شراب أرجيفيت الأصلي لزيادة طول الأطفال

تركيا والمواجهة مع أمريكا في سوريا

ستايل تورك | أرخص أسعار للمنتجات التركية في العالم

محمد زاهد غول:تقوم السياسة التركية الداخلية والخارجية على أربعة محاور أساسية لا تجد بداً من العمل عليها باستمرار، والدفاع عنها ضد المعارضين لها، سواء كانوا معارضة داخلية سلمية أو انقلابية، أو كانوا معارضة خارجية من دول كبرى أو صغرى، وهذه المحاور هي:

1 ـ أمن تركيا الداخلي بما فيه أمن المواطنين وحقوقهم الإنسانية والقانونية والديمقراطية، وأمن مؤسسات الدولة المدنية والأمنية والعسكرية، فالمحور الأول أن يبقى الأمن الداخلي مستقراً وديمقراطياً بالكامل.

2 ـ التنمية الاقتصادية الداخلية التي يعود ربحها وفوائدها للمواطنين مباشرة، بما يزيد تقدم اقتصاد الدولة ودخلها المالي، فالمحور الثاني التنمية الاقتصادية التي تحمي المواطن في قوته ومستوى معيشته وازدهاره.

3 ـ الحفاظ على الهوية الحضارية والتاريخية للأمة التركية، بما فيها مكتسبات التاريخ القديم، ومكتسبات الجمهورية التركية بكافة مقوماتها، بما يحمي الهوية الدينية والقومية داخليا وخارجيا، فالمحور الثالث أمن الوطن وهويته، من كل المخاطر التي تهدده.

4 ـ كسب الأصدقاء وزيادتهم، والتقليل من الأعداء داخليا وخارجيا، أي بناء الثقة والمصالح في العلاقات بين أبناء المجتمع التركي، ومع الدول الخارجية، بما في ذلك الحفاظ على علاقات قوية مع العالم العربي والإسلامي والاتحاد الأوروبي، حلف الناتو والعالم الغربي ومع كل الدول التي ترحب بالصداقة التركية، بما يحقق منافع الشعوب ومصالحها.

هذه المحاور الأربعة تمثل السيادة التركية داخليا وخارجياً، وهي ليست محل اختبار للسياسة التركية من أحد، وهذا يكشف صراحة المواقف التركية في الأزمة الأخيرة مع أمريكا، بعد سابقتها من الأزمات مع بعض الدول الأوروبية في العام الماضي، فأمريكا في بعض سياساتها الأخيرة مع تركيا تعمل ضد هذه المحاور الأربعة، أو ضد بعضها، ولا تسمع وجهة النظر التركية الرافضة للسياسة الأمريكية المعادية لها، وفي مقدمتها الدعم الأمريكي للتنظيم الإرهابي الانقلابي التابع لفتح الله غولن، المقيم في أمريكا، فالحكومة التركية تطالب بتسليم غولن للقضاء التركي، بعد ثبوت الأدلة القانونية على تورطه بتزعم انقلاب عسكري دموي فاشل ضد الشعب التركي في يوليو 2016، وهذا الرفض مخالف للقانون الدولي أولاً، ومخالف لعلاقات الدول التي تربطها تحالفات استراتيجية، مثل التي بين تركيا وأمريكا، ولكن أمريكا تحتفظ بزعيم تنظيم غولن وكوادره العليا بالتنسيق مع بعض العواصم العالمية، لاستخدامه وتنظيمه كأحد أدوات المخابرات الأمريكية الدولية، حتى لو أضرت بالعلاقات الدبلوماسية مع الحكومة التركية وشعبها، وهذا خطأ كبير.

اقرأ أيضًا:   أحزاب المنشقين فشلت.. فهل يلحق بها "الحزب الجديد"؟

والقضية الكبرى التي تتجاهلها السياسية الأمريكية هي التهديدات الأمنية التي تضر بتركيا وأمنها القومي ، من خلال دعم أمريكا للأحزاب الإرهابية شمال سوريا، وتحديدا حزب الاتحاد الديمقراطي (ب ي د) بزعامة صالح مسلم، رغم إعلام أمريكا ـ وهي ليست بحاجة إلى إعلام ـ بأن الحزب تابع لحزب العمال الكردستاني الإرهابي، ولكن أمريكا بقيت تمده بالسلاح والعتاد بما يكفي لتسليح جيش قوامه ستون ألف مقاتل، وهذا تسليح لا يمكن أن يكون من أجل محاربة «داعش» فقط، وقامت أمريكا بالالتفاف على التحذيرات التركية بصناعة ميليشيات من الحزب نفسه باسم قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، حتى تدعي بانها تدعم قسد وليس غيرها، وهو التفاف على التحذيرات التركية، لأن الحكومة التركية قررت نقل هذه المسألة إلى المؤسسات الأمريكية، وقدمت تركيا الأدلة لأمريكا بان (ب ي د) حزب تابع لحزب (ب ك ك) الارهابي، فكيف تدعم امريكا حزبا إرهابيا أمام الكونغرس الأمريكي، فجاء التحايل امام الكونغرس بان البنتاغون يدعم قسد، ولذلك لا قيمة لاعتراف الاستخبارات العسكرية الأمريكية امام الكونغرس بأن (ب ي د) وقواته (ي ب ك) ميليشيا تابعة لـ(ب ك ك). وفي 14 فبراير2018، قدم مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية دانيال كوتس تقريرا إلى الكونغرس، يقر فيه بأن تنظيم (ي ب ك) هو مليشيا (ب ك ك )في سوريا، وأنه يسعى إلى إقامة منطقة مستقلة، فهذا التقرير التفاف مخادع أيضاً.

البنتاغون يدعم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وهي منظمة في نظر البنتاغون والكونغرس غير (ب ي د)، وغير (ي ب ك)، وجاء وزير الدفاع الأمريكي ماتيس ليقول في بروكسل يوم 15 فبراير 2018 بأن أمريكا سوف تخرج تنظيم (ب ي د) من قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وهذه محاولة أخرى للالتفاف على الموقف التركي، وكذلك ادعاء أمريكا بأنها سوف تسحب أسلحتها من تنظيم حزب الاتحاد الديمقراطي وميليشياته قوات حماية الشعب، لتعطيها إلى قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، أو للقوات التي أعلنت أمريكا عن تأسيسها في بداية هذا العام باسم قوات حماية الحدود السورية الشمالية، وقوامها 30 ألف مقاتل، وهي قوات تابعة لهذه الأحزاب أيضاً.

اقرأ أيضًا:   ترامب سيضع العرب في مواجهة تركيا في الشمال السوري

التراجعات الأمريكية في الأيام الأخيرة جاءت بعد عزم الحكومة التركية ووزارة الدفاع حماية حدودهما ومنع إقامة كيان إرهابي على حدودهما الجنوبية في سوريا، ولتركيا وزن استراتيجي بالنسبة لأمريكا لا يمكن أن تعادلها أي مصالح لها مع الأحزاب الارهابية التابعة لحزب العمال الكردستاني، فلماذا تورطت امريكا؟ ولماذا وقعت في هذه التناقضات؟

الخطأ بدأ لدى وزارة الدفاع الأمريكية، ظناً منها أنها تستطيع استغلال الفوضى القائمة في سوريا لتقسيمها أولاً، وإقامة كيان يخدمها أولا واسرائيل ثانياً، وإن لم يخدم الاقتصاد ولا مصالح الشعب الأمريكي، وقد عجزت أمريكا عن إيجاد ميليشيا تتبعها وتنخدع بأوامرها منذ بداية الأزمة السورية، وحاولت مرارا اصطناع تنظيمات تخدم مصالحها وصرفت عليها أكثر من خمسمئة مليون دولار، ذهبت هباءً منثورا، ففشلها في تجربتها الأولى جعلها تحصر تجربتها الأخيرة مع الأحزاب الإرهابية ذات الأصول الكردية، وهي تعلم أن هناك اطماعاً انفصالية للأحزاب الكردية في تركيا والعراق وإيران، وليس في سوريا، لأن هذه الأحزاب لا تملك في سوريا مناطق ذات امتداد جغرافي للأخوة الكرد يسمح لها بالانفصال، فأمريكا سعت بعد احتلالها للعراق بإقامة نظام سياسي فيدرالي بثلاثة أقاليم بدستور عام 2005، لم ينجح في الظهور إي اقليم باستثناء شمال العراق باسم كردستان، وهذا الاقليم فشل بالاستقلال عام 2015، لأن تركيا والعراق وإيران رفضت ذلك، ولكن أمريكا وبالأخص البنتاغون لم تتعلم من درس العراق، وجاءت لتعيد السيناريو الانفصالي في سوريا، علما بأنه لا يوجد للأخوة الكرد أرض جغرافية يمكن أن تقوم عليها دويلة كردية في سوريا، ولذلك شارك طيران البنتاغون الحربي بطرد سكان المدن العربية شمال سوريا لإعطائها للأحزاب الانفصالية لإقامة منطقة أو دويلة تخدم البنتاغون شمال سوريا، وتجاهلت البنتاغون التحذيرات التركية حتى اصطدمت بها في «درع الفرات» أولاً، وفي «غصن الزيتون» ثانياً، وهذا أوقع السياسة الأمريكية بالتناقض والتصريحات المتضاربة.

اقرأ أيضًا:   أردوغان يهاتف بوتين بشأن دخول الأسد لعفرين: إذا دخل الأسد...

ولذلك ليس أمام البنتاغون إلا التراجع عن الأحلام في سوريا، فلا يمكن إقامة كيان شمالها بحجة دعم قومية معينة، لأن هذه القومية ليس لها وجود ديمغرافي مستقل اولاً، وإصرار أمريكا على ذلك مخالفة للإرادة الشعبية السورية والعربية ثانياً، ومخالف لحقوق الشعوب دولياً، فإذا نجحت بريطانيا بتشريد أهل فلسطين وإقامة الدولة الاسرائيلية مكانهم قبل قرن، فإن أمريكا لن تنجح في ذلك إطلاقاً، حتى تخوض حربا عالمية ثالثة، كما فعلت بريطانيا في الحرب العالمية الأولى، فهل تخوض أمريكا حربا عالمية ضد تركيا من أجل إقامة قواعد عسكرية لها شمال سوريا؟ أم تكتفي بالتعاون الاستراتيجي مع الدولة التركية.

إن السياسة الأمريكية التي تصطدم مع السياسة التركية بهذه الحدة مردها أن أمريكا لا تدرك محاور السياسة التركية وأسسها الأربعة، فتركيا لا ولن تخوض معاركها ضد الكرد ولا ضد العرب ولا ضد الإيرانيين ولا غيرهم لأسباب قومية أو طائفية، ولكنها ستخوض معاركها مع كل من يعتدي على أمنها القومي الداخلي والخارجي، فالحرب التي يخوضها الجيش السوري الحر بدعم عسكري تركي في عملية «غصن الزيتون» هي حرب الشعب السوري الحر قبل أن تكون حرب الشعب التركي الحر، بدليل انها على الأراضي السورية، وعندما ينتصر الجيش السوري الحر في هذه الحرب التحريرية لأرضه ومدنه وشعبه، فإن مهمة الجيش التركي سوف تنتهي، وستكون مهمته تمكين ثلاثة ملايين ونصف مليون سوري لاجئين إلى تركيا للعودة إلى بلادهم وأرضهم ومدنهم وقراهم ومزارعهم التي شردوا منها، وإذا كانت امريكا صادقة بمحاربة «داعش» فعليها دعم الجيش السوري الحر الذي يحرر مدنه وقراه في الشمال السوري من «داعش» ومن ارهابيي حزب العمال الكردستاني وتوابعه، وعندها سيكون الدعم للمواطنين الكرد في شمال سوريا أيضاً، الذين عذبتهم الأحزاب الانفصالية أكثر من غيرهم، فإذا كانت أمريكا صادقة بالبحث مع الناتو عما يثير مخاوف تركيا، كما يقول وزير الدفاع الأمريكي ماتيس فعلية الاستماع بجدية لوجهة النظر التركية وتصحيح أخطاء مستشاريه في وزارة الدفاع، وبدون مراوغة ولا التفاف ولا احتيال، وإلا فإن المواجهة بين تركيا وأمريكا واقعة في سوريا لا محالة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *