهم بدأوا بالفعل حربهم الصريحة ضد تركيا.
هل يحين الدور على مكة بعد القدس؟
9. لن تهاجم أمريكا ولا إسرائيل إيران صراحة، بل تشعلان فتيل حروب بعيدة عن حدودهما استنادا لفكرة التهديد الإيراني. فالحرب ستندلع هذه المرة في العراق وسوريا ولبنان؛ إذ ستشهد هذه الدول حرب أمريكا – إسرائيل والعرب ضد إيران.
10. وفي هذه الحالة سيتابع الغرب هذه الحرب باستمتاع كبير وسيستفيد لأقصى حد من هذه الفوضى التي ربما تستمر لعشرات السنين. وحينها سيرى الجميع أنه لم يعد هناك مصطلح اسمه الشرق الأوسط.
11. وحينها ستتحول قضية مكة والمدينة إلى قضية سياسية مشتركة لجميع المسلمين، فسقوط مكة بعد القدس سيكون نتيجة العمى السياسي الذي أصاب السعودية والإمارات.
12. ولهذا كنت أدعو لوقف هذه العاصفة “قبل أن تقترب الدبابات من الكعبة”.
13. إن القوات العسكرية المنشورة في الخليج العربي ليست لضرب إيران، بل لتمزيق العالم العربي وضرب الإسلام في عقر داره..
إبراهيم قراغول