شراب أرجيفيت الأصلي لزيادة طول الأطفال

كيف قطع أتاتورك اللسان العثماني للأتراك؟

ستايل تورك | أرخص أسعار للمنتجات التركية في العالم

علي الصاوي – ترك برس

يقول “باتريك كونان” الذي عمل مستشارًا لثلاثة رؤساء أمريكيين، “إن الخطوة الأولى في تصفية أي شعب هي أن تمسح ذاكرته، دمِّر لغته، وثقافته وتاريخه، ثم اجعل شخصًا ما يضع لغة جديدة، واصنع ثقافة جديدة، واخترع تاريخا جديدا”.

كان أفضل من ترجم هذه العبارة وحولها إلى واقع عملي هو مؤسس دولة تركيا الحديثة، مصطفي كمال أتاتورك، الذي لم يتوان لحظة في فصل تركيا عن تاريخها وحضارتها المتصلة بالدولة العثمانية، والدفع بها نحو التغريب الكامل والارتماء في أحضان الغرب، أملًا في رفاهية العيش والانضمام لنادي الكبار، لكنه خاب مسعاه ومات قبل أن يحقق حلمه.

فبعد سقوط الدولة العثمانية وجّه أتاتورك جهود هدمه نحو مسح تاريخ الدولة العثمانية، عن طريق تحطيم المفتاح الرئيسي لذلك، وهو تدمير اللغة وقطع اللسان العثماني واستبداله بآخر أعجمي، مدعيًا “أن العربية لغةً ثقيلةً تعابيرها مصطنعة وسبب كل تخلف ورجعية وفقر واضطراب في العالم الإسلامي، وأنها سبب الأمية، وأن تدني مستوى التعليم في الدولة العثمانية يعود إلى استخدام الأبجدية العربية، وأن حروفها لم تعد تناسب اللغة التركية في ظل الجمهورية الحديثة”!

عداء قديم بين أتاتورك وكل ما هو عربي وإسلامي، جعله يأخذ على عاتقه مسؤولية هدم التراث العثماني بعد تدمير اللغة العثمانية التي كانت تُكتب بحروفٍ عربية، تمزج بين الفارسية والتركية والعثمانية، وتمثل حجر الثقافة للشعب التركي ما جعلهم يعانون في تلك الحقبة أشد المعاناة ووجدوا أنفسهم في حالة أميةٍ مفاجئة، بعدما فرض عليهم أتاتورك بالحديد والنار تعلم اللغة الجديدة في فترةٍ قصيرةٍ جدًا، فعندما جمع أتاتورك مجموعة من المختصين لصياغة الأحرف الجديدة لتغيير اللغة، قال “صالح ريفقي” أحد الخبراء اللغويين إن تطبيق الأبجدية الجديدة سيستغرق من 15 إلى 20 عام، فرد عليه أتاتورك بقوله “إننا سوف نغيرها في ثلاث أشهر”.

اقرأ أيضًا:   لمن تقرع إسطنبول أجراسها في الانتخابات المحلية القادمة؟

ومن هنا بدأ النفير العام للانقلاب اللغوي في تركيا، ونشرت صحيفة “جمهوريت” و”مليت” مقالاتهما الرئيسية باللغة التركية وحثت الناس على تعلمها، ما تسبب في إشاعة مناخ الجهل بين المواطنين، حين رأوا أنفسهم يتعلمون لغة لا علاقة لها بتاريخهم وحضارتهم الإسلامية، كما تسبب هذا التغيير في خسارةٍ فادحةٍ لأصحاب المكاتب والصحف المختلفة، بعد تراجع مبيعاتها، وتشتت الناس أمام حروفٍ جديدةٍ لا يفهمونها، فرضها عليهم أتاتورك بقرار، يقضي بإجبارية تعلمها وقراءة القرآن والأذان بها، وتجريم استخدام اللغة العربية، كما منع قانون العقوبات التركي الصادر عام 1928 طبع الكتب التركية باللغة العربية، ومن لم يلتزم بهذه القرارات يتهم بجريمة مناصرة العربية، ويتم اعتقاله، ودفع غرامةٍ نقديةٍ 500 ليرة تركية.

حتى أنه في عام 1933 نشرت صحيفة “الوطن” الألمانية التي تصدر في مدينة لايبزغ مقالا بعنوان “أزمة تركيا من الحروف اللاتينية” قالت فيه: “إن الأتراك يعانون أشد المعاناة في موضوع تغيير الحروف وإلغائها، وهم يمرون بأزمةٍ فكريةٍ وثقافية، وعمدت الحكومة إلى تضييق الخناق على الكتب القديمة بالحروف العربية، ففي إسطنبول وحدها ما يقرب من مليوني كتابٍ أصبحت في حكم العدم، رغم مطالب الناس بعودة الحروف العربية، وقد بسط أصحاب المكتبات شكواهم للحكومة وما كابدوه من النفقات في خسارتهم التي نكبوا بها بالقضاء على الحروف العربية، لكن أتاتورك أمر بالقبض على مقدمي تلك الشكاوى بتهمة معارضة التتريك”.

فكيف غير أتاتورك الأبجدية العثمانية إلى التركية؟

كانت اللغة العثمانية تكتب بحروفٍ عربية، فعلى سبيل المثال هذه عبارة عثمانية تقول “بلقاندن أخبار هزائم مؤلمة عاجلا ورود ايتدي” وترجمتها تعني “وردت هزائم مؤلمة من البلقان”، عبارة تبين أن اللغة العثمانية كانت تحتوي على كلماتٍ عربية، ما زلنا نستخدمها نحن كعرب إلى الآن، وهذه أول عقبة واجهت أتاتورك في أثناء تغييره للغة، فقد اعترى طريقة نحو 60% من الألفاظ العربية الموجود داخل اللغة العثمانية، ما جعل اللغويين يجدون صعوبةً شديدةً في استبدالها بأخرى لاتينية، فماذا حدث؟

اقرأ أيضًا:   أصحاب "الخرائط السرية" في مهمة جديدة: تهديدان جديدان يحدقان بتركيا!

في آب/ أغسطس 1934، انعقد مؤتمرٌ لغويٌ حضره أتاتورك، وبصحبته مستشرقان من روسيا هما سامولوفتش وميشينوف، قدما أبحاثًا في اللغة واللهجات التترية والتركية القديمة في بلاد التركستان والقوقاز، و”عرضا رغبتهما في مساعدة الأتراك على تطهير لغتهم من شوائب العربية، وإيجاد بدائل أخرى”.

ناقش المؤتمر إيجاد حلٍ للمعضلة، لأن نسبة الكلمات العربية في التركية في ذلك الوقت كانت تتجاوز 60% وهنا ذكر المؤرخ التركي يلماز أوزتونا في كتابه “تاريخ الدولة العثمانية” أن “عدد المفردات العربية تجاوز بكثير 10 آلاف كلمة، فإذا تم محوها أصبح التعامل بالتركية شبه مستحيل”، لذا عمل المختصون في اللغة على البحث في اللغتين الفرنسية والإنجليزية لسد فراغ الكلمات العربية، التي يجري الاستغناء عنها، وبعدها راح أتاتورك يجوب مدن تركيا لإقناع الناس بتعلم اللغة الجديدة ويبيّن مساوئ اللغة العربية بالكذب والزور، حتى أنه اجتمع ببعض الأتراك في إحدى المدن قائلًا لهم: “يجب أن تنسوا الحروف القديمة”.

وأطلق أتاتورك زبانيته لبث السموم في عقول الجماهير، وتزيف وعيهم استكمالًا لمخطط الهدم اللغوي، ففي كتاب “اللغة التركية أساس اللغة العربية” أدعى عضو مجمع اللغة التركية “حازم أونات” أن اللغة العربية ما هي إلا لغةٌ مشوهةٌ للغتهم، وأنها أخذت من التركية قواعدها واصولها وجذور كلماتها وضمائرها، وأن واجب الدولة التركية الحديثة الرجوع إلى اللسان التركي الخالص”، هكذا قال أطرف كذبةٍ قيلت في حق اللغة العربية.

اقرأ أيضًا:   إبراهيم قرا غول يكتب: أطلقت صافرة البداية.. عاصفة وخطر كبير يقتربان جنوب تركيا

رحل أتاتورك وعاشت تركيا من بعده حالة تخبطٍ لغويٍ وانعزالٍ ثقافيٍ خلق حالةً من الجهل بين الأتراك وفصلهم عن تاريخ أجدادهم بالإضافة إلى اتساع الهوة المعرفية بين الأجيال الجديدة والقديمة، واشتهر مثل شهير وقتها يقول: “إن التركي كان يتكلم في اليوم ألف كلمة، ولكن بعد تغيير الحروف إلى اللاتينية، أصبح يتكلم 128 كلمةً فقط”، إلى أن جاء أردوغان وتنبه لهذا الخطر وعزم على إحياء اللغة العثمانية من جديد بالأحرف العربية، كجزءٍ من الطرح الثقافي لخطة العدالة والتنمية ضمن رؤية 2023، لربط الجيل الحالي بأمجاده وتاريخه.

فقد قال أردوغان في إحدى خطاباته “إن اللغة تعتبر الوصف الرئيسي للحضارة والذاكرة التي من خلالها تبنى الأمم ومن دونها تفنى”، متسائلًا:”هل هناك أمةٌ في العالم لا يستطيع أبناؤها قراءة لغة أجدادهم التي كتبت قبل مائة عام؟” مشيرًا إلى العجز الذي حال بينهم وبين قراءة آلاف الوثائق التاريخية بدار المحفوظات، بسبب الانقطاع عن اللغة التي كتبت بها.

إن سلب لغة أي شعب معناه سلب لحضارته ومسح لذاكرته، وأكثر الأمم التي تضررت من هذا التغيير القسري للغتها ودفعت ثمنًا غاليًا من أجل ذلك، هى الأمة التركية، التي كانت ضحية تآمر عالمي علمنها وغيّبها عن الحضور الثقافي والفكري مدة قرن من الزمان، وعزلها عن العالم الخارجي، فلا قيمة لأمة هانت عليها لغتها ولاكت ألسنتها لغاتٍ أخرى، ظنًا منها أنها رمزٌ للتقدمية والسيادة، وهي في حقيقتها علامة نقص تنم عن جهلٍ بقيمة ما تحمله لغتهم من اختلاف وتفرّد، يعزز انتماء الأجيال ويقوي أواصر اتصالها بتاريخها وحضارتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *