هل جرى التفاهم بين أنقرة وواشنطن على ملف “S400″؟
أثارت تصريحات وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، بشأن توقيت وهدف استخدام بلاده لمنظومة “أس400” الروسية –التي أثارت أزمة مع الولايات المتحدة وتراجعت حدة التصريحات فيها مؤخرا– تساؤلات بشأن ما إذا كان هناك تفاهم ضمني لإنهاء الأزمة بين أنقرة وواشنطن.
وقال وزير الخارجية التركي، إن “المنظومة الروسية للدفاع الجوي، ستستخدم في أوقات الطوارئ فقط”.
جاء هذا في الوقت الذي قال فيه رئيس هيئة الصناعات الدفاعية التركية إسماعيل ديمير، إن عملية تسلم منظومة الصواريخ الدفاعية الروسية “أس400″، إلى تركيا قد تبدأ الأسبوع المقبل.
ورأى محللون عسكريون وسياسيون، أن اللقاء الأخير بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ونظيره الأمريكي دونالد ترامب في قمة مجموعة العشرين، شهد تفاهما بين الجانبين على هذا الملف، الذي أدى للتلويح بعقوبات اقتصادية ضد أنقرة، وهدد بإنهاء مشاركتها بتصنيع مقاتلات F35 المتطورة.
حالات الاستنفار
المحلل العسكري العميد أحمد الحمادي، قال إن تركيا اليوم تمر بمرحلة دقيقة، من أجل الحصول على أسلحة كانت ممنوعة عنها سابقا، خاصة أن الولايات المتحدة، لا ترغب بحصولها على صواريخ الباتريوت، في الوقت الذي عرضت فيه روسيا بيع منظومة “أس400” الأحدث.
وأوضح الحمادي لـ”عربي21″، أن أنقرة تريد الشعور بالاستقلالية من الضغط الأمريكي في ملف السلاح، لافتا إلى أن قمة أوساكا باليابان، شهدت تصريحات أقرب للتصالحية، من قبل ترامب، حين قال إن الإدارات السابقة منعت تركيا من الحصول على الباتريوت، ما دفعها لشراء السلاح الروسي.
وأضاف: “هذه الحديث يعني موافقة ضمنية على الصفقة مع روسيا، والوقوف عند نقطة معينة في الضغط الأمريكي”.
ورأى الحمادي، أن تركيا ستمضي بخطة تنويع مصادر التسليح، خاصة الدفاع الجوي والمقاتلات والصواريخ العابرة رغم وضعيتها في الناتو وثقلها. لكن في المقابل، “سيكون هناك آلية عمل وبرمجة خاصة لتشغيل المنظومة الروسية، بحيث توفر الحماية للأجواء، دون التأثير على الآخرين، خصوصا أن هناك قواعد للناتو في تركيا -مثل إنجرليك- تشهد حركة طائرات حربية متواصلة”.
وشدد على أن تركيا دولة أساسية في الناتو، ولن تتخلى عن هذا الحلف، لكن هناك خبراء فنيون في الدفاع الجوي سيعملون على تحديد أولوية التشغيل أو تعطيل المنظومة، وفقا لضرورات الحلف، مشيرا إلى أن وزير الخارجية التركي قال إن المنظومة “ستكون مخصصة لحالات الاستنفار أو الجاهزية القتالية العالية، للدفاع عن البلاد ما يعني أنها لن تعمل في درجات الاستنفار المنخفضة”.
وقال الحمادي إن نصب المنظومة على الأراضي التركية، “لا يعني أنها ستعمل على الفور، وهناك عمليات برمجة ستخضع لها في ما يتعلق بالمسارات الجوية المدنية والتجارية والطيران المعادي”.
ورأى أن اللهجة التصالحية “ستسود المشهد مستقبلا بين الطرفين، خاصة أن الغرب لا يريد خسارة تركيا في الناتو، وتركيا في المقابل تمتلك جيشا تدريبه أقرب للغربي، وتكنولوجيا السلاح فيه غربية، ولا تقارن بأسلحة الشرق من ناحية التكنولوجيا والدقة”.
عرض مغرٍ
من جانبه قال المحلل السياسي، والمختص بالشأن التركي، محمود عثمان، إن العلاقات التركية الأمريكية “تتسم منذ عقود بسلوك خط متعرج، ولم تكن مستقرة أبدا، وفترة رئاسة ترامب ليست حالة جديدة”.
وقال عثمان لـ”عربي21″: “واشنطن تتعاطى مع تركيا عبر مسارين متمايزين، الأول البيت الأبيض والخارجية، والثاني عبر وزارة الدفاع- البنتاغون”.
وأضاف: “خط البنتاغون كان دائما صقوريا، يمارس العنجهية والتعنت مع المطالب التركية، في الشأن العسكري والدفاعي، وتورط في محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016، ورغم تماهي البيت الأبيض مع هذا الخط، إلا أن هناك اختلافات وتوازنات تفضي للتفاهم في نهاية المطاف”.
ورأى عثمان، أنه كان ملاحظا رغم “التصريحات العنيفة” للبيت الأبيض بشأن الصواريخ الروسية، “إدراكه لحاجة تركيا لهذه المنظومة خاصة أنها دفاعية، وليست هجومية، وجاءت بعد تعنت الناتو في منح مثيلتها لأنقرة، في أوج أزمتها مع روسيا قبل سنوات”.
وشدد على أن البيت الأبيض والخارجية الأمريكية، أمام حقيقة البون الشاسع بين العرض الروسي لسعر المنظومة وشروط الشراء والحصول على تكنولوجيا مستقبلية للتصنيع، وبين شروط الناتو في ملف الباتريوت.
وأعرب عثمان عن اعتقاده بأن كافة المعطيات، حين وضعت أمام ترامب على الطاولة، وهو تاجر ينظر بعقلية المال فإنه هنا لا يمكنه القفز عن الحقائق، والأفضل لديه اللجوء لصيغة مع تركيا، بعيدا عن الابتزاز والتصعيد، الذي لم يعد يجدي مع أنقرة اليوم وطريقة إدارتها للملفات الخارجية.
وأضاف: “في اليابان جرى الحديث عن الصفقة وأغلب الظن من التصريحات التي خرجت، أنها أجيزت وهناك محاولة لكسب أنقرة مجددا، لأن خسارتها لصالح معسكر روسيا لن تكون مريحة للناتو”.
وختم بالقول إن العلاقات الأمريكية التركية، في الملف السوري أقرب وأفضل حاليا، منها مع روسيا، “ورأينا هذا في إدلب رغم مشاركة أنقرة في مسار أستانا الذي تعطل وانتهى”.