“هاكان فيدان” يتحدث عن تغيير السياسة الخارجية لتركيا
"هاكان فيدان" يتحدث عن تغيير السياسة الخارجية لتركيا
إن رؤية أنقرة “قرن تركيا” التي كشف عنها الرئيس رجب طيب أردوغان العام الماضي، قبل الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية، هي مبدأ توجيهي للحكومة الجديدة، التي تولت مهامها بعد انتخابات مايو/أيار. ويقول وزير الخارجية هاكان فيدان، وهو مسؤول متمرس في الشؤون الخارجية والاستخبارات، إنهم يعملون على تغيير السياسة الخارجية لتركيا كجزء من هذه الرؤية.
وفي مقال كتبه لمجلة Insight Turkey، وهي منشورات مؤسسة البحوث السياسية والاقتصادية والاجتماعية (SETA)، ذكر فيدان أنه في مواجهة حقبة معقدة من التحديات العالمية، تبرز تركيا كدولة إقليمية بناءة وعنصر فاعل في تحويل النظام يسعى جاهدا من أجل نظام دولي أكثر شمولا وكفاءة. وتعكس تصريحاته دعوة أردوغان المتكررة لإجراء إصلاحات كبرى في المؤسسات الدولية، وعلى وجه التحديد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، من أجل ” عالم أكثر عدالة “.
“ستواصل تركيا تأمين مصالحها الوطنية في بيئة إقليمية وعالمية متقلبة بينما تعمل على تشكيل الظروف الملائمة للسلام والتنمية المستدامين في جوارها وخارجها. وستعمل على إضفاء الطابع المؤسسي على علاقاتها الخارجية هيكليا، وتطوير بيئة من الرخاء وتعزيز أهدافها العالمية. وستكون وزارة الخارجية هي القوة الدافعة في كل هذه الجهود، بناءً على تقاليدها الممتدة لقرون طويلة وستمر بتحول تنظيمي لضمان التنفيذ السريع والكامل لرؤية “قرن تركيا”.
وأشار فيدان إلى أنه وسط التحديات المتعددة، برزت تركيا “مرة أخرى كقوة من أجل الخير، مع إدراك متزايد بالمسؤولية على الساحة الدولية”.
تولى الوزير منصبه في وقت كانت فيه تركيا في ذروة دورها كلاعب عالمي، تتوسط في الأزمات، وتشكل علاقات جديدة، وتعيد إحياء تلك التي تعثرت في السنوات الأخيرة. وقال فيدان إن تركيا برزت باعتبارها “حلاً للمشكلات، ومحسنًا للنظام، وممثلًا تحويليًا في المنطقة والشؤون الدولية”.
واعترف بأن مهمة صعبة تنتظر تركيا للمساهمة في نظام دولي جديد تتصوره، وهو نظام يتجاوز القطبية وقادر على مواجهة التحديات العالمية والإقليمية الحالية ويقوم على التضامن. وكتب يقول: “تركيا مستعدة للتعاون مع الدول الأخرى للدفاع عن قيمنا المشتركة والوفاء بمسؤولياتنا المشتركة في إنشاء نظام دولي شامل وفعال يعطي أولوية عالية لرفاهية الإنسان، ويعالج الفوارق الاقتصادية، ويعزز السلام والأمن والاستقرار والازدهار العالمي”.
وقد وضع فيدان الأهداف الرئيسية لسياستهم الخارجية في “قرن تركيا” على أنها “حماية مصالح تركيا في بيئة إقليمية وعالمية متقلبة، وفي الوقت نفسه تشكيل الظروف اللازمة لتحقيق السلام والتنمية المستدامين في جوارنا الأوسع”. وقال إن تلك “أهداف متكاملة وتتطلب استراتيجية شاملة ومتكاملة”. وأضاف: “إن إرساء السلام والأمن في منطقتنا، ومواصلة إضفاء الطابع المؤسسي على علاقاتنا الخارجية على أساس هيكلي، وتطوير بيئة من الرخاء وتعزيز أهدافنا العالمية هي المبادئ الأساسية لهذه الاستراتيجية”.
الدعم الأمريكي لتنظيم بي كي كي
فيما يتعلق بالسلام والأمن، أشار فيدان إلى أن الإرهاب يمثل أكبر تهديد للسلام والأمن الإقليميين في المنطقة الأوسع لتركيا. وشدد على أنه “تم استغلال الإرهاب كأداة للحروب بالوكالة في سوريا وشمال أفريقيا ومنطقة الساحل وأماكن أخرى”. وانتقدت تركيا بشدة حليفتها الولايات المتحدة لدعمها الجناح السوري لتنظيم بي كي كي، الواي بي دي، الذي استهدف ويستهدف المدنيين وقوات الأمن.
إن التزام تركيا بهذه المعركة يتجاوز مجرد الكلام. نحن الحليف الوحيد في حلف شمال الأطلسي الذي يملك قواتاً على الأرض في الحرب ضد داعش. في الوقت نفسه، نحارب الأجندة الانفصالية لمنظمة بي كي كي/واي بي دي الإرهابي وفروعها، التي لا تحصد أرواح الأبرياء فحسب، بل تهدد أيضًا سيادة جيراننا وسلامتهم الإقليمية. كما نواصل جهودنا الحثيثة ضد المنظمة الإرهابية الانقلابية (غولن). وتتمتع تركيا بالإصرار والقدرة على خوض هذه المعارك في وقت واحد. ونحن نحافظ على التزامنا الراسخ بمكافحة الإرهاب وسنواصل الاضطلاع بدور رائد في المبادرات الدولية في هذا المجال.
وقال فيدان في مقاله: “لكن تصميمنا لا يعفي الآخرين بأي حال من مسؤولياتهم”.
وقال إن الهدف الآخر لتركيا هو “إضفاء المزيد من الطابع المؤسساتي على علاقاتنا الخارجية على أساس هيكلي. وهذا الهدف ذو شقين أيضًا: تعزيز علاقاتنا الإستراتيجية الحالية وإقامة علاقات جديدة”. وسلط الضوء على الشراكة الاستراتيجية طويلة الأمد مع الولايات المتحدة باعتبارها حليفًا في الناتو “ب الرغم من بعض وجهات النظر المختلفة”.
“في الفترة المقبلة، سنسعى جاهدين لتعزيز تعاوننا مع الولايات المتحدة في مجموعة واسعة من المجالات وعلى أساس المصالح المشتركة، لأنه أمر بالغ الأهمية للحفاظ على السلام والأمن في جوارنا وخارجه. مع ذلك فإن الشرط الذي لا غنى عنه لمثل هذا التعاون هو روح التضامن بين الحلفاء. وهذا يتطلب تعزيز الأمن القومي لبعضنا البعض، وليس تقويضه”، في إشارة على ما يبدو إلى الدعم الأمريكي لبي كي كي/واي بي دي.
أولوية الاتحاد الأوروبي
وأشار فيدان أيضًا إلى أن عضوية الاتحاد الأوروبي تظل أولوية استراتيجية بالنسبة لتركيا: وقد اقترح الرئيس أردوغان إحياء العلاقات المتوقفة مع الاتحاد الأوروبي على طريق انضمام تركيا على هامش قمة الناتو الصيف الماضي. لكن رد فعل الاتحاد الأوروبي الفاتر إلى حد ما والتطورات التي تلت ذلك على جبهة الاتحاد الأوروبي ضد تركيا أثار غضب أنقرة. “لقد اكتسب التوسع في أعضاء الاتحاد زخمًا مرة أخرى بسبب الجغرافيا السياسية، لذا فإن إهمال الطلب التركي بالانضمام لن يكون سوى خطأ استراتيجي. لقد أثارت السنوات الطويلة من المفاوضات مع نظرائنا في الاتحاد الأوروبي مسألة ما إذا كانت مفاوضات انضمام تركيا لا تتقدم على أساس منهجية قائمة على الجدارة وما إذا كانت سياسات الهوية أو حجم سكان تركيا هو الذي يشكل تناقض الاتحاد تجاه تركيا. يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى التمسك بمبدأ العقد شريعة المتعاقدين والحفاظ على عملية انضمام قائمة على الجدارة نحو مستقبل مشترك بدلا من النظر إلى تركيا كمنافس في مجالات مختلفة وشريك في المعاملات في أعقاب التحديات التي لا يستطيع مواجهتها بمفرده. ونتوقع أن يتبنى الاتحاد الأوروبي أخيرًا نهجًا ذا رؤية وأن يبدأ سريعًا في الوفاء بالتزاماته التي تم إهمالها منذ فترة طويلة تجاه بلدنا. ومن ناحية أخرى، بدأنا بالفعل في إعطاء دفعة جديدة لجهودنا الإصلاحية”.
الالتزام التركي
في السنوات الأخيرة، سعت تركيا إلى مزيد من المشاركة مع منظمة الدول التركية (OTS)، وهي كتلة جديدة نسبيًا مستمدة من التراث المشترك للدول التركية. ووصفه فيدان بأنه مشروع تطلعي وواعد. وقال: “إنها مثال رئيسي على جهودنا من أجل إضفاء طابع مؤسساتي أقوى على العلاقات الخارجية”.
“تلعب المنظمة دورًا رئيسيًا في تعزيز وحدة وتضامن العالم التركي من خلال تعزيز الثقة المتبادلة وتكثيف التضامن السياسي وتسريع فرص التعاون الاقتصادي والفني في العالم التركي، فضلاً عن تعزيز تراثنا التاريخي والثقافي المشترك. إن استعداد العديد من البلدان والمنظمات الإقليمية للتعامل مع منظمة الدول التركية هو شهادة على نجاحها بالإضافة إلى إمكاناتها. هناك إمكانات هائلة غير مستغلة لمنظمة الدول التركية؛ وتدعو “الرؤية العالمية التركية 2040″، التي تم اعتمادها في القمة الثامنة في إسطنبول عام 2021، إلى مزيد من التعاون المؤسسي. وتماشيًا مع هذه الدعوة، ستواصل تركيا تعزيز هذه المنظمة في سعيها لتحقيق مستويات أعمق من التكامل. في هذا الصدد”.
وذكر الوزير أن السياسة الخارجية لتركيا أعيد تشكيلها لمواجهة التحديات المعقدة في القرن الجديد.
“في مواجهة التحديات الملحة، تدرك تركيا أهمية تحمل المسؤولية باعتبارها جهة فاعلة في بناء النظام على الساحة الدولية وستواصل العمل وفقًا لذلك. وستكون في طليعة الجهود الرامية إلى إقامة نظام دولي أكثر شمولا وفعالية استنادا إلى قيمها الوطنية المتأصلة. إن تحول وزارة الخارجية لتحقيق هذه الغاية يدل على الالتزام بالتكيف مع الديناميات العالمية المتغيرة، وتحسين الكفاءة التنظيمية ومواصلة تعزيز القدرات الدبلوماسية. ومن خلال تحسين التنسيق والتعاون، تسعى تركيا إلى تقديم أجندة موحدة ومتماسكة للسياسة الخارجية على الساحة العالمية. وتطمح إلى أن تكون منارة للاستقرار والازدهار والعدالة، والمساهمة في نظام عالمي أكثر إنصافا وأمنا”.