استراتيجية تركيا لمكافحة الإرهاب وعملية المخلب
مراد يشيل تاش – The New Turkey – ترجمة وتحرير ترك برس
تخوض تركيا حربا ضروسا على إرهاب تنظيم “بي كي كي” منذ عام 1984. ولكن بالمقارنة مع السنوات الأربعين الأخيرة من هذه الحرب، فإن استراتيجية تركيا لمكافحة الإرهاب التي بدأ تطبيقها في عام 2015، قد غيرت الحقائق على أرض الواقع.
بادئ ذي بدء، من المهم الإشارة إلى أن عدد خسائر “بي كي كي” قد زاد زيادة كبيرة في الآونة الأخيرة. ومنذ عام 2015، ومع الأخذ في الحسبان عملية غصن الزيتون في عفرين، والعمليات الداخلية لاحتواء التعبئة الحضرية والريفية للتنظيم في تركيا، وكذلك عملية الحسم وعملية المخلب في العراق، قضت قوات الأمن التركية على أكثر من 15 ألف إرهابي من التنظيم في تركيا وشمال العراق وسوريا. والأهم من ذلك أن عدد الشخصيات الإرهابية رفيعة المستوى التي تم تحييدها بضربات الطائرات بدون طيار وعمليات الاستخبارات الخاصة التي أجرتها تركيا يصل إلى 100 شخصية، وهو ما يمثل أكبر عدد في تاريخ عمليات مكافحة الإرهاب في تركيا في فترة زمنية قصيرة للغاية.
يمكن القول من منظور استراتيجي لمكافحة الإرهاب، بأن هذه الأرقام مرتفعة نسبيًا لاحتواء التعبئة الكاملة لتنظيم بي كي كي. لكن من منظور واقعي، ما زال هذا التنظيم الإرهابي على قيد الحياة ولديه القدرة على الاستمرار في العراق وفي عفرين بسوريا. ووفقًا للتقديرات الرسمية للاستخبارات التركية، لدى بي كي يك قرابة 8 آلاف مسلح في العراق وإيران. العامل الرئيسي وراء قدرة التنظيم على التعبئة هو الحرب المستمرة على داعش في سوريا والعراق. والأهم من ذلك، أن حرية المناورة لدى التنظيم في المناطق التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب “ي ب ك” في شمال شرق سوريا التي تدعمها الولايات المتحدة سياسيا وعسكريا، تعزز قدرة هذه التعبئة.
النقطة المهمة الثانية هي تقييد وجود بي كي كي وانحصاره في منطقة محدودة في شمال العراق، حيث تنشط تركيا بقوة في المنطقة منذ أن نفذت القوات المسلحة التركية عملية الحسم. تراقب القوات المسلحة التركية المنطقة التي استخدمها بي كي كي معسكرا عسكريا. كما أن الوجود العسكري النشط لقوات الأمن التركية في بارميزا، وديلان، وكويت، وسيديكان، ومانافا في الجزء الشمالي الشرقي من إقليم شمال العراق وكذلك القواعد العسكرية التركية حول كاني وماسي وبانفي على طول الحدود التركية العراقية تمنع بي كي كي من تعبئة الموارد البشرية والخدمات اللوجستية. وعلاوة على ذلك، فإن عمليات المراقبة الاستخباراتية النشطة التي تقوم بها تركيا في شمال العراق تقلص فعليًا عمليات التعبئة النشطة للتنظيم. وفي هذا الصدد تمنح تكنولوجيا مكافحة الإرهاب ميزة كبيرة للجيش التركي.
وتعد العملية العسكرية الأخيرة، عملية المخلب، استمرارا لاستراتيجية تركيا لمكافحة الإرهاب المتمثلة في الحفاظ على الوجود العسكري النشط والقتال في الميدان. لدى تركيا ثلاثة أهداف عملياتية من عملية المخلب:
أولًا، تهدف تركيا إلى احتواء تعبئة بي كي كي في منطقة هاكورك التي يستخدمها كثاني أكبر معسكر بعد جبل قنديل. وعلى مدى سنوات استخدم التنظيم هذه المنطقة ممرا آمنا لتأمين وجوده ولتسلل الإرهابيين مباشرة إلى تركيا. وعلى الرغم من استهداف تلك المنطقة عدة مرات في السنوات السابقة، فإن التنظيم الإرهابي لم يتخل قط عن هذه المنطقة. لكن مع “عملية المخلب” تغير الوضع ولم تعد هاكورك ملاذا آمنا له كما كانت من قبل، حيث تسيطر القوات العسكرية التركية الآن على المنطقة لاحتواء تعبئة بي كي كي بشكل مباشر بين جبل قنديل والمناطق الأخرى. ولذلك سيتم تطوير عملية المخلب من خلال توسيع المنطقة وتعزيز تعبئة القوات المسلحة التركية.
ثانيًا، تحاول تركيا إنشاء منطقة آمنة بحكم الواقع في شمال العراق. وفي أعقاب تحول القوات المسلحة التركية إلى العمق العملياتي، من المتوقع إنشاء خط جغرافي من شأنه تسهيل وصول القوات التركية إلى جبل قنديل.
ثالثًا، تريد تركيا في النهاية احتواء التعبئة السياسية لبي كي كي في جميع أنحاء المنطقة. وفي هذا الصدد، سوف تعيد أنقرة توجيه قوة البيشمركة العراقية ضد بي كي كي والقضاء على نفوذ الحزب في منطقة سنجار، حيث تسيطر الجماعة الإرهابية سيطرة نشطة على القوات الأيزيدية. ذلك أنه في أعقاب فراغ السلطة الذي ظهر منذ فقد داعش السيطرة، يستخدم بي كي كي منطقة سنجار للتنقل بحرية بين العراق وسوريا ولحشد مقاتلين. ووفقًا لتقديرات المخابرات، لدى بي كي كي خمسة معسكرات في سنجار. ومن ثم فإن السيطرة على تلك المعسكرات قبل جبل قنديل هو هدف استراتيجي مهم بالنسبة لأنقرة.
وفي الختام، يمكن القول إن الهدف الاستراتيجي النهائي لتركيا هو الاحتفاظ بنقاط مهمة في شمال العراق من الناحية الاستراتيجية والعملياتية للحد من تسلل الإرهابيين إلى الأراضي التركية، وتقليل حركة بي كي كي، والقبض على الإرهابيين قبل شن هجمات إرهابية. لذلك، يمكن فهم عملية المخلب على أنها خطوة أخرى لاستراتيجية تركيا لمكافحة الإرهاب، وقد تتبعها عمليات جديدة عبر الحدود في المستقبل.