حماية حدود تركستان الشرقية! هنا سنشهد “اللعبة الكبرى الثالثة”. يقولون لنا “ادخلوا تحت مظلة حماية الغرب أو الشرق” لكننا لن نطأطئ رؤوسنا أبدًا!
يقول الخبر إن الولايات المتحدة بدأت نقل عناصر داعش من سوريا والعراق إلى المناطق القريبة من الحدود الصينية، أي مناطق تركستان الشرقية. وأما الصين فستبني قاعدة عسكرية في طاجيكستان. وإننا لنسمع وقع أقدام تصفية حسابات مثيرة للدهشة بين واشنطن وبكين ستؤثر على منطقة شرق تركستان التي تشمل تركستان الشرقية وطاجيكستان وأفغانستان.
ربما يكون هذا خبرًا عاديًّا أو خبرًا لا يهم سوى المهتمين بالقضايا الأمنية. وربما يكون دعاية أمريكية أو صينية، أو حسابات لنشر حالة من التوتر في المنطقة من خلال داعش. ربما يكون الكثير من الأشياء… لكن هذا الخبر ليس بهذا القدر فحسب؛ إذ علينا أن نكون حذرين ونتوقع العواقب المستقبلية لهذا التطور الذي ربما يبدو تافهًا.
“اللعبة الكبرى الثالثة” تبدأ في تركستان بين أمريكا والصين
عقب حالة التنافس التي وقعت بين روسيا وبريطانيا في أفغانستان وسجلها التاريخ تحت عنوان “اللعبة الكبرى”، شهدت أفغانستان كذلك حالة من تصفية الحسابات الكبرى بين الولايات المتحدة وروسيا (الاتحاد السوفيتي آنذاك). وقد بدأ احتلال أفغانستان عام 1979، أعقبته حالة من المقاومة، ومن ثم تصفية حسابات شرسة على أراضي دولة إسلامية، وهي تصفية الحسابات التي انتهت مع انهيار الاتحاد السوفيتي. وقد أطلق على هذه الوتيرة “اللعبة الكبرى الثانية”.
واليوم تبدأ “اللعبة الكبرى الثالثة” بين الولايات المتحدة والصين، وهي تصفية الحسابات التي ستجري على أراضي أفغانستان وطاجيكستان وتركستان الشرقية، أي أن منطقة شرق تركستان ستشهد حرب هيمنة بين قوتين عالميتين عظميين.
وأين سنقف نحن؟
كيف سيكون كلامنا وقوتنا؟
لن أتطرق لتفاصيل التنافس بين أمريكا والصين، فهذا موضوع مقال أو مقالات أخرى، لكن ما يهمني هنا هو ما سيحدث في شرق تركستان وكيف سننظر إلى هذه التطورات بصفتنا أبناء هذه المنطقة من المسلمين وأبناء العالم التركي؟
كيف سيكون رد فعلنا؟ هل سنقف في صف واشنطن؟ أم سنتحرك وفق أولويات بكين؟ أم أننا سنكشف عن موقفنا ونظرتنا وأولوياتنا الخاصة لنتحرك وفقا لها؟ هذا ما يهمنا.
لم تكن أي من هذه المعارك معركتنا
لقد استغلوا ضعفنا
في الواقع لم يكن تخصّنا أبدًا كل الأزمات التي عشناها في مختلف البلدان من أدغال أفريقيا إلى كل شبر من أرض الشرق الأوسط، ومن احتلال أفغانستان إلى ليبيا، ومن الحروب الأهلية في العالم العربي إلى الأزمات المذهبية، ومن محاولات الانقلاب والهجوم الدولي ضدّ تركيا إلى ممرّ الإرهاب في شمال سوريا، ومن الصراع العربي – الإيراني إلى المحاولات الجديدة الرامية لتحريض العالم العربي ضدّ تركيا. نعم، لقد استغلوا ضعفنا؛ إذ إنّ لدينا الكثير من أوجه الضعف والخطأ والغضب والعديد من المشاكل.
لم تكن هذه الصراعات والاحتلالات والعمليات الإرهابية والمجازر الوحشية ونهب المنطقة وتدميرها قضيتنا أبدًا. وإن أطراف صراع القوى العالمي رسموا ملامح الاحتلالات والاستراتيجيات الأمنية من خلال ضعفنا، كما أنهم روجوا لحروبهم دائمًا بواسطة أوجه الضعف هذه.
ارجعوا إلى احتلال أفغانستان والعراق وليبيا وحرب سوريا واليمن وأي أزمة ترد على أذهانكم من أزمات العقود الثلاثة الماضية. لم تكن أي منها معركتنا، بل كانت معارك خاضوها فقط على أراضينا بدمائنا بعدما استغلونا كالرصاصات التي استخدموها في تلك المعارك.
كيف سنتخلص من كوننا سلاحًا للغرب أو الشرق؟
يجب أن يتخلص العالم الإسلامي من كونه جندًا ورصاصًا للشرق والغرب. فهذه هي أكبر قضايانا. ينبغي للمسلمين أن يتخلصوا من الاعتقاد بأن حرب الآخرين هي حربهم وممن يروجون لهذه الحروب من الداخل.
لقد استغل الغرب المحور الأطلسي في كل حروبه ضد العالم الإسلامي. فهو هاجم الإسلام بنفسه وكذلك أشعل فتيل الفتنة والحرب بين أبنائه. وبينما كان يصفي حساباته مع الآخرين نجح في استغلال المسلمين كسلاح بين يديه. فهذه هي أخطر قضية في القرن الحادي والعشرين. ولا يمكن لأحد إنكار هذه الحقيقة بأي عبارة من عبارات التحجج.
من يعجز عن إفراز خطاب يصبح طرفًا في القضية؟
هذا هو الوضع السائد منذ أيام الانتداب البريطاني
تسير الصين اليوم في الطريق ذاته الذي تسير فيه الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وغيرها من البلدان الغربية. فبكين تستغل هي الأخرى غضب المسلمين وتحاول استخدام البلدان الإسلامية التي أقامت معها علاقات صداقة لمواجهة الغرب.
ماذا سننتج في الوقت الذي يوضع فيه في منطقة تركستان أساس “اللعبة الكبرى الثالثة”؟ كيف سيكون موقفنا؟ هل سنستطيع إفراز أي خطاب بخلاف إحقاق الحق للولايات المتحدة أو الصين؟ وإن سير المناقشات التي تجري حول تركستان الشرقية في الآونة الأخيرة يشير إلى أننا في حيرة من أمرنا بين ظلم الصين واستغلال الولايات المتحدة لهذا الظلم.
من السهل أن نؤيد طرفا من أطراف الصراع. ذلك أنه من السهل تقديم الحجج المحقة لأي طرف نؤيده. ونحن لا زلنا نعاني من أجل تخطي حدود هذه الفكرة منذ أيام الانتداب البريطاني والألماني. فنحن نختار ما هو صعب ونعجز عن إنارة دربنا نحو المستقبل.
يقولون لنا “ادخلوا تحت مظلة حماية الغرب أو الشرق”
لكننا لن نطأطئ رؤوسنا أبدا!
ولأخبركم بما سيحدث في اللعبة الكبرى الثالثة: سيكون المسلمون في الصفوف الأولى للصراع الذي سينشب بين الجانبين. سيموتون في سبيل الصين والولايات المتحدة. سيظنون أنهم يحاربون على أراضيهم من أجل قضيتهم. سنرى مجددا كيف سيستغل الغرب المسلمين كجند بين يديه بينما يخوض حربا ضد الإسلام. سنرى واشنطن وبكين وهما تخوضان تصفية حساباتهما الإمبريالية على الأراضي وبالدماء المسلمة.
لماذا نعجز عن إفراز عقلية خاصة بنا وبمنطقتنا؟ يقولون لنا “ادخلوا تحت مظلة حماية الغرب أو الشرق”. فبعضنا يلجأ إلى الغرب والبعض الآخر إلى الشرق ليحتموا تحت مظلة إحدى الدول التي يعتبرونها على حق. إنهم لا يقترحون علينا أي خيار باستثناء فكرة الانتداب.
إنهم يحظرون علينا أن نقدم فكرا مستقبليا من أجل سكان هذه المنطقة. وأما نحن فنختار أن نطأطئ رؤوسنا ونخضع لأحد الطرفين، ثم نبذل قصارى جهدنا لنفرز فكرة الأحقية على هذه الأرضية غير الشرعية التي نقف عليها.
هذا لا تفعله سوى تركيا
ولهذا تتعرض للهجوم من كل حدب وصوب
إن تركيا هي فقط التي تحاول تحدي بعض الأمور وترسم ملامح موقف تاريخي وتشكل إدراكا خاصا بالمنطقة وتؤسس خطابا للحرية. ولهذا فهي تتعرض للهجوم من كل مكان. وأما نحن فلا نتورع حتى عن استغلال هذه الهجمات كحجة سياسية داخلية.
كنت في مقالي السابق ناقشت فكرة قلت فيها “إنهم يحاولون إشعال فتيل الصراع بين الإسلام والمسلمين من جهة وبين سائر الحضارات من جهة أخرى، يسعون جعل الإسلام هو المشكلة المشتركة للعالم بأسره، يحاولون ضم الحضارتين البوذية والهندوسية كذلك إلى ساحة الحرب القائمة بين الغرب والإسلام الذين يسعون لحصاره كذلك من الشرق”. لكني لاحظت أن أحدا لا ينظر إلى العالم من هذه الزاوية.
فإذا عجزنا عن تقديم خطابنا الخاص بنا ووضعنا أسس قوتنا المترتبة على ذلك فإن كل شبر من أراضي منطقتنا سينهب طيلة القرن الحادي والعشرين. ولهذا أوصي بالنظر إلى مسألة شرق تركستان من هذه الزاوية.
إبراهيم قراغول – يني شفق