ارتفعت 5 أضعاف منذ 2014.. ماذا وراء العراقيل الأوروبية لحصول الأتراك على تأشيرة شنغن؟
ارتفعت 5 أضعاف منذ 2014.. ماذا وراء العراقيل الأوروبية لحصول الأتراك على تأشيرة شنغن؟
تشير تقارير رسمية إلى أن معدلات رفض منح تأشيرة شنغن للمواطنين الأتراك ارتفعت خمسة أضعاف تقريباً منذ عام 2014، الأمر الذي انعكس مؤخراً على تصريحات كبار المسؤولين الأتراك، وفي مقدمتهم الرئيس رجب طيب أردوغان، ما يعني أن الأزمة وصلت إلى درجة كبيرة، الأمر الذي يطرح تساؤلات عما وراءها من أسباب.
وبحسب تقرير لـ “TRT WORLD”، فقد تقدم خلال عام 2021، ما لا يقل عن 239,099 شخصاً من تركيا بطلب للحصول على شكل من أشكال تأشيرة شنغن، ورُفض 30,444، بنسبة تزيد على 16.5 بالمئة مقارنة بـ4 بالمئة عام 2014. ووفقاً لتقرير قدمته تركيا للجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا (PACE)، تعمل دول الاتحاد الأوروبي عن عمد على تعقيد عملية التأشيرة.
وأفاد المواطنون الأتراك بأنهم يواجهون طوابير طويلة للحصول على تأشيرة شنغن في ظل توافر حصص محدودة، ورسوم تقديم عالية غير قابلة للاسترداد، وأوقات معالجة أطول بسبب تدقيق زائد على الحد. ووفقاً لتقارير “SchengenVisaInfo.com ” فإن معظم البلدان ليست لديها مواعيد متاحة، وأولئك الذين يفعلون ذلك، إما يستغرقون وقتاً طويلاً لمعالجة الطلبات، وإما ببساطة يرفضونها. ومن بين 26 دولة من دول شنغن، كانت فنلندا هي الأكثر احتمالاً لرفض المتقدمين من تركيا عام 2021 بنسبة 39.45 في المئة، تليها النرويج بـ38.4 في المئة، وهولندا بـ26.7 في المئة، والسويد بـ26.2 في المئة.
أسباب غير منطقية
تبدو أسباب رفض التأشيرات، في كثير من الأحيان، غير منطقية لمقدمي الطلبات، ولو قُدّمَت. أحد الأسباب الأكثر شيوعاً لرفض التأشيرة هو أن مقدم الطلب قدّم تفسيراً غير كافٍ لغرض وظروف إقامته المخطَّط لها. بعبارة أخرى، توجد “شكوك” بشأن تجاوز المتقدمين مدة التأشيرة. لكن يبدو أن هذه الشكوك غالباً ما تستند إلى التفسير الذاتي لموقف المرشح، فغالباً ما يُتغاضى عن المستندات التي تثبت خلاف ذلك، كما يشرح مقدمو الطلبات لـTRT World. كان هذا هو حال الطالبة التركية البالغة من العمر 23 عاماً والتي رغبت في التدرُّب لمدة شهرين في المعهد الهولندي الدولي للتاريخ الاجتماعي كجزء من برنامج التبادل الطلابي التابع للاتحاد الأوروبي المسمّى Erasmus.
على الرغم من احتواء طلبها التأشيرة على عديد من المستندات الرسمية لدعم قضيتها، مثل منحة Erasumus، واتفاقية عملها من المؤسسة، واتفاقيتها لتعلم Erasmus، صرحت الجهات المختصة الهولندية بأن “الغرض من الدخول إلى البلاد لم يُحدَّد بوضوح”.
كما أوضحت رسالة الرفض التي قدمتها أن هولندا لديها شكوك في أن الطالبة ستعود إلى تركيا عند نهاية فترة التدريب، فقد “شدّدَت خصوصاً على مخاوف الهجرة غير الشرعية”.
قالت الطالبة التركية: “لقد ضمّنتُ أيضاً قبولي في درجة الماجستير بجامعة SOAS في لندن. كان هذا دليلاً إضافياً على أنني سأعود إلى تركيا، لكنني لا أعتقد أن مسؤولي التأشيرات يفحصون ملفات المواطنين الأتراك بشكل صحيح”. وأضافت: “على الرغم من أن هدفي من الذهاب هو مجرد تدريب جامعي، وقد وضعت كثيراً من الوثائق حول هذا الموضوع، فقد صادفت (هذا) الجواب، كأن هدفي من الذهاب غير واضح، كأنني كنت أمزح”.
تحدثت TRT World إلى أتراك آخرين يواجهون مواقف مماثلة، وقد عبّروا عن إحباطهم من فقدان فرص العمل والتعليم، وعدم قدرتهم على زيارة الأصدقاء والعائلة في الخارج أو السفر في إجازة.
على الرغم من دراستها في السويد من أجل برنامج Erasmus، وزيارتها منطقة شنغن بانتظام لمدة عامين، فإن هازال، التي فضلت عدم الكشف عن اسم عائلتها، رُفضت تأشيرتها عندما تقدمت بطلبها هذا العام، تحديداً في يناير/كانون الثاني. ورغم أنها عادت إلى تركيا كل مرة، فإن الدولة الأوروبية برّرَت رفضها بأنها لم تحدّد “أسباباً كافية” لعودتها إلى بلدها الأم.
“جوابهم هذا يعني أنني بائسة للغاية وأن بلدهم مصنوع من الذهب والفضة، لذا فأنا بحاجة إلى البقاء هناك. وهذا يعني أنني سأخالف القانون واللوائح لأبقى هناك. لا، لا أريد العيش هناك، أنا سعيدة بعملي وحياتي هنا”، تضيف هزال، وتؤكّد في ذات الوقت أن الرفض كان “مخيّباً للآمال للغاية”، لأنها رأت أن دول شنغن “ذات الوجهين” تسوّق نفسها أمام العالم من خلال الدعوة إلى حرية الحركة والحقوق الفردية، مع ذلك تعمل على إبعاد الأتراك. وتضيف: “لقد صُدمتُ عندما رأيت أن كل هذه الادعاءات مجرد أكاذيب في النهاية، أو أنها كانت حكراً لشعوبهم”.
بصرف النظر عن الجانب العاطفي من القصة، فإن التقدم بطلب للحصول على تأشيرة شنغن يمثّل أيضاً عبئاً على محفظة المتقدمين. فوفقاً لموقع شنغن فيزا، تبلغ التكلفة القياسية غير القابلة للاسترداد لتقديم الطلب وحده نحو 80 دولاراً للبالغين و40 دولاراً للأطفال الذين تتراوح سنّهم بين 6 أعوام و12 عاماً.
عبء مالي
إلى جانب الرسوم، يتطلب الحصول على تأشيرة شنغن عديداً من المستندات التي يمكن أن تزيد الأعباء المالية للحصول عليها، مثل إثبات تذاكر الطيران ذهاباً وإياباً، والتأمين على الإقامة والسفر، مما يكلف الشخص، خصوصاً الطلاب الذين يعانون من الميزانية، من 20 إلى 30 دولاراً لمدة تصل إلى ثمانية أيام فقط.
قد يفرض عديد من مراكز طلبات التأشيرة، مثل VFS Global، أيضاً رسوم خدمة إضافية على المتقدمين، مثل حجز موعد أو خدمات متميزة تشمل اختيار مواعيد في أوقات الذروة وخدمة البريد السريع لإعادة جوازات السفر.
“لا أعرف مقدار (المال) الذي خسرته في تلك المرحلة”، تقول هازال. “إنهم يفرضون علينا رسوماً لطلب التأشيرة وإذا لم نحصل على التأشيرة فإننا نخسر هذه الأموال بالتأكيد. يفرضون عليها الحصول على التأمين الصحي، وهي طريقة أخرى نرمي بها الأموال في القمامة”.
“كان ينبغي لي أن أحجز تذكرتي أيضاً، وبعد ذلك عندما ألغيتها، خسرتُ مبلغاً كبيراً من المال. لقد ادّخرتُ بعض المال من عملي السابق الذي أهدره تماماً في طلب تأشيرة كان من المتوقع أن تُرفَض”.
على صعيد متصل، تشكو الشركات التركية أيضاً عدم قدرتها على الحصول على تأشيرات لحضور الفاعليات والاجتماعات والمعارض التجارية، مما يؤثّر في فرص أعمالها مع أكبر شريك تجاري للبلاد، وهو الاتحاد الأوروبي.
“تبدو أسباباً سياسية بحتة”
قال رئيس وفد الاتحاد الأوروبي إلى تركيا نيكولاس ماير لاندروت، لوكالة رويترز للأنباء، إن القرارات المتعلقة بطلبات شنغن لا تُتّخذ “على أسس سياسية، بل على أسس موضوعية”. وأضاف أن “عدداً متزايداً من الطلبات غير المكتملة والاحتيالية جاء من تركيا”، ومع ذلك، يؤكد تونكاي يالتشين، مستشار للحصول على التأشيرات صاحب خبرة لمدة 28 عاماً، لـTRT World، أنه “لا مشكلة في العمل الورقي”.
“أعتقد أنه سياسي بالكامل”، يضيف يالتشين، “بصفتنا وكالة، بدأنا نقول إنه بغضّ النظر عن المستند الذي نقدّمه، لدينا الآن فرصة بنسبة 50 بالمئة (للحصول على التأشيرة) لعملائنا وضيوفنا”، وفق قوله.
ويضيف: “على الرغم من أن جميع المستندات جاهزة وصالحة، يُرفَض المتقدمون، لهذا يُقدَّم الرفض غير المبرَّر والمشكوك فيه. تشير بطاقات الرفض الممنوحة لنا مع المستندات إلى أن الغرض من السفر غير قابل للتصديق بغضّ النظر عن المستند الذي نقدّمه”. ويختم بقوله: “لقد شهدنا على رفض طلب رجل أعمال حتى مع وجود مستندات صالحة تماماً، على الرغم من منحه 10-15 تأشيرة شنغن سابقة واستخدامها بشكل صحيح، لهذا أعتقد أنهم يرفضون التأشيرات لأسباب سياسية بحتة”.
وهذا ما تَوافَق عليه مقدمو الطلبات في أثناء حديثهم مع TRT، إذ يرون أن أسباب رفض التأشيرات لا تعدو كونها سياسية بحتة.
تقول هزال: “يمكن أن يكون موقفاً سياسياً ضد تركيا أيضاً لأنني أعلم أنه بينما رُفضت استمرّت السويد في قبول أشخاص من الهند بأعداد كبيرة. لذلك يمكن اعتبارها دولة ترفض قبول أشخاص من دولة واحدة على وجه التحديد”.
كما اتّخذ وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو موقفاً بشأن هذه القضية في أغسطس/آب الماضي، ودحض مزاعم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بأن معدلات الرفض كانت مرتبطة بأسباب مثل تدابير فيروس كورونا أو نقص الموظفين.
وقال جاوش أوغلو في أغسطس/ آب: “لسوء الحظ، تمنح الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية في الاتحاد الأوروبي وغير الأوروبي مواطنينا مواعيد تأشيرات بعد عام، و6-7-8 أشهر، كما زادوا معدل الرفض، وهذا مخطط ومدروس”.
وأضاف جاوش أوغلو أن تحركات التأشيرة تستهدف حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، بهدف وضع الحكومة في موقف صعب قبل الانتخابات المقرر إجراؤها في يونيو 2023.
وقال إن أنقرة ستحذّر سفراء بعض الدول الغربية بشأن هذه القضية، و”إذا لم يتحسن الوضع بعد ذلك فسوف نتخذ إجراءات مضادة وتقييدية”.