فجّروا جدراناً وأنفاقاً للوصول إلى كنيسة يعتقدون أن بها “كأس العشاء الأخير” للمسيح.. صائدو الكنوز عادوا لقرية فرنسية بحثاً عن الكنز الخفي
هاف بوست / تركيا بالعربي
على مدار 50 عاماً، جعلت حكايات الذهب المدفون المؤمنين بنظرية المؤامرة الفضوليين وصائدي الكنوز، يقصدون قرية رينيه لوشاتو الصغيرة، الواقعة فوق إحدى التلال قرب مدينة كاركاسون أو قرقشونة جنوب فرنسا.
ونقَّب الكثيرون أو استخدموا الديناميت للحفر تحت وحَول كنيسة سانت ماري مجدولين (القديسة مريم المجدلية)، حيث يُشاع أنَّ القس السابق الغامض آبي بيرنجر سونيير، الذي كان فقيراً وأصبح واسع الثراء، دفن كنزاً من العملات الذهبية والمجوهرات قبل أن يموت ويُدفَن معه سر المكان الذي وضع به الكنز.
وعلى مدى عقود، لم يُعثَر على شيءٍ سوى الجماجم والعظام، لكنَّ المنقِّبين عن الذهب لا يزالون يأتون، جالبين معهم معداتهم ومتفجراتهم إلى رينيه لوشاتو، متجاهلين حظراً فُرِض في الستينيات على أعمال التنقيب غير المُرخَّصة، بعد شكاوى من أنَّ القرية تحوَّلت إلى “قطعة جبنٍ سويسرية” مليئة بالحفر والفجوات.
واستُدعيت الشرطة الأسبوع الماضي؛ للتحقيق في آخر موجة من أعمال التخريب: حفرة كبيرة تحت جدار الكنيسة، وفق ما ذكرته صحيفة الغارديان البريطانية.
ما هو الكنز المدفون؟
ظهرت أسطورة الكنز الغامض المخفيّ في رينيه لوشاتو في الخمسينيات، وعزَّزها ذلك التاريخ النابض المبهر لمقاطعة لانغيدوك والشائعات حول أنَّها لا تخفي داخلها أواني ذهبية وحسب؛ بل تخفي أيضاً آثاراً دينية مقدسة، منها الكأس المقدسة (التي يُقال إنَّ المسيح استخدمها في العشاء الأخير)، وتابوت العهد (الذي حُفِظَت به ألواح العهد وفقاً للرواية اليهودية).
تعود جذور البحث عن الكنوز في تلك المنطقة إلى ثمانينيات القرن التاسع عشر، حين بدا أنَّ سونيير، وهو قسٌ كاثوليكي فقير، أصبح ثرياً لدرجةٍ مكَّنته من الإنفاق ببزخٍ لتجديد الكنيسة. وقبل وفاته عام 1917، رفض القس البوح بمصدر ثرائه المفاجئ.
التنقيب في المقابر ومجاري الصرف
وفي سبعينيات القرن الماضي، وصل الهوس بقرية رينيه لوشاتو أَوجه، بعدما استخدم صائدو الكنوز المتفجرات لهدم الجدران الحجرية وشق طريقهم خلالها، والتنقيب في المقابر ومجاري الصرف، وشق أنفاق إلى داخل الكنيسة، قبل أن يرحلوا خالي الوفاض.
وبسبب هذا الضرر الناجم عن التنقيب في القبور، اضطُر العمدة المحلي آنذاك، جان فرانسوا لويليه، إلى إخراج جثمان القس سونيير ودفنه من جديد. وقالت لويليه لكيم ويلشر، مراسلة “الغارديان” في فرنسا وكاتبة هذا التقرير، في 2004، متحدثة عن الجثمان: “إنَّه يرقد في سلام أخيراً داخل تابوتٍ يزن 3 أطنان ومحاطاً بـ5 أمتار مكعبة من الخرسانة”.
ثُمَّ، وبعدما حلَّ نوعٌ من السلام على رينيه لوشاتو، أعاد أفضل روايات الكاتب دان براون مبيعاً، رواية “شيفرة دافنشي-The Da Vinci Code” -التي تتضمَّن حبكتها الروائية ادعاء أنَّ المسيح لم يمت على منصة الصلب؛ بل نجا وتزوَّجَ مريم المجدلية وفرَّ إلى فرنسا- إحياء المعضلة. وكان اسم أحد الشخصيات الرئيسية في الرواية المثيرة هو جاك سونيير.
قال نائب عمدة رينيه لوشاتو، مارسيل كابتييه، إنَّ الحفرة الأخيرة الناجمة عن عمليات التنقيب أيقظت ذكرياتٍ سيئة لهجماتٍ سابقة قام بها المخربون. وقال كابتييه لصحيفة لوباريزيان الفرنسية: “قبل كل شيء، يجب ألا يبدأ هذا النوع من الأمور في الحدوث مجدداً. لا نرغب في أن نجد أنفسنا أمام موجةٍ أخرى من صائدي الكنوز”.
وقد خلُص معظم المؤرخين إلى أن الكنز لم يكن موجوداً قط، وأن سونيير جمع المال بوسائل إجرامية، منها الاستيلاء على تبرعاتٍ وفرْض رسوم على القُداسات التي أُقيمت بالكنيسة. وهناك روايةٌ أخرى أقل إثارةً تقول إنَّ أحد مسؤولي الفنادق المحليين، الذي كان يندب حظه؛ بسبب قلة النزلاء وفشله في العثور على أي كنز، هو مَن اختلق القصة.