بماذا تفوقت تُركيا على أمريكا؟
مصطفى بارودي – ترك برس
هل يُعقل أن تتفوق تُركيا على أمريكا؟ كيف لنا أن نتصور ذلك التفوق من تُركيا وهي التي أثقلت كاهلها شروط استسلامها في نهاية الحرب العالمية الأولى، وتم عزلُها عن مُحيطها الجغرافي بالعداوة والبغضاء، وبجهل المحكومين وتواطؤ الحكام، ومن يمكن أن يكون وراء ذلك التفوق الذي نتحدث عنه؟
ونحن هنا لا نتحدث عن تفوق في كرة السلة أو القدم أو المصارعة أو حمل الأثقال، بل نتحدث عن تفوق تقني عسكري بزت فيه تركيا العالم المتقدم.
وأذكر القارئ بمقالي السابق: (اغتنم شبابك قبل هرمك) والذي تحدثت فيه عن واجب حكوماتنا العتيدة نحو إستثمار الطاقات البشرية الشابة في مجتمعاتنا وتعاضدها مع سواعد شبابنا الفتي الواعد والاستفادة منهم على الوجه الأمثل في نهضة البلاد العلمية وإعمار البلاد، وأقول إن الشاب المهندس: سلجوق بيرقدار هو مهندس هذا التفوق التركي على أمريكا.
درس سلجوق الهندسة الكهربائية في إحدى الجامعات التركية وحصل على الماجستير من جامعة بنسلفانيا الأمريكية، وعاد إلى بلاده ليخرج المارد التركي من قمقمه في اختصاصه الدراسي، من خلال تفرغه لمشروعه الخاص لصناعة طائرات (الدروان) الجيل الثاني، وهي -طائرات بدون طيار تُسيَّر عن بُعد- رأينا نتائجها من خلال “استخدام الحوثيين في اليمن لها”.
وواجه سلجوق وواجهت تُركيا عقبات كادت أن تحول بينه وبين تحقيق حلمه وتنفيذ مشروعه، لولا عزيمة الشباب وعنفوان الفتوة.
واجه المهندس سلجوق بيرقدار ثلاث عقبات رئيسية في طريق إقناع المسؤولين الأتراك وخاصة العسكريين منهم بمشروعه الخاص:
– العقبة الأولى: كانت قرار البيروقراطية العسكرية شراء هذا النوع من طائرات من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل على الاستمرار في صناعته محليًا، فقد نظرت نظرة استخفاف واستبعاد لإمكانية صناعته محليًا، ولا عجب فكثير من العقول العسكرية نشأت على الاستهانة بالخبرات المحلية وتعظيم الأجنبي لا سيما إن كان أوروبيًا أبيض اللون.
– العقبة الثانية: إن هؤلاء بعد أن وافقوا على مضض على حضور التجربة لم يمنحوه الإذن لتجربة طائرته المُسيّرة مزودة بالذخيرة الحية التي كان عليهم أن يُقدموها لهذه التجربة.
– العقبة الثالثة: كانت حسب زعم أحد الصحفيين الأتراك أن كبار مسؤولي المؤسسة العسكرية التركية أبدوا أرتيابهم وتوجسهم -كما شأنهم في السابق- من أن أسرة سلجوق البيرقدار التي توصف بأنها عائلة – مُسلمة تقيّة – أي أسرة مُسلمة مُلتزمة بتعاليم الإسلام.
واجه سلجوق كل هذه العقبات، ولكن همة الشباب وإصراره جعلته يتغلب عليها ويظهر للمتشككين في المؤسسة العسكرية كم كانوا مُخطئين في الاستخفاف به، ولكن ذلك لم يكن نهاية العقبات، فقد بدأت الدول الكبرى تقف ضد المشروع التركي!
امتنعت الولايات المتحدة الأمريكية عن تزويد تُركيا بالطائرات المُسيَّرة بذريعة خشيتها على أمن إسرائيل بالرغم من أن تُركيا عضو في حلف شمال الأطلسي “الناتو” مثل أمريكا، وأخرت إسرائيل صيانة وتسليم طائرات مُسيَّرة اشترتها تُركيا منها.
ولكن فات الأوان، وخرج المارد من القمم على يد هذا الشاب العشريني، وأصبح القرار التركي مُستقلًا بعد أن تمكن سلجوق بيرقدار وهو البالغ من العمر 26 عامًا من إقناع المسؤولين الأتراك بحضور عرض لطائرته المُسيَّرة المصنوعة في تُركيا فأدركوا على الفور أنهم أمام فجر جديد واعد بهمة الشباب وطموح الشباب.
وأصبحت بعد كل ذلك طائرة “بيرقدار تي بي 2” أساس العمليات العسكرية الجوية التركية.
وهي طائرة تحلق على أرتفاع 7800 متر ولمدة تصل إلى 24 ساعة، ويمكنها أن تحمل أوزان تصل إلى 24 رطلًا، ومزودة بقنابل موجّه تُركية الصنع، وتتمتع طائرة “بيرقدار تي بي 2” بميّزة الاستطلاع الليلي وإمكانية إجراء مهام المراقبة والاستكشاف والتدمير الآني للأهداف.
ولا يمر يوم دون أن تُطلق تركيا طائرة مسيرة بدون طيار، وعلى الأغلب تكون من طراز “بيرقدار تي بي2” وأضحت هذه الطائرة دائمة الحضور في الأجواء التركية التي تُعتبر الأفضل من بين فئاتها في العالم من حيث التكنولوجيا والفعالية.
وهكذا دخلت تُركيا العصر الثاني لصناعة الطائرات المسيرة (الدروان) وأصبحت تنافس دولًا كبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والصين كأكبر منتجين ومستخدمين لهذا النوع من الطائرات الفتاكة.
وقد نقل عن الصحفي “كريس وودز” مدير منظمة “إيروورز” البريطانية الحكومية الذي ظل يتابع عمليات طائرات (الدروان) في العالم لأكثر من عشر سنوات قوله: “نحن بلا شك الآن في عصر الدرونات الثاني عصر انتشار هذا النوع من الطائرات”.
والجدير بالذكر أن المهندس سلجوق بيرقدار هو زوج السيدة “سُمية أردوغان” ابنة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان – وهكذا رأينا شابًا مُخلصًا مبتكرًا ذا همة وعزيمة يطور الصناعات الدفاعية التركية في مجال الطائرات من دون طيار، ويُخلّص تُركيا من التبعية للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.
عند تأسيس الجمهورية التركية قام “نوري دمراغ” بتطوير السكك الحديدية التُركية وتوسيعها من 100 كم إلى 1250 كم، من خلال عزيمة وعمل وهمّة، حتى وصفه “مصطفى كمال” مؤسس الجمهورية التركية بأنه “الرجل الحديدي”.
والمهندس سلجوق بيرقدار هو رجل المُسيَّرات الذي مكن تُركيا من عنان السماء وأعاد لها استقلالية القرار وحرية الحركة في الدفاع عن حدودها ومصالحها.
كم في بلاد العرب من أمثال هؤلاء قد أحبطهم التجاهل أو طواهم النسيان أو ضمتهم السجون؟