مع اقتراب الانتخابات.. هل تتعرض “الليرة التركية” لهجومٍ جديد؟
آثار التذبذب المتكرر في قيمة الليرة التركية تساؤلات حول ما إذا كان هناك أزمة حقيقية تهدد الاقتصاد العام أم أنه أصبح أمر طبيعي للحملات والشائعات التي باتت تطلقها دول خليجية وأطراف إقليمية لضرب الاقتصاد التركي وتشويه سمعته.
ورد ذلك في تقرير لشبكة الجزيرة القطرية، تناول تراجع قيمة الليرة التركية أمام العملات الأجنبية مجددًا، بعد أن كانت استقرت خلال الفترات السابقة عند 5.3 للدولار، وهبطت نهاية الأسبوع الماضي إلى 5.44 ليرات للدولار الواحد.
وأشار التقرير إلى أن هذا التراجع فتح مرة أخرى الباب أمام تحذيرات من حدوث تضخم في السوق التركية، كما زاد مخاوف البعض من استمرار انخفاض العملة خصوصا مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات المحلية في 31 مارس/آذار الحالي، إضافة إلى تصاعد التوتر بين أنقرة وواشنطن على خلفية صفقات بيع الأسلحة.
الخبير الاقتصادي التركي يوسف كاتب أوغلو، وصف انخفاض قيمة الليرة بنسبة 2% بكونه لحظي وطبيعي حدوثُه مع العملات الإقليمية والدولية الأخرى التي تتأثر بالعوامل السياسية، كان آخرها انخفاض الجنيه الإسترليني بعد استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي بنسبة 15%.
وفي حديثه للجزيرة، عزا أوغلو هذا التذبذب الحاصل إلى أن الأسواق التركية وسياسة البنك المركزي هي حرة وليست ثابتة، وتتأثر بالعرض والطلب والتطورات السياسية والاقتصادية المحيطة بتركيا والمنطقة عموما.
ويعتبر أوغلو -وهو عضو جمعية رجال الأعمال الأتراك- هذا التراجع انعكاسا للمستجدات الراهنة والهواجس الناتجة عن التهديدات الأميركية الأخيرة بعدم تسليم طائرات “أف 35” والمخاوف من أن تتسبب في أزمة جديدة بين أنقرة وواشنطن.
وبحسب أوغلو فإن مثل هذا الانخفاض لا يعتبر مشكلة اقتصادية فعلية، فمن غير الممكن فهم التصريحات الأميركية وانعكاساتها على أن الاقتصاد التركي ضعيف ومنهار وفق قوله، ولكن يجب إدراك أنه أمر طبيعي في السوق المالية الحرة بدليل ما حدث خلال الأشهر الماضية عندما ارتفعت الليرة التركية ووصلت قيمة الدولار إلى 5.2 ليرات.
المؤشر الوحيد الذي يمكن أن يفهم من خلاله أن هناك أزمة اقتصادية فعلية في تركيا هو عندما ينظر إلى نسبة الديون الخارجية ومقارنتها بإجمالي الناتج المحلي للبلاد، وفقا لأوغلو.
ويبلغ الدين العام لتركيا 470 مليار دولار، في حين تقدر نسبة الإنتاج القومي للبلاد بتسعمئة مليار دولار، أي أن هناك فارقا بما نسبته 49%، وهو معدل كبير في التصنيف العالمي الخاص بمديونية الدول المتطورة أو الناشئة، طبقا للمتحدث ذاته.
ولتبسيط الصورة أكثر يستشهد أوغلو بنموذج الدين العام الأميركي الذي قال إنه يفوق قيمة الإنتاج القومي بـ 113%، وهو ما يعني أن هناك مشكلة كبرى في الاقتصاد الأميركي، والأمر نفسه بالنسبة لليابان التي تصل نسبة دينها العام مقارنة بناتجها المحلي إلى ما يعادل الضعفين.
وفي حال النظر إلى تصنيف الدول من حيث نسبة الديون إلى الناتج العام يقول أوغلو إن بلاده تحتل المرتبة الـ 27 من أصل 197، ولديها احتياطي يقدر بـ565 طن من الذهب، وذلك يجعلها في المرتبة العاشرة كأكبر احتياطي من الذهب في العالم، وبالتالي لا يمكن القول إن التذبذب الحاصل في أسعار صرف الليرة يعد معيارا عادلا للحكم على الاقتصاد التركي.
“شأن تركيا اليوم هو شأن جميع دول العالم التي تعاني من الوضع الاقتصادي غير المستقر، العالم مضطرب من حولها بصورة كبيرة وذلك يؤثر في الليرة التركية إضافة إلى جمود الأفق الاقتصادي بينها وبين عدد من الدول الأوروبية والعربية بسبب طبيعة العلاقات السياسية الراهنة”، هذا ما يبرر به المهتم بالشأن الاقتصادي التركي نزار حرباوي تراجع الليرة مجددا.
ويرى حرباوي أن من بين أسباب تراجع الليرة هو افتقاد المنهجية الشاملة لدى قطاعات واسعة من دوائر الدولة ذات الصلة واتحادات رجال الأعمال وشركات القطاع الخاص على صعيد التشبيك مع الأسواق الإستراتيجية، بالمقابل الاقتصار على الحد الأدنى من الطاقة التوسعية في أسواق يمكن الدخول إليها بقوة بما يحقق الانتعاش الاقتصادي الداخلي.
لكن هذه المسؤولية -وفقا للمتحدث ذاته- تعود للعقول الإستراتيجية في المجال الاقتصادي، مطالبا بالتدخل لترسيم السياسات الضامنة للاقتصاد التركي وتجاوز الكثير من المهددات التي تعترض مساره.
وبحثا عن إجابة عن السؤال الذي يقفز إلى أذهان البعض، هل تستطيع تركيا رفع قيمة العملة مجددا والحفاظ عليها؟ يؤكد خبراء اقتصاديون أن الفرصة لا تزال سانحة ويمكن أن تشهد الليرة ارتفاعا في المستقبل القريب بناء على التوقعات في ارتفاع عائدات الاقتصاد التركي وتحديدا إيرادات قطاع العقارات، خاصة أن تركيا بدأت خلال الأيام الأخيرة إرسال وفود من رجال الأعمال إلى بعض الدول بهدف التسويق لتنفيذ مشاريع كبرى.
كما يرجح خبراء بأن تسهم عائدات القطاع السياحي وزيادة فرص الاستثمار الأجنبي في تعزيز الاستقرار الاقتصادي بشكل أكبر خصوصا إذا عملت حكومة العدالة والتنمية على خفض فاتورة استيراد الطاقة -تستورد أكثر من 90% من حاجتها- في ظل محاولاتها الأخيرة للبدء بعمليات التنقيب والبحث عن سبل الاكتفاء الذاتي من النفط والغاز.