الخطر الذي يواجه العدالة والتنمية
تبلغ عدد الشركات المعمرة في اليابان والتي تمارس نشاطها منذ أكثر من 100 عام حوالي 20 ألف شركة، وهو ما يعني أن المؤسسات يمكن أن تبقى لو اتبعت بعض الأساليب والمناهج التي تجدد بها شبابها.
في تركيا ظاهرة الأحزاب سريعة الذوبان، ينشأ الحزب ويدخل الانتخابات ويعلو نجمه ثم ينتهي بعد فترة غالبا لا تتجاوز السبع أو العشر سنوات، ولو أردنا حصر التجارب في أسباب النشأة وأساب الاندثار لأنهينا المساحة المحددة للمقال دون أن نشرح فكرته.
ما دفع لكتابة هذا المقال هو محاولة البعض تصوير حزب العدالة والتنمية التركي على أنه أحد الأحزاب التي تغيب عنها الشمس، متكئين في ذلك على الانتخابات المحلية التي جرت الشهر الماضي، ومصورين الأمر على أنه هزيمة ماحقة للحزب تنبئ بزواله!
والحقائق غير الإدعاء، ففرعون استطاع أن يسحر أعين الناس ويخضعهم من خلال سحرته الذين أوهموا الناس أن فرعون إله وبيده من المعجزات ما يمكن أن يغير حياتهم، فتركيز عدسات الكاميرات على لافتة رفعت فوق بلدية كرمز لعودة الجمهورية، أحد هذه الأشكال، والسؤال: متى غابت الجمهورية حتى تعاد بلافتة؟ لكنه الإعلام الموجه والراغب في إعطاء انطباع يبنى عليه في المستقبل، فالمنافسين قالوا اليوم بن علي وغدا أردوغان.
منذ أن وصل حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم في 2002،أصبح قصة نجاح سعت الأحزاب في تركيا وغيرها من البلدان العربية والإسلامية إلى تقليدها، وتسمت بعض الأحزاب على اسمه تيمنا بنجاحه، فما حققه الحزب خلال الفترة الماضية جدير بالدراسة وإمعان النظر، هذه النجاحات بنيت على أسس أهمها القيادة القوية والكادر السياسي صاحب الخبرة المثقل بتجارب مهمة للحزب الذي خرجوا منه ، وهو ما أتاح الفرصة للمنافسين تصوير نتائج الانتخابات المحلية على أنها السقوط الأخير، وإن كان الأمر أبعد من ذلك لكن المنصف عليه أن يعترف بحقيقة أن هناك عوامل أوصلت النتائج إلى غير المأمول.
شركات اليابان المعمرة اتخذت أسساثمانية للاستمرار في السوق المحلي واختراق السوق الدولي بمنتجاتها أولها وضوح الهدفوالثاني النظرة المستقبلية واستشراف المستقبل والثالث وضع العاملين بالشركة في المقام الأول أما الرابع فهو تفاني هؤلاء العاملين في خدمة العميل، أما الأساس الخامس بناء علاقة صحية وصورة نمطية عن الشركة لدى العميل، أما الأساس السادس فهو الرغبة الدائمة في التطوير والابتكار، ويخص الأساس السابع نمط حياة الشركات والمتمثل في الدعوة للبساطة والالتزام بالتقشف، وأخيرا عزم لا يكل لصون و توريث الأسس السبع الماضية.
منذ تأسيس حزب العدالة والتنمية كانت الغالبية العظمى من الناس إما تدعم أو تشعر بالتعاطف مع الحزب، حتى الذين لا يصوتونله لأسباب أيدلوجية بحكم إرث الآباء ومناهج التعليم لا ينفكون في إبداء تقديرهم لموقفه السياسية ولو لم يظهروا ذلك في العلن، سحر حزب العدالة والتنمية هذا مستمد من الحوار والروابط التي تربط قياداته بالناس، وهو ما تخلت عنه كوادر الحزب جزئيا ولعب عليه المنافسون، ولقد ساعد في هذا بعض المخططات التي أثرت بشكل كبير على استقرار السياسات التي اتخذها الحزب، فتصاعد وتيرة الإرهاب والعنف في المنطقة والضربات الاقتصادية المتتالية خلال السنوات الأخيرة صعد من وتيرة التوتر الاجتماعي، وهو ما ساعد على إنجاح مخطط المنافسين ومن ورائهم بعض الدول الغربية والإقليمية، نجح هذا المشروع لتظهر النتائج على ما جاءت عليه.
وهنا على الحزب أن يقف وقفة جادة لتحليل أساب تلك النتائج يحلل المخاطر التي تواجهه، ومن ثم بناء جسور الثقة مع الشعب مرة أخرى بالتوازي مع بناء كوادر شابة تحمل في قلبها، قبل خطابها، المبادئ التي أسس عليها الحزب، وتضع نصب أعينها الأسس الثمانية التي عملت عليها الشركات اليابانية لكي يحافظوا على مكتسبات هذا الحزب التي قدمها للوطن.