تركيا وأمريكا.. عبرة الماضي تتجلى في الحاضر
محمد قدو أفندي أوغلو – خاص ترك برس
ما بين إسقاط الطائرة الروسية من قبل الدفاعات الجوية التركية في حدودها الجنوبية وبين وصول صواريخ أس 400 المتطورة إلى القاعدة الجوية في أنقرة مسافات وأزمنة وتغييرات وتكتيكات قد تؤثر بصورة مباشرة على الأحداث الجارية في المنطقة وخصوصا ما يخص سوريا حاليا وما يخص المنطقة بصورة عامة وعلى المدى القريب والذي سيشكل تغييرا واضحا في أسلوب التعامل مع الأحداث الاستراتيجية في المنطقة بصورة عامة.
اعتبرت تركيا ومنذ انضمامها في 18 شباط/ فبراير 1952 وفي عهد رئيس الوزراء الراحل عدنان مندريس إلى حلف الناتو أولى المتاريس أمام التمدد السوفيتي في المنطقة والعائق القوي للجغرافيا التركية في استحالة وصولهم للمياه الدافئة في بحر العرب والخليج العربي حيث خزائن الثروات وقلب العالم النابض.
من المعروف أن لتركيا أربعة جيوش، ثلاث منها مرتبطة بالكامل فنيا واستراتيجيا مع قوات حلف شمال الأطلسي بحيث ترفع درجة استعدادها بأمر من قيادة الحلف المركزي مما يعطي مثالا واضحا على مدى أهمية مكانة ودور تركيا بداخل الحلف وبنفس الوقت يعكس الانطباع السائد بمدى أرتباط وأهمية حلف الناتو بالنسبة لتركيا والأتراك عموما، والجيش الرابع تأسس في سبعينيات القرن الماضي بعد اشتداد المنازعات حول جزر بحر إيجه مع اليونان ولا علاقة لتلك القوات بحلف شمال الأطلسي.
اشتركت تركيا وحتى قبل انضمامها لحلف شمال الأطلسي في بعض العمليات العسكرية لمؤازة الغرب وأمريكا والاصطفاف مع المجموعة الدولية في الأمم المتحدة.
فبعد تولي الزعيم عدنان مندريس رئاسة الوزراء في 22 أيار/ مايو من عام 1950 حدثت حرب الكوريتين 1950 – 1953 فقد اشتركت تركيا بأربعة ألوية مؤلفة من أكثر من واحد وعشرين ألف جندي ولا زالت شواخص ضريح 462 شهيدا من بين 900 شهيدا استشهدوا في تلك الحرب، واستنادا إلى مصادر فإن عدد الضحايا الأتراك يأتي بالمرتبة الثالثة بعد الأمريكيين والبريطانيين، ورغم كل هذه التضحيات والمسؤولية التي تحملها رئيس الوزراء عدنان مندريس بالمجازفة، ورغم كون تلك المهمة كانت بإيعاز الأمم المتحدة، بإرساله هذه الأعداد من الجنود خارج الحدود بمهمة قتالية شاقة – فبمجرد محاولته قيادة عملية التصالح بين تركيا وهويتها الوطنية والدينية وإظهار الميل للانتماء العقائدي واسترجاع فرائض الدين الحنيف وإشاعة مظاهرها المفرحة.
ونقول رغم تلبية نداءات الأمم المتحدة والاصطفاف مع الولايات المتحدة ودول الغرب الأوروبي ضد التمدد الشيوعي الكوري الشمالي والمساندة من الصين على وجه الخصوص فقد تم عزله بانقلاب عسكري يعتبر الأول من نوعه شهدته تركيا بعد تأسيسها كجمهورية وتم إعدام مندريس واثنان من رفاقه على يد الانقلابيين العسكر.
وفي شأن آخر فبالرغم من سياسة الاسترخاء من الحرب الباردة والتوقيع على معاهدة سالت واحد في عام 1972 بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة حول الصواريخ النووية والحد من التخوفات من استخدامها في حروب مدمرة، بقت تركيا الحاجز الرئيسي ضد تمدد الفكر الشيوعي في أطراف أوروبا الجنوبية والشرقية مع حتمية المحافظة عليها كدولة حدود للناتو في أقصى الشرق والجنوب الشرقي، لكن تلك الأهمية الاستراتيجية لتركيا قد ضربت عرض الحائط عند مطالبتها بأبسط حقوق لأبناء جلدتها الأتراك في جزيرة قبرص.
ففي 15 تموز/ يوليو 1974 شهدت الجزيرة انقلابا عسكريا نفذته عناصر قبرصية يونانية تدعو لإدماج الجزيرة مع اليونان بالتعاون مع ضباط يونانيين، حيث أطاح الانقلابيون بحكم الرئيس مكاريوس الذي اضطر إلى الفرار خارج البلاد. ومعلوم أن مكاريوس هذا كان رئيس الكنيسة الأرثوذكسية القبرصية، وفي ذات الوقت قائدا للقبارصة اليونانيين وبالتالي فقد جمع السلطتين المدنية والروحية في يده.
كانت الدولة التركية تراقب الأوضاع السياسية المضطربة في قبرص عن كثب، واعتقدت أن الوقت قد حان لحسم عسكري ينهي الصراع الطويل الممتد بين القبارصة الأتراك واليونانيين، فتدخل الجيش التركي في قبرص يوم 20 تموز/ يوليو 1974 باعتبار تركيا إحدى الدول الضامنة لأمن قبرص.
وكانت تركيا تستند في عملها هذا إلى معاهدة الضمان مع اليونان إذا حدث أي اضطراب داخل الجزيرة يجيز لها التدخل لإعادة الاستقرار لها. ويذكر أن الرئيس بولنت أجاويد كان قبل عملية السلام العسكرية قد دعا الحكومتين البريطانية والأمريكية إلى القيام بدورهما في المحافظة على أمن القبارصة من الطائفتين، في محادثاته التي كان يجريها في لندن العاصمة البريطانية بزيارته لذات الغرض بعد حدوث الانقلاب دون الحصول على وعد حقيقي أو موافقة لتبني عملية التهدئة من أي من الدولتين بالتدخل لإنهاء الأزمة المفتعلة من المتطرفين من القبارصة اليونانيين، والجدير بالذكر أن نائب رئيس الوزراء في حينها كان الإسلامي أربكان وهو الذي أعطى التعليمات الخاصة بالتحرك العسكري الفوري نحو قبرص.
بعد الغزو اتخذت الإدارة الأمريكية سلسلة من العقوبات ضدها أهمها القرار الخاص بحظر بيع الأسلحة لتركيا نتيجة عملية السلام بالرغم من سلامة الموقف التركي من العملية الشرعية، وأنهت بهذه العقوبات الجدل القائم حول إمكانية أن تكون أمريكا حليفا يوثق به أو صديقا يقف على الحياد في أضعف الحالات وخصوصا عندما تكون المسألة متعلقة بالأمن الوطني لتركيا، وفي الوقت نفسه تم الإيعاز بتهميش أي دور لأربكان طيلة حياته السياسية.
قبيل تسلم الرئيس ريغان مقاليد السلطة في الولايات المتحدة كانت أمريكا تتزعم عمليات التخلص ومحاربة الأنظمة الدكتاتورية الشيوعية والقمعية، وكانت تركيا في تلك الفترة تمر بأزمة حقيقية نتيجة تكرار توارد تشكيل الحكومات الائتلافية الضعيفة فقد بلغ عدد الحكومات الائتلافية التي تشكلت 12 حكومة ائتلافية خلال تسعة أعوام أي بمعنى حكومة قائمة كل عشرة أشهر وكادت أن تستمر هذه الحالة ويستمر مسلسل الانهيار الديمقراطي لولا وصول بعض الأحزاب ذات الطابع الديني وتقربها من سدة الحكم والذي عجل الإطاحة بذلك النظام بانقلاب دموي أنهى كل مظاهر الديمقراطية التي كان ينادي بها قادة البيت الأبيض، ووضع ملف الأحزاب الدينية على الرف من جديد.
كانت برقية «أولادنا نجحوا»، المرسلة من الدبلوماسيين الأمريكان في أنقرة إلى وزارة الخارجية الأمريكية، ليس فقط تشير بوضوح إلى علم واشنطن المسبق بالانقلاب، بل وترحيبها به مما يعكس بصورة واضحة الاستراتيجية الامريكية (الديمقراطية لأمريكا والدكتاتوريات والقمع للشعوب)، وفي الوقت نفسه فإن الممارسة الأمريكية بتلك المسألة توضح مدى استهانتها بالشعوب وإن كانت صديقة أو صديقة وحليفة.
إن تركيا ومنذ عدة سنوات قد احتضنت الملايين من اللاجئين السوريين والعراقيين وغيرهم وبهذا استعاضت عن أوروبا في احتضانهم ومنعت قوافل المهاجرين من استخدام أراضيها للعبور تجاه أوروبا لقاء وعود لم تتحقق بمساعدة الأتراك ومنح مواطنيهم تمييزا وتقديم بعض المساعدات للإعانة في تحمل نفقات الرعاية الإنسانية لهولاء اللاجئين.
ولسنا بصدد الحديث عن الفترة الحالية والعلاقات التركية الأمريكية وما حصل لها من تدهور واضح، ولسنا بحاجة لبروباغندا لشرح ما قامت به أمريكا ودول حلف شمال الأطلسي وألمانيا على وجه الخصوص، وخصوصا فيما يخص حربها مع العصابات الإرهابية الانفصالية في حدودها الشرقية والجنوبية والدعم غير المبرر واللاأخلاقي لتلك الجماعات سواء بالسلاح أو بالتوسع في إقامة الندوات والتجمعات لتلك الجماعات في دول أوروبا.
ويقينا فإن أمريكا والغرب هي التي دفعت الحكومة التركية بالتوجه للروس بعدما تنصلوا من كافة الالتزامات التي تمليها الاتفاقات السائدة بين دول الحلف ابتداءً بسحب بطاريات باتريوت الاستراتيجية من القواعد التركية في وقت كانت تركيا تخوض حربا حقيقية ضد الإرهاب المدعوم من دول تحاول ثني تركيا عن الاستمرار في مسيرتها.
إن تلك الأمثلة هي وقائع تاريخية توضح طريقة تعامل الغرب والأمريكان مع الأتراك وكذلك تعاملهم مع الدول العربية والإسلامية ونظرتهم الفوقية وغير المنصفة لقضايا الشعوب الإسلامية.
ويكفينا هذا المثل لنعرف مدى الغبن والازدواجية والتحيز لصالح أعداء المسلمين عموما…
في عهد الرئيس أوباما حرر سبعون من أعضاء الكونغرس الأمريكي مذكرة ورفعوها للرئيس الأمريكي أوباما يطالبون فيها بالضغط بقوة على الدول العربية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل في الوقت الذي طلب فيه الرئيس أوباما من رئيس وزراء إسرائيل التعهد بأيقاف بناء المستوطنات لمدة سنة واحدة فقط.
أكرر لمدة سنة واحدة فقط مع استمرار التطبيع إن تحقق.