لماذا سعت ألمانيا لتطبيع العلاقات مع تركيا رغم عدائها المبطن لها؟
يوجد في ألمانيا قوات أمريكية تعدادها 35 ألفًا. كما تحتضن ألمانيا مقر قيادة الجيش الأمريكي في أوروبا (EUCOM). علاوة على وجود قاعدة رامستاين العسكرية، ومنها تصدر التعليمات إلى الطارات الأمريكية المسيرة في الشرق الأوسط وإفريقيا.
بمعنى أن البلد الذي قضى على هتلر، يواصل هيمنته على ألمانيا في الكثير من النواحي.
اضف إلى ذلك أن الإعلام ليس السلطة الرابعة في الديمقراطية الألمانية، لن نجانب الصواب إذا قلنا إنه السلطة الأولى في البلاد. فالسياسيون يتخذون القرارات في هذا البلد وهم يرتعدون خوفًا من عناوين الإعلام.
ولذلك كانت دعوة الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير والمستشارة أنجيلا ميركل للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى بلادهما في “زيارة دولة”، تحديًّا للإعلام الذي جن جنونه.
فمن المانشيتات التي لا ترحب بأردوغان، إلى العبارات التي تشبهه بهتلر، إلى استضافة أنصار “بي كي كي” على شاشات التلفزة، كل ذلك كان مؤشرات على الغضب المسعور للإعلام الألماني.
أما أردوغان فقد استمتع بالزيارة، إلى جانب عدم تقديمه أي تنازل في سياساته التي انتقدها ألمانيا. وكانت أهدأ زيارة له في تاريخه الشخصي، على حد ظني. وأظهر كيف يتصرف رجال الدولة.
لكن ما الأسباب التي دعت ألمانيا لتطبيع العلاقات معنا؟
أولًا، استياء البلدين المشترك من الحرب التجارية لترامب، وقرارهما في مكافحتها معًا.
ثانيًا، عدم قدرة ألمانيا على تحمل موجة جديدة من اللاجئين، وهي أكثر بلد استقبل لاجئين في أوروبا بواقع 1.2 مليون لاجئ، وحاجتها إلى مبادرة تركيا في سوريا كما ظهر في أزمة إدلب.
ثالثًا، تعرض ألمانيا إلى ضغط متزايد من الولايات المتحدة بخصوص شرائها الطاقة من روسيا ومشاركتها في مشروع السيل الشمالي2، وتلقي برلين انتقادات شديدة من ترامب في الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي الناتو للأسباب آنفة الذكر. وهذا ما حمل برلين على التقارب مع أنقرة.
أظهرت التدابير الأمنية التي لم تتخذ حتى في زيارات الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما أو ملكة بريطانيا إليزابث الثانية، مدى الأهمية التي يوليها الساسة الألمان لأردوغان وتركيا (من بين التدابير إعلان منطقة حظر طيران، تمشيط شبكة المجاري بحثًا عن متفجرات، إغلاق بعض الطرق، مروحيات تراقب باستمرار من الجو).
كما كشفت هذه التدابير أن الساسة الألمان يدركون مسألة استضافتهم وحمايتهم الآلاف من المنتمين لتنظيمي “غولن” و”بي كي كي”، الذين يملكون إمكانية الهجوم علينا في أي فرصة تتاح لهم.
هلال قابلان – صحيفة صباح – ترجمة وتحرير ترك برس