العملية العسكرية التركية في الشمال السوري.. أبرز الأهداف والمبررات
العملية العسكرية التركية في الشمال السوري.. أبرز الأهداف والمبررات
عاد الحديث مجدداً حول تنفيذ الجيش التركي عملية عسكرية في الشمال السوري، ضد تنظيم “YPG/PKK” الإرهابي الذي يسيطر على مناطق معينة ويشن منها هجمات على مناطق تسيطر عليها المعارضة السورية وتتضمن نقاطاً للجيش التركي أيضاً. تزامناً مع ذلك تُطرح تساؤلات حول مبررات وأهداف أنقرة من القيام بعملية كهذه.
وفي مقال له على موقع “TRT عربي”، قال الكاتب ماجد عزام “مبدئياً، تملك تركيا الحقّ الأخلاقي والقانوني في تنفيذ العملية وفقاً للبند 50 من ميثاق الأمم المتحدة الذي يعطيها حقّ الدفاع المشروع عن أمنها ومصالحها في مواجهة التهديدات الإرهابية من قبل الذراع السورية لتنظيم PKK الإرهابي حسب التصنيفات كافَّةً المحلية والقارِّية والدولية.”
وأشار أنه وبغض النظر عن التسميات على اختلافها -قسد أو PYD أو YPG- لا تنفي حقيقة “أننا أمام إطار واحد يمثّل الذراع السورية لتنظيم PKK الذي يدار من معقل التنظيم في جبال قنديل شمال العراق.”
وأضاف الكاتب أن “تركيا تملك كذلك الحق المشروع في تنفيذ العملية وفقاً لاتفاقية أضنة مع الدولة السورية -نهاية تسعينيات القرن الماضي- التي تعطيها الحق في ملاحقة الإرهابيين داخل الأراضي السورية نفسها، مع العلم أن الاتفاقية لا تزال سارية المفعول مع الدولة السورية الباقية ولو سقط نظام بشار الأسد أخلاقياً وسياسياً، وفقد شرعيته.”
وأكد أن “تركيا تملك الحق السياسي أيضاً لتنفيذ العملية وفق التفاهمات التي أبرمتها مع أمريكا وروسيا بصفتهما قوى الأمر الواقع في سوريا، التي وقفت بناءً عليها عملية نبع السلام 2019، إذ تعهدت أمريكا شرق الفرات وروسيا غربه بإبعاد عناصر التنظيم الإرهابي إلى عمق 30 كم من الحدود، ومنعهم بالتالي من تهديد الأراضي والمصالح التركية، وهو ما لم يحدث إذ لا يزال الاستهداف مستمرّاً لوحدات المراقبة التركية والمناطق الحدودية، ومواقع وأهداف مدنية في الأراضي السورية المحررة بما في ذلك الأسواق والتجمعات الشعبية وبِنىً تحتية وصحية وخدميَّة أخرى.”
وفيما يلي النص الكامل للمقال:
وفيما يخص الإحاطة الشاملة بقواعد وأسس العملية المرتقبة كالعمليات الثلاث التي سبقتها (“درع الفرات” 2016، و”غصن الزيتون” 2018، و”نبع السلام” 2019) فأولها وأهمها بالطبع أن تركيا هي الدولة الوحيدة التي حاربت ولا تزال التنظيمات الإرهابية بلا تمييز أو تفضيل بينها سواء كانت داعش أو PKK، ولم يدفع أحد مثلها أثمان تلك الحروب كما قال عن حقٍّ أمينُ عامّ الناتو ينس ستولتنبرغ على هامش زيارته للسويد الاثنين الماضي. كما أن القضاء نهائياً على وهم الممر الانفصالي الإرهابي على حدودها هو حق أصيل وسيادي لها، ويمثّل مصلحة مشتركة مع السوريين وقواهم الحية ويُبقِي الأفق مفتوحاً أمام حلّ سياسي عادل في سوريا وفق الشرعية الدولية وقراراتها ولو بعد حين.
أما تفاصيل وحيثيات العملية المرتقَبة فقد كانت لافتة جداً إشارة الرئيس رجب طيب أردوغان أنها ستستهدف أولاً مدينتَي منبج وتل رفعت غرب الفرات الخاضعتين لسيطرة الذراع السورية لتنظيم PKK الإرهابي، علماً أن الواقع الراهن في هاتين المدينتين يكاد يختصر المشهد في سوريا كلها، تحديداً دعم القوى الدولية المختلفة للتنظيمات الإرهابية فيها.
في منبج رفضت الولايات المتحدة التعاون مع تركيا والجيش السوري الحر في العام لتحريرها من تنظيم داعش في عام 2016، وأصرت على التعاون مع الفرع السوري للتنظيم الإرهابي، فيما قدّم الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما وعداً صريحاً لتركيا بانسحاب الإرهابيين وإعادة المدينة إلى أهلها بمجرَّد طرد داعش منها، وهو ما لم يحدث حتى الآن إذ لا يزال PKK يسيطر عليها ويتلقّى أنواع الدعم والتغطية كافَّةً من واشنطن رغم تماهيه التامّ مع نظام بشار الأسد وممارساته التعسفية وانتهاكاته المنهجية لحقوق مَن تبقى فيها من أهلها بما في ذلك التجنيد الإجباري والإخفاء القسري للمعارضين الرافضين احتلاله المدينة.
نفس الواقع تقريباً حدث في تل رفعت التي احتلها التنظيم الإرهابي في العام نفسه بعدما قاتل الجيش السوري الحر بدعم من الطيران الروسي إثر القطيعة التي سادت العلاقات بين موسكو وأنقرة إثر إسقاط الطائرة الروسية أواخر العام 2015، ورغم تحسن العلاقات بين الطرفين وتقديم روسيا وعوداً عديدة أيضاً بإخراج التنظيم الإرهابي منها وتسليمها لأهلها وأصحابها الأصليين فإن شيئاً لم يتغير على الأرض، علماً أنها تحيط بالمدن المحررة في الباب وجرابلس وعفرين، ومنها يستهدف إرهابيو PKK بقصف عشوائي نقاط المراقبة التركية والمدنيين في تلك المنطقة.
تنقلنا المعطيات السابقة مباشرة إلى البيئة السياسية المؤاتية أمام تركيا لتنفيذ العملية العسكرية المرتقبة، إذ يبدو الموقف الروسي رغم اللهجة المعارضة ولكن الدبلوماسية والهادئة أقرب إلى تفهُّم الهواجس التركية، وبعد زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لأنقرة الأسبوع الماضي إثر إغلاق الأجواء الأوربية أمامه بدا أن للعملية وأهدافها تأييداً روسياً ضمنياً. وموسكو لن تضع العراقيل السياسية والعسكرية أمامها، بخاصة مع استنزافها في أوكرانيا وإعادة نشر قواتها في سوريا التي لم تعُد أولوية لها. أما موقف أمريكا والغرب عموماً ورغم إعلان رفض العملية والتحذيرات الدبلوماسية من تبعاتها فإنهم ليسوا في وضع يسمح لهم بعرقلتها، بخاصة مع تفهُّم موقف تركيا من قصة انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو، وهواجسها الأمنية المشروعة وحقها في محاربة الإرهابيين، كما قال أمين عامّ الناتو أيضاً.
وعليه، تبدو البيئة السياسية والعسكرية والميدانية عموماً مؤاتية أمام تنفيذ العملية المرتقبة، بخاصة بعد تنفيذ عملية “المخلب-القفل” ضد معاقل التنظيم الإرهابي في العراق، التي أغلقت عليه طرق تواصله مع ذراعه في سوريا، وهي باتت بالعموم مسألة “متى؟” وليس “هل؟”، وخروجها للنور قد يكون قريباً جداً في الأيام والأسابيع القادمة وبالتزامن في تل رفعت ومنبج معاً لتشتيت العناصر الإرهابية واستنزاف قواها، وبمجرد انطلاقها ستتحقق أهدافها مباشرة لجهة إبعاد الإرهابيين عن الحدود والقضاء نهائياً على وهم الكيان الانفصالي الإرهابي، وضمان عودة نصف مليون على الأقلّ من النازحين والمهجّرين السوريين إلى المدينتين ومحيطهما، وتوسيع المنطقة الآمنة لعودة آخرين، بما يخلق سيرورة مشجعة للانتقال إلى شرق الفرات، تحديداً مدينة عين عيسى الاستراتيجية حتى الحدود مع العراق.